هل يشتري ترامب الاتفاق مع إيران بصفقات اقتصادية؟

تقول المعطيات إن الوصول إلى اتفاق ومسار مشترك مع إيران قد يسهم في إنقاذ بعض الشركات الأميركية من الإفلاس، وهو ما يفسر مساعي إدارة ترامب لعقد صفقات تجارية مع طهران.

ميدل ايست نيوز: هل ثمة فعلا دوافع اقتصادية لترامب تدفعه للتفاوض مع طهران؟ تقول المعطيات إن الوصول إلى اتفاق ومسار مشترك مع إيران قد يسهم في إنقاذ بعض الشركات الأميركية من الإفلاس، وهو ما يفسر مساعي إدارة ترامب لعقد صفقات تجارية مع طهران، أبرزها صفقة محتملة مع شركة بوينغ. كما تبرز فرص استثمارية في قطاع البتروكيماويات، إلى جانب مقترحات أميركية لبناء مصافي نفط داخل إيران، وهي كلها مجالات يحرص ترامب على استغلالها لتحقيق مكاسب اقتصادية رغم التعقيدات والتهديدات التي تطلق من هنا وهناك في حال رفض التفاوض من قبل طهران.

يرى محللون أن التهديدات الإسرائيلية بضرب المنشآت النووية الإيرانية لا تؤثر على مسار المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن. إذ تستخدم هذه التهديدات كأداة ضغط، وليست منفصلة عن السياسة الأميركية، بل تُوظف في إطار توزيع الأدوار بين واشنطن وتل أبيب. في الماضي، كانت الولايات المتحدة تستخدم سياسة “العصا والجزرة” عبر التهديد والدعوة إلى الحوار في آنٍ واحد. واليوم، بعد أن أظهرت إيران رفضها للتفاوض والتشاور تحت التهديد، يبدو أن واشنطن في بعض مواقفها وردود فعلها تراجعت عن لهجتها العدائية، بينما تُركت مهمة التهديد للطرف الإسرائيلي، في تنسيق غير مباشر بين الجانبين.

المفاوضات في جوهرها تخدم المصالح الأميركية. فحتى لو كانت هناك محاولات إسرائيلية لإشعال مواجهة عسكرية أو جرّ أميركا نحو التصعيد، فإن إدارة ترامب لن ترضخ لتلك الضغوط، لأن استمرار الحوار مع إيران يخدم أمن ومصالح الولايات المتحدة. فالاتفاق مع طهران قد يحمي بعض الشركات الأميركية من الإفلاس، كما أن فرص الاستثمار في قطاعات مثل البتروكيماويات ومصافي النفط تمثل مكاسب اقتصادية محتملة.

في الوقت نفسه، لم تحقق إسرائيل أهدافها في غزة، فالقتل والاغتيالات والتدمير لم تكن ضمن قائمة أهدافها الأولية، حيث لم تتمكن من تحرير الرهائن، الهدف الأساسي، باستخدام القوة، بل تم الإفراج عنهم عبر التفاوض والدبلوماسية. وهذا الفشل عزز من قناعة بعض الأطراف بجدوى الحلول التفاوضية، رغم استمرار التصعيد.

من جهة أخرى، تسعى إسرائيل إلى الحصول على ضمانات موازية للاتفاق الأميركي الإيراني، وبشكل خاص ضمانات تتعلق بعدم تفعيل إيران لقوى المقاومة ضد إسرائيل. فالمخاوف الإسرائيلية لا تنبع فقط من البرنامج النووي، بل من تأثير إيران في الساحة الإقليمية. على الرغم من العمليات العسكرية ضد حماس وحزب الله على مدار عام ونصف، فإن إسرائيل لم تحقق مكاسب استراتيجية واضحة، وبقي شعورها بعدم الأمان على حاله، فإلى الآن لا تزال الاشتباكات دائرة في قطاع غزة وعداد الخسائر البشرية من الجيش الإسرائيلي لا يزال يجري، ناهيك عن صفارات الإنذار التي لا تزال تدوي في أجواء تل أبيب والمدن الإسرائيلية الأخرى.

ماذا عن المفاوضات؟

على طاولة المفاوضات، هناك إشارات إلى مرونة إيرانية بخصوص مستويات تخصيب اليورانيوم. الهدف من المحادثات الحالية هو التوصل إلى اتفاق إطاري يتضمن مبادئ عامة، وخارطة طريق زمنية للتنفيذ. وتشير المؤشرات إلى استعداد إيران لتقديم مبادرات تعكس حسن نية خلال الجولات المقبلة.

من جانبها، طرحت الولايات المتحدة خطة وُصفت بأنها “مبنية على حسن النية”، تقضي بالإفراج عن قرابة 10 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في بنك قطري. هذه الخطوة قد تتم بموافقة الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بعدما كان يرفض سابقاً الإفراج عن تلك الأموال. في المقابل، قد تقترح طهران خفض مستوى تخصيب اليورانيوم كبادرة إيجابية.

رغم هذه المبادرات، لا تزال العلاقات بين طهران وواشنطن باردة، وتبقى بعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها إسرائيل، تسعى لإبقاء التوتر قائماً بين الجانبين.

من الواضح أن ترامب لا يرغب بخوض حرب مع إيران. فقد خاضت الولايات المتحدة حروباً طويلة في أفغانستان والعراق وسوريا دون تحقيق أهدافها، بينما تكبّدت خسائر بشرية ومادية ضخمة. هذه الحروب أصبحت عبئاً استراتيجياً، والتهديدات الإسرائيلية تُضاف إلى هذا العبء الذي تتحمله المنطقة بأسرها.

وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو أن البُعد الاقتصادي لا يمكن فصله عن دوافع ترامب في مقاربة الملف الإيراني. فالتقارير، ومنها ما نشرته The New York Times وThe Wall Street Journal، تشير إلى أن عقوداً محتملة مثل صفقة بوينغ ـ التي كانت ستوفر آلاف فرص العمل داخل الولايات المتحدة ـ تمثل حجر الزاوية في الرؤية الاقتصادية للإدارة الأميركية حينها.

وعلى الرغم من التصعيد الكلامي والضغوط الإسرائيلية، فإن مسار التفاوض يظل أكثر انسجاماً مع العقلية التجارية التي تُسيّر قرارات ترامب. فبدلاً من خوض مغامرات عسكرية جديدة، تُفضل واشنطن استثمار الانفراج السياسي المحتمل لتحقيق عوائد مالية، خصوصاً في ظل التقارير الاقتصادية الصادرة عن مجلس التجارة الأميركي (U.S. Trade Representative) التي تؤكد أن سوقاً كالسوق الإيرانية يُمثل فرصة كبرى لشركات الطاقة والطيران الأميركية في حال تم رفع القيود.

كما تُظهر وثائق من Congressional Research Service أن ترامب سعى مراراً إلى إعادة تفعيل أدوات الضغط الناعمة مقابل تنازلات نووية من طهران، لا رغبةً في تجريدها فقط، بل طمعاً في إعادة تموضع الشركات الأميركية في المنطقة. وبينما يتوقع بعض المحللين في Foreign Affairs أن تصطدم هذه الرؤية بعقبات إقليمية، إلا أن الاتجاه العام للسياسة الأميركية ـ كما اتضح في تجربة إدارة ترامب ـ لا يزال يُرجّح كفة الاقتصاد على التصعيد العسكري في التعامل مع إيران.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى