من الصحافة الإيرانية: صادرات إيران على مفترق طرق.. ماذا حدث لـ ‘صنع في إيران’؟

قال مركز الدