هل يفجّر ممر زنغزور العلاقات الإيرانية الروسية؟
عاد ملف ممر زنغزور إلى الواجهة مرة أخرى في أعقاب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجمهورية أذربيجان في 18 أغسطس/آب الماضي.
ميدل ايست نيوز: فيما أوحت الاتهامات الغربية لإيران بتزويد روسيا بصواريخ بالستية لاستخدامها في الحرب على أوكرانيا، بتعاظم التعاون بين طهران وموسكو، إلا أن هناك توتراً بدأ يلوح في أفق القوقاز الجنوبي في العلاقات الإيرانية الروسية، على خلفية دعم روسيا لإنشاء جمهورية أذربيجان ممر زنغزور الحدودي، الذي يلغي عملياً الحدود الإيرانية الأرمينية ليربط طرفي الأراضي الأذربيجانية المنفصلين عن البعض، أي غربها مع ناختشيفان، المنفصلين عند نقطة الحدود الإيرانية الأرمينية.
ملف ممر زنغزور
وعاد ملف ممر زنغزور إلى الواجهة مرة أخرى في أعقاب زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لجمهورية أذربيجان في 18 أغسطس/آب الماضي، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الداعمة لإنشاء ممر زنغزور، مثيراً مخاوف إيران مجدداً، المصرة على رفض “أي تغيير” في حدود القوقاز.
وفي السياق، حذّر وزير الخارجية الإيراني الجديد عباس عراقجي، في وقت سابق من الشهر الحالي على منصة إكس (تويتر سابقاً) من أي تغيير في الحدود وإعادة ترسيمها، قائلاً إن ذلك “يشكل خطاً أحمر لإيران”.
كما خرج برلمانيون ومسؤولون آخرون من البلد، بتصريحات مماثلة جددت التأكيد على الموقف الرسمي الرافض للمساعي الأذربيجانية المدعومة روسياً وتركياً لإنشاء ممر زنغزور، وذلك بعدما أصبحت منطقة القوقاز الجنوبي على وقع تغييرات في التوازنات على خلفية حرب 2020، التي شنتها القوات الأذربيجانية لاستعادة أراضيها المحتلة في ناغورنو كاراباخ من أرمينيا.
ونصت اتفاقية وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا بوساطة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 على إنشاء ممر رابط بين الأراضي الأذربيجانية بإشراف روسي.
في السياق، رأى الخبير الإيراني صلاح الدين خديو، أن القوقاز الجنوبي منطقة جيواستراتيجية حساسة وحيوية وحلقة اتصال بين عدة ممرات، وتحظى بأهمية كبيرة لإيران التي تصل من خلالها إلى أوروبا، مشيراً إلى أن باكو “وحدها لا تستطيع القيام بتغييرات جيوبوليتكية في القوقاز”، وموقفها مدعوم من تركيا وروسيا وكذلك بفعل بروز تغييرات على المعادلات الأمنية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، والتقارب الأذربيجاني الروسي على حساب أرمينيا التي كانت تعول على الدعم الروسي لها قبل أن يتجه هذا الدعم نحو باكو.
وأضاف خديو أن إيران وأرمينيا أدركتا مؤخراً التغييرات التي طرأت على التوازنات والمعادلات في القوقاز الجنوبي، لافتاً إلى أن يريفان كانت أكثر تأخراً في ذلك، إذ كانت تعتمد على الدعم الأمني الروسي منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي في عام 1991، باعتبار أن روسيا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها ضمان بقاء أرمينيا ومستقبلها في مواجهة التهديدات الوجودية، من دون إدراك حصول تحول في الموقف الروسي منذ سنوات.
وزاد هذا التحول في العامين الأخيرين على وقع الحرب الأوكرانية وتعاظم التقارب الروسي التركي والحاجة الروسية إلى البحث عن طرق للالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية، إذ طُرحت أخيراً إمكانية تصدير الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أذربيجان وتركيا.
وأوضح الخبير الإيراني أن التقارب الروسي التركي أيضاً انسحب على القوقاز الجنوبي، إذ أسس لدور متعاظم لتركيا في هذه المنطقة، وهو دور مدفوع باستراتيجية تركية للوصول براً عبر زنغزور إلى الجمهوريات التركية المستقلة، مثل كازاخستان وتركمانستان.
من جهته، قال القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني، حسين كنعاني مقدم في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن تركيا من خلال إنشاء ممر زنغزور بصدد تشكيل “تركيا الكبرى”، مؤكداً أن ذلك يشكل تهديداً أمنياً لإيران الرافضة لذلك. ووصف مسألة إنشاء ممر زنغزور بأنها “لعبة شطرنج جيوبوليتيكية خطيرة”، قائلاً إن اللاعبين فيها هم دول جارة في القوقاز وقوى من خارج المنطقة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وبريطانيا.
وتقرّبت أرمينيا خلال السنوات الأخيرة من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، بعدما يئست من الموقف الروسي، الأمر الذي شكل قناعة لدى نخبة إيرانية بأن ثمة مصلحة مشتركة آخذة في التبلور في القوقاز الجنوبي بين طهران وواشنطن وعواصم غربية أخرى، داعية إلى استغلال هذا الظرف للعمل معهم في مواجهة التهديدات الجيوسياسية التي تواجهها إيران في القوقاز على حساب دورها وموقعها.
غير أن الخبير الإيراني كنعاني مقدم أكد أن إيران “ليست مستعدة” للتعاون مع الأطراف الغربية للعمل بشكل مشترك ضد روسيا في القوقاز الجنوبي.
خطوات بزشكيان
إلى ذلك، قال الأكاديمي الإيراني هادي برهاني إنه رغم توجهات حكومة الرئيس مسعود بزشكيان وفريقه في السياسة الخارجية لتوسيع العلاقات مع الغرب وحل المشكلات بين الطرفين، غير أن الخطوات التي ستتخذها الحكومة في هذا الصدد ستكون “بطيئة ومتوجسة لأنها ليست واثقة بنتائجها الإيجابية”. وأضاف أن إيران لا تريد أن تخطو خطوات سريعة نحو الغرب تغضب روسيا والصين “خصوصاً أنه لا يوجد هناك آفاق واضحة لإنهاء التوترات في العلاقة مع الغرب، والثقة الإيرانية بالغرب انحسرت لأسباب معروفة”.
وأوضح برهاني أن الأطراف الغربية لم تتجاوب مع رغبات إيرانية في مراحل معينة لتحسين العلاقات، مشيراً إلى أن آخرها حتى الآن كان الاتفاق النووي المبرم معها عام 2015، الذي “دمّره” الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2018 بعد انسحابه منه، كما لم يفعل الأوروبيون ما يلزم بإنقاذ الاتفاق النووي. وتابع الأكاديمي الإيراني بالقول إن “إيران تعلم أيضاً أن إسرائيل تعادي هذه العلاقات وستعمل على إفسادها، كما أن الدول الغربية أيضاً ليست عازمة بما يكفي للوقوف ضد هذا الدور الإسرائيلي المدمر”.
وأحيت عودة مسألة زنغزور إلى الواجهة والدعم الروسي للموقف الأذربيجاني جدالاً ونقاشاً قديماً بين النخبة الإيرانية حول مجمل العلاقات مع روسيا، بين مؤيد لها ورافض لها ومتوجس منها، وهو جدال لن ينتهي ويعود إلى واجهة السياسة الإيرانية مع كل موقف روسي لصالح أي جهة إقليمية أو دولية على حساب المصالح الإيرانية وسط انتقادات لاستراتيجية التوجه نحو الشرق. في سياق ذلك، قال برهاني إن نخبا سياسية إيرانية باتت على قناعة بأن روسيا “تستغل غياب العلاقات الإيرانية الغربية وترى أن إيران مضطرة في كل الأحوال للتمسك بعلاقاتها مع موسكو”.