النووي الإيراني… تصعيد لا يلغي الحوار

اد التوتر بشأن الملف النووي الإيراني بعد قرار مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة قبل أيام بإدانة إيران للمرة الثانية هذا العام بسبب عدم التعاون الكامل في ما يتعلق ببرنامجها النووي.

ميدل ايست نيوز: عاد التوتر بشأن الملف النووي الإيراني بعد قرار مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة قبل أيام بإدانة إيران للمرة الثانية هذا العام بسبب عدم التعاون الكامل في ما يتعلق ببرنامجها النووي، في قرار تقدمت بمسودته الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

وعلى الرغم من مسارعة طهران إلى الرد عبر إعلانها في بيان، يوم الجمعة الماضي، أنها ستضع في الخدمة مجموعة من أجهزة الطرد المركزي “الجديدة والمتطورة”، رداً على القرار الرابع من نوعه منذ عام 2022، وتأكيد رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، أمس الأحد، بدء تشغيل الأجهزة، فإن الحوار بين طهران وعواصم غربية سيبقى قائماً، لا سيما وسط ترجيحات برغبة إيران بتجنب تصعيد واسع لا سيما مع اقتراب تسلّم دونالد ترامب السلطة في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.

كما يأتي التوتر بشأن الملف النووي الإيراني في ظروف إقليمية ودولية أكثر تأزماً وخطورة بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، والذي أشعل خلال أكثر من عام عدة جبهات ترتبط بشكل أو آخر بإيران، فضلاً عن تبادل الضربات بين إيران وإسرائيل، والمخاوف من توجيه الأخيرة ضربة لمنشآت نووية إيرانية.

مع العلم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تطرق أخيراً أمام الكنيست إلى الهجوم الذي شنته إسرائيل في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي على إيران قائلاً: “لقد نُشر أن جزءاً معيناً من برنامجهم النووي أصيب في هذا الهجوم”، مضيفاً أن البرنامج النووي الإيراني “نفسه وقدرته على العمل لم يجر إحباطهما بعد”، وذلك بعدما نقل موقع “أكسيوس” الإخباري الأميركي عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين لم يكشف هويتهم، أن الهجوم الإسرائيلي في 26 أكتوبر على إيران “دمر مركزاً سرياً لتطوير الأسلحة النووية في بارشين” على بعد حوالي ثلاثين كيلومتراً جنوب شرق طهران. وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قد مارست ضغوطاً على إسرائيل لهندسة رد على طهران لا يتضمن ضرب منشآت نووية أو نفطية في محاولة لضبط التصعيد المتبادل بين الطرفين.

المضي بحوارات النووي الإيراني

وفي أحدث مؤشر على نوايا المضي بالحوارات بشأن النووي الإيراني قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، أمس الأحد، إن اجتماعاً سيعقد الجمعة المقبلة بين نواب وزراء خارجية إيران وفرنسا وألمانيا وبريطانيا لبحث قضايا ثنائية وإقليمية ودولية.

وأضاف بقائي أن هذه المباحثات تأتي استكمالاً للحوارات التي عقدت بين الطرفين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مشيراً إلى أن المناقشات ستشمل ملفات فلسطين ولبنان والموضوع النووي.

وجاء التأكيد الإيراني للقاء بعدما ذكرت وكالة كيودو اليابانية للأنباء، أمس الأحد، نقلاً عن مصادر دبلوماسية إيرانية عدة أن إيران تعتزم إجراء محادثات نووية مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي في جنيف. وقالت “كيودو” إن من المتوقع أن تسعى الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس مسعود بزشكيان إلى التوصل لحللأزمة النووي الإيراني مع بريطانيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي قبل تنصيب ترامب.

مع العلم أن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية كانت قد ذكرت في 14 نوفمبر الحالي أن الملياردير إيلون ماسك، المقرّب من ترامب، والذي سيؤدي أدواراً مركزية داخل إدارته، التقى السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني في محاولة لنزع فتيل التوتر بين طهران وواشنطن. ولم يؤكد فريق ترامب اللقاء فيما نفت الخارجية الإيرانية بعد يومين من انتشار الخبر صحة اللقاء.

