من الصحافة الإيرانية: التداعيات الجيوسياسية والجيواستراتيجية لزيارة وزير الدفاع السعودي لإيران

إن هذا الحضور الرفيع المستوى والذي ركز على التعاون الفني – العسكري، يعكس رغبة السعودية في الاستفادة من خبرات إيران في تطوير أنظمة دفاعية محلية.

ميدل ايست نيوز: في زيارة تُعدّ محطة مفصلية في مسار العلاقات الإيرانية – السعودية وفي خارطة الشرق الأوسط الجيوسياسية، وصل وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى العاصمة الإيرانية طهران في أبريل/نيسان 2025، على رأس وفد كبير يضم 70 مسؤولًا. تُعد هذه الزيارة، الأولى من نوعها لمسؤول عسكري سعودي رفيع إلى إيران منذ عقود، بمثابة تحوّل استراتيجي في سياسة الرياض الدفاعية والأمنية، لا سيما في ظل التهديدات الإقليمية وتصاعد فعالية الأساليب القتالية غير المتكافئة.

وبحسب مراقبين، فإن هذا الحضور الرفيع المستوى والذي ركز على التعاون الفني – العسكري، يعكس رغبة السعودية في الاستفادة من خبرات إيران في تطوير أنظمة دفاعية محلية، خاصة بعد محدودية أداء أنظمة غربية كـ”باتريوت” في التصدي لهجمات الطائرات المسيرة والصواريخ المنخفضة الارتفاع خلال حرب اليمن. واعتُبر استقبال رئيس الأركان الإيراني اللواء محمد باقري للأمير خالد بن سلمان دلالة واضحة على انفتاح متبادل وإعادة تعريف السياسات الأمنية في الخليج.

,في تصريحاته خلال اللقاءات، أشار الأمير خالد إلى ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية، منتقدًا السياسات الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، ومشددًا على أهمية التكاتف الإسلامي، في خطاب يعكس تبدلًا في موقف الرياض من التوتر إلى التقارب مع طهران، خلافًا لنهج سابق كان ينظر إلى إيران كتهديد وجودي.

ويبدو أن أحداث 7 أكتوبر 2023 وما تبعها من اهتزاز في شرعية إسرائيل الإقليمية، دفعت السعودية إلى إعادة تقييم تحالفاتها الاستراتيجية. ورافق وزير الدفاع السعودي في زيارته عدد من الخبراء الفنيين، ما يُشير إلى تركيز المحادثات على ملفات دفاعية تقنية، تشمل إمكانيات التعاون في مجالات الطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي “باور 373” والصواريخ الباليستية مثل “خيبر شكن”، والتي باتت تمنح إيران موقعًا متقدمًا في الصناعة الدفاعية الإقليمية.

وفيما تشير التقديرات إلى احتمال انتقال التكنولوجيا أو حتى المشاركة في إنتاج مشترك للتسليح، فإن هذه الخطوة، في حال إتمامها، قد تقلّص من اعتماد الرياض على السلاح الغربي، على الرغم من احتمالية خضوعها لمراجعات أمنية أمريكية صارمة.

وفي جانب آخر من هذه الزيارة، يعكس التنسيق الظاهر بين الرياض وطهران في المواقف المعلنة تجاه إسرائيل أرضية خصبة لتوحيد الجهود في إدارة أزمات إقليمية مثل حرب غزة، وقد يُمهّد ذلك لتشكيل جبهة موحدة داخل منظمات كمنظمة التعاون الإسلامي، وفق ما أشار إليه وزير الدفاع السعودي في انتقاده للتوسعية الإسرائيلية ودعوته لوحدة الصف الإسلامي.

وعلى المستوى الجيوسياسي، اعتُبرت الزيارة مؤشرًا جديدًا على تراجع النفوذ التقليدي للولايات المتحدة في المنطقة. فالاتفاق الذي أُبرم بين طهران والرياض برعاية صينية في مارس 2023 كان أول زلزال حقيقي في هيكل التحالفات التقليدية. والآن، مع اقتراب السعودية من التعاون مع بلد يخضع لعقوبات أمريكية، تتبلور صورة جديدة لتحوّل موازين القوى في الخليج. وفي وقت تسعى فيه واشنطن إلى الضغط على طهران لإعادتها إلى طاولة المفاوضات عبر العقوبات، تبرز الصين كوسيط موثوق، مدعومة بحضور اقتصادي واستثماري كبير في كل من إيران والسعودية.

أما الموقف الأمريكي، فقد بدا حذرًا تجاه تقارب الرياض وطهران، خصوصًا في الشق الدفاعي – الصاروخي الذي يمثل هاجسًا أمنيًا لإسرائيل. ورغم أن إدارة ترامب لم تُظهر معارضة مباشرة، إلا أن دوائر القرار الأمريكية تنظر بعين القلق لهذا المسار، وقد تدفع باتجاه دعم دور وساطة سعودي يجنّب المنطقة مواجهة عسكرية، في ظل إشارات من الرياض بأنها لا تنوي أن تكون أراضيها منطلقًا لأي تصعيد تجاه إيران.

في المقابل، لا تزال تحديات بنيوية ماثلة في وجه هذا التقارب، بدءًا من الخلافات المذهبية والعداوة التاريخية بين إيران الشيعية والسعودية الوهابية، مرورًا بالتنافس على زعامة العالم الإسلامي، وصولًا إلى تضارب المصالح في ملفات الطاقة، لا سيما في منظمة “أوبك بلس”.

وتبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار العلاقات: الأول يتمثل في تعاون دفاعي محدود من خلال شراء السعودية عددًا من الطائرات المسيرة أو أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية دون أن تقطع علاقاتها مع شركائها الغربيين؛ الثاني يتمثل في دور أوسع للصين كوسيط يُمهّد لتأسيس تحالف أمني جديد لمواجهة التهديدات الخارجية، خصوصًا تلك المرتبطة بإسرائيل؛ أما الثالث، فهو سيناريو العودة إلى التوتر، في حال تغيّرت الظروف السياسية في أحد البلدين، وهو ما قد يُفضي إلى انهيار التقارب الراهن.

وبصورة عامة، فإن زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران تعكس توجّهًا جديدًا من قبل القوى الإقليمية للابتعاد عن المعسكر الغربي والانخراط في بناء نظام أمني جديد قائم على التعاون الجنوبي – الجنوبي. غير أن نجاح هذا التوجه يبقى مرهونًا بقدرة الطرفين على إدارة خلافاتهما التاريخية وبناء ثقة متبادلة والوقوف في وجه الضغوط الخارجية.

وحيد أفراسيابان
دكتوراه في الدراسات الإقليمية بجامعة العلامة الطباطبائي

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 − 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى