الاقتصاد الإيراني يترقب صدمة جديدة على وقع التوترات الإقليمية
يترقب الاقتصاد الإيراني المتأزم بفعل العقوبات الأميركية وسوء الإدارة لعقود صدمة جديدة على وقع تصاعد التوترات الإقليمية وارتفاع أسعار العملات الأجنبية، خاصة الدولار، وتراجع الريال الإيراني بشكل قياسي.
ميدل ايست نيوز: يترقب الاقتصاد الإيراني المتأزم بفعل العقوبات الأميركية وسوء الإدارة لعقود صدمة جديدة على وقع تصاعد التوترات الإقليمية وارتفاع أسعار العملات الأجنبية، خاصة الدولار، وتراجع الريال الإيراني بشكل قياسي خلال الأيام الأخيرة، ما أثار مخاوف لدى المواطن من احتمال دخول الأسواق في تقلبات واضطرابات كبيرة، على غرار حالات سابقة عندما كان الدولار يسجل طفرة بين الحين والآخر.
ويتابع المواطن الإيراني بقلق مآلات المواجهة الحالية بين إيران والاحتلال الإسرائيلي واحتمال وقوع حرب إقليمية من شأنها أن تفاقم بشكل غير مسبوق الأزمة الاقتصادية في البلاد. وفي هذه الأجواء، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، يوم الاثنين الماضي، في لقاء مع منتجين زراعيين، إن بلاده تواجه اليوم “حرباً اقتصادية شاملة”، مؤكداً أن “الحرب اليوم هي حرب اقتصادية وليست حرب القنابل والصواريخ”. وأضاف بزشكيان “نمتلك الصواريخ لكي لا يتجرأوا على مهاجمتنا”، موضحا أن “أعداء” إيران يريدون تركيعها اقتصادياً من خلال المشكلات الاقتصادية، معبراً عن مخاوفه من هذه المشكلات.
وارتفع سعر صرف الدولار في السوق الإيراني الموازي لأول مرة إلى أكثر من 700 ألف ريال، قبل أن يتراجع بشكل طفيف، الاثنين، إلى نحو 690 ألف ريال.
ويقول الخبير الاقتصادي الإيراني علي سعدوندي إن ارتفاع أسعار العملات الأجنبية يصبح طبيعياً عندما تشهد الجغرافيا السياسية الإيرانية تطورات وتوترات ومخاوف من احتمال اندلاع حرب، مضيفا أن هذه التوترات على خلفية التصعيد بين إيران والاحتلال الإسرائيلي ليست العامل الوحيد وراء تراجع سعر الريال وصعود عملات أجنبية في البلد.
ويوضح سعدوندي أن المشكلة الأساسية تكمن في سياسات البلاد بشأن النقد الأجنبي “فعندما تتراجع موارد إيران من هذا النقد وتتبع سياسة تثبيت أسعار الدولار يؤدي ذلك إلى صدمة في سوق العملات في نهاية المطاف، وهذا ما يجري بين حين وآخر منذ خمسة عقود”.
وعن تبعات ارتفاع أسعار الصرف في السوق الإيراني والأجواء المشحونة على خلفية الهجوم الإسرائيلي الأخير والتهديدات الإيرانية بـ”رد قوي وحتمي”، يقول الخبير الاقتصادي إن بقية الأسواق الإيرانية، وخاصة أسعار السلع والخدمات، لم تشهد حتى الآن “تغييراً ملحوظاً”، متوقعاً أن يكون لارتفاع الدولار هذا المفعول لاحقاً بعدما يؤدي إلى زيادة مستوى الاضطراب وعدم اليقين، ومصير التصعيد الراهن في المنطقة، مشيراً إلى أن من تبعات تراجع سعر الريال هو تأثيره السلبي على الاستثمارات في البلد.
يؤكد سعدوندي أن ارتفاع سعر الدولار يحدث عادة في إيران على نحو “صدمة”، وهو ما يشكل أيضاً صدمة للاقتصاد، مضيفاً أن هذه الزيادة في الأسعار كان من الممكن أن تؤثر إيجابياً على الصادرات الإيرانية كما حصل ذلك في تركيا. لكن السياسة التي يتبعها البنك المركزي الإيراني، وفق رأيه، في ضخ العملات الأجنبية في السوق وخاصة الدولار، أسست لـ”محسوبية” لا تخدم الصادرات الإيرانية و”إنما تقمعها” لصالح السيطرة على السوق على مدى قصير.
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي الإيراني محسن جندقي أن تقلبات أسعار العملات الأجنبية تعود لعدة أسباب، مضيفاً أنه على عكس ما يعتقده البعض فإن التوترات والتصعيد في المنطقة ليست السبب الوحيد في تراجع الريال وزيادة سعر الدولار وعملات أخرى، مشيراً إلى سبب مهم آخر هو الركود التضخمي الذي يواجهه الاقتصاد الإيراني، والذي تسبب في دخول أسواق في الركود وانتعاش أسواق أخرى.
ويوضح جندقي أنه في ظل التضخم الذي يقدر بنسبة تتجاوز 30%، فإن ارتفاع أسعار العملات أيضاً كأي سلعة أخرى “أمر لا مفر منه”، أي أنه حتى لو لم تكن هناك توترات ساخنة في المنطقة، فإن سعر الدولار كان سيرتفع، غير أنه يتوقع أن يتوقف سعر الصرف عند 700 ألف ريال ولا يرتفع أكثر من ذلك بسبب التضخم الذي يخيم على الاقتصاد.
السعر الحقيقي للدولار في السوق الإيراني يتحدد وفق آلية العرض والطلب، كما يقول جندقي، الذي يضيف أن أحد أهم أسباب إنشاء أنظمة تابعة للبنك المركزي المتصلة بأسعار العملات هو الوصول إلى هذا السعر، مشيراً إلى أن آليات البنك المركزي تتأثر بأسعار العملات في السوق الحر الموازي، أي السوق غير الرسمي، ولذلك بعد ارتفاع سعر الصرف في هذا السوق يرفع البنك المركزي أيضاً سعره في السوق الرسمي.
ويضيف أن زيادة السعر الرسمي عادة تؤدي إلى تهدئة السوق غير الرسمي وليس رفع الأسعار فيه، مستبعداً أن يتمكن البنك المركزي من تحديد سعر واحد للعملة الأجنبية، رابطاً ذلك برسم سياسات في الاقتصاد الكلي وكذلك قضايا السياسة الخارجية مثل رفع العقوبات الأميركية.
وعما إذا كانت الحكومة تمتلك إمكانيات وقدرات لضبط إيقاع أسعار الصرف في السوق الموازي وخفض الأسعار، يقول جندقي إن الحكومة بإمكانها منح مساحة أكبر لقطاعات اقتصادية تحقق موارد جيدة من النقد الأجنبي، مثل قطاع البتروكيماويات وضخ كميات كبيرة من النقد الأجنبي في السوق غير الرسمي، والإسراع في تلبية الطلبات التجارية من العملات الأجنبية.
بدوره، يقول الخبير في القطاع العقاري أحمد رضايي إن سوق العقارات راكدة وفاقمت ذلك التوترات الأخيرة، مضيفاً أن الكثيرين ممن كانوا يخططون لشراء بيوت ينتظرون ما ستؤول إليه التوترات بين إيران وإسرائيل، وأشار إلى أنه في حال توسعت هذه التوترات باتجاه مواجهة وحرب فذلك سيترك أثره الكبير في سوق العملات باتجاه خفض الأسعار، وسيؤثر في ارتفاع الأسعار في أسواق أخرى مثل السلع والخدمات.
ويوضح رضايي أن ارتفاع سعر الدولار ووصوله إلى حاجز 700 ألف ريال سيؤدي بعد فترة إلى ارتفاع أسعار العقارات والسكن أيضا إذا توقفت التوترات الإقليمية عند هجمات متبادلة فقط بين إيران وإسرائيل، لافتاً إلى أن هناك ضبابية تخيم على الوضع الاقتصادي في البلد وآفاقه، وهو ما أدخل أسواقاً مهمة في حالة ركود وجعل المواطنين والناشطين في قطاعات اقتصادية عدة ينتظرون اتضاح الصورة بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.
ويزداد سعر صرف الدولار ويتراجع الريال وترتفع احتمالات الحرب في المنطقة، بينما يعيش المواطن الإيراني ظروفاً اقتصادية صعبة منذ ما يقارب ست سنوات نتيجة أزمات اقتصادية متراكمة، فاقمتها العقوبات الأميركية المفروضة على البلد منذ عام 2018 إثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
واستهدفت هذه العقوبات مفاصل الاقتصاد الإيراني، وخاصة موارد تحصيل النقد الأجنبي، مثل الصادرات النفطية التي تشكل شريان هذا الاقتصاد. ورغم أن البلد يتمكن من بيع كميات من النفط تقدر بأكثر من مليون برميل يومياً، لكنه يواجه صعوبات كبيرة في إعادة عوائدها بالنقد الأجنبي بسبب تعرض قطاعها المصرفي أيضاً لعقوبات شاملة.
ويتصدر الاقتصاد وأزماته اهتمامات المواطنين الإيرانيين، حيث أكدت ذلك نتائج مسح أجري خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، حيث شملت العينة 15 ألفاً و878 إيرانياً. وبشأن أهم قضية في البلد، قال 81.9% من المستطلعة آراؤهم إنها الغلاء والتضخم، واحتلت البطالة المركز الثاني بـ47.9%، ثم الإدمان بـ26.9%، والفساد الاقتصادي والإداري بـ13.1%، والسكن بـ12.1%، والحجاب بـ11.9%، وزواج الشبان والشابات بـ10.7%، والطلاق بـ7.1%، وشح المياه بـ5.7%، وعدم الالتزام بالقانون بـ4.7%.