كما زار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي طهران منتصف الشهر الحالي، وأجرى مباحثات مع المسؤولين الإيرانيين بشأن الملف النووي، قبيل الاجتماع الفصلي لمجلس محافظي الوكالة الذي أصدر قرار الإدانة الجديد. وفي السياق، أكد رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، أمس الأحد في كلمة له في جلسة البرلمان، أن طهرن بدأت تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتطورة رداً على القرار الصادر عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

واتهم قاليباف، وفق وكالة خانه ملت التابعة للبرلمان الإيراني، فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأميركا باتباع “توجه سياسي غير واقعي ومدمر أدى إلى صدور القرار”، مضيفاً أنها تستخدم الأنشطة النووية الإيرانية “ذريعة لإجراءاتها غير المشروعة”. وتابع أن “استمرار هذه القرارات السياسية غير البناءة تدفع الدول نحو إجراءات خارجة عن بروتوكولات الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

وجاء القرار بتشغيل المجموعة الجديدة من أجهزة الطرد بعدما كان مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة قد أدان ليل الخميس – الجمعة إيران للمرة الثانية هذا العام بسبب عدم التعاون الكامل. وطالب القرار، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بإعداد تقرير شامل حتى مارس/ آذار المقبل بشأن أنشطة إيران النووية ومدى تعاونها مع الوكالة، مطالباً إيران باتخاذ إجراءات ضرورية وعاجلة للرد على أسئلة الوكالة الدولية لحل الخلافات بشأن موقعين مشتبهين بممارسة أنشطة نووية.

وجاء الرد من طهران في بيان مشترك صادر عن المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية ووزارة الخارجية الإيرانية يوم الجمعة الماضي: “أصدر رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية أمراً باتخاذ إجراءات فعالة، بما فيها وضع مجموعة كبيرة من أجهزة الطرد المركزي الجديدة والمتطورة وبأنواع مختلفة في الخدمة”.

من جهته كشف رئيس تحرير صحيفة إيران الإيرانية الرسمية هادي خسرو شاهين، أن منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قامت، رداً على قرار مجلس المحافظين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بضخ الغاز إلى 23 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة من أجيال “آي آر 4″ (IR4)، و”آي آر 2 أم” (IR2m) و”آي آر 6″ (IR6) في منشأتي فوردو ونطنز النوويتين. وأكد أن تشغيل هذه الأجهزة من شأنه رفع طاقة تخصيب اليورانيوم وتطوير الصناعة النووية الإيرانية بشكل ملحوظ.

ويُعد اليورانيوم عالي التخصيب أساسياً لتصنيع الرؤوس الحربية النووية، لكن إيران تؤكد أنها لا تنوي السعي لامتلاك أسلحة نووية. وفي إطار تقييم النووي الإيراني أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الثلاثاء الماضي، أن مخزون إيران المقدر من اليورانيوم المخصب تجاوز بـ 32 مرة الحد الوارد في اتفاق عام 2015 بين إيران والقوى العالمية للحد من برنامج النووي الإيراني.

ووفقاً لتقرير سري للوكالة اطلعت عليه وكالة فرانس برس، فإن إجمالي مخزون إيران من اليورانيوم المخصب قُدِّر بنحو 6604.4 كيلوغرامات اعتباراً من 26 أكتوبر الماضي، بزيادة 852.6 كيلوغراماً عن التقرير الفصلي الأخير في أغسطس/آب. وعلى الرغم من أن مجلس المحافظين لا يمتلك سلطة فرض عقوبات، فإن دبلوماسيين غربيين أشاروا إلى أن تقرير مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد يشكّل أساساً لتصعيد القضية إلى مجلس الأمن الدولي، الذي يملك سلطة فرض عقوبات جديدة.

وتعد قضية التحقيقات التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول موقعين مشتبهين بممارسة أنشطة نووية غير معلنة فيهما، كانت قد أعلنت الوكالة سابقاً أنها عثرت فيهما على جزيئات اليورانيوم المخصب، أهم نقاط الخلاف الأساسية بين الطرفين. وتوصل الطرفان عدة مرات إلى تفاهمات لحل هذا الملف، لكنهما أخفقا في ذلك، وتحولت قضية الموقعين إلى إحدى العقبات أمام الاتفاق في المفاوضات النووية المتوقفة منذ سبتمبر/ أيلول 2022. وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أعلنت عام 2018 عثور مفتشيها على جزئيات مواد نووية في أربعة موقع، داعية إيران إلى تقديم توضيحات كافية بشأنها.

وجاء الإعلان حول البرنامج النووي الإيراني بعد عام من حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في سبتمبر/أيلول 2017 في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن وجود ما وصفه بأنه مخازن نووية سرية في إيران، قائلاً إن طهران قامت بإزالتها قبل وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومشيراً إلى موقع تور قوزأباد جنوبي طهران، مظهراً صورة عنه.

ومع مرور الوقت، جرى حل قضية الموقعين، وبقي موقعا ورامين وتور قوزأباد عالقين. وظلت طهران تتهم الكيان الإسرائيلي ومجموعات معارضة للثورة الإسلامية بأنها تقف خلف هذه التقارير الأممية، مشيرة إلى أن “جهات معادية” قامت بوضع جزئيات مواد نووية في الموقعين، ونافية ممارسة أنشطة نووية فيهما.

رابع قرار لـ”الذرية الدولية”

ويعد قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة للذرية الدولية الجديد، الرابع من نوعه منذ إبرام الاتفاق النووي عام 2015، وبعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي عام 2018، بالإضافة إلى أنه ثمة بيانات متعددة تصدر في كل اجتماع فصلي لمجلس محافظي الوكالة، ينعقد كل ثلاثة أشهر، بشأن البرنامج النووي الإيراني وتتضمن اتهامات وانتقادات ودعوات لطهران بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن القضايا الخلافية بينهما، والسماح باستئناف تفتيشات أوقفتها إيران، في إطار تخليها المستمر عن التزاماتها النووية المنصوص عليها بالاتفاق النووي، رداً على تداعيات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها. القرار الأول صدر في يونيو/ حزيران 2022، وتضمن ثلاثة مطالب من إيران، تمثلت في الدعوة إلى التعاون الكامل من دون تأخير مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقديم “إيضاحات ذات مصداقية” بشأن آثار جزئيات اليورانيوم في موقعين مشتبهين بممارسة أنشطة نووية غير معلنة، من أصل أربعة مواقع، حلت سابقاً مشكلة اثنين منها، وظلت قضية موقعي تورقوز أباد وورامين جنوبي طهران مستمرة بلا حل حتى اليوم. والمطلب الثالث فهو الدعوة للسماح بقيام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمزيد من الأنشطة في إطار الاتفاق النووي لـ”إزالة الإبهامات”.

وردت إيران على القرار الأول بالبدء في تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة في منشاة نطنز في أصفهان، فضلاً عن إغلاق عدد من كاميرات المراقبة الموضوعة في منشآتها النووية بموجب الاتفاق النووي. أما القرار الثاني فصدر خلال نوفمبر 2022، جدد فيه مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مطالبه الثلاثة المذكورة في القرار السابق.

وبعد القرار الثاني أيضاً ردت طهران باستبدال عدد من أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول “آي آر 1” (IR1) بأخرى متطورة من الجيل السادس “آي آر 6” (IR6) في منشأة “فوردو” بالقرب من مدينة قم على بعد 130 كيلومتراً من طهران، مما زاد إنتاج إيران من اليورانيوم المخصب بدرجات نقاء عالية، فضلاً عن ضخ الغاز إلى عدد آخر من أجهزة الطرد المركزي في منشأة نطنز.

والقرار الثالث صدر في السادس من يونيو 2024 وهو يتهم إيران بعدم التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معرباً عن الأسف لعدم توفر “أجوبة تقنية ذات صدقية” تتصل بوجود آثار لليورانيوم من دون سبب في الموقعين المذكورين آنفاً، مع التأكيد على ضرورة توضيح طهران الوضع، وتسهيل الوصول إلى الموقعين المعنيين، و”أن تتراجع عن سحب اعتماد” بعض مفتشي الوكالة الأكثر خبرة، مع إعادة وصل كاميرات المراقبة “من دون تأخير”، فضلاً عن إلزامه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، بإعداد “تقرير كامل”، وكذلك دعوة إيران إلى تطبيق اتفاق مارس 2023 مع غروسي لحل الخلافات.

حينها، وصفت إيران، سواء عبر خارجيتها أو منظمة الطاقة الذرية، القرار بأنه “غير بناء”، وأنها “لن ترضخ للضغوط السياسية”. كما أكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، أن المنظمة بدأت من اليوم “إجراءات” للرد على تبني قرار أوروبي في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من دون الكشف عن طبيعتها، لكنه قال في الوقت ذاته، إنها “تأتي في إطار اتفاق الضمانات” الملحق لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مما يعني أن الرد لا ينتهك اتفاق الضمانات الملزم، وأنه يشمل إجراءات وفق تعهدات كانت إيران ما زالت تلتزم بها “طوعاً” بموجب الاتفاق النووي. أما القرار الرابع فهو ما صدر عن مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، ليل الخميس – الجمعة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين + 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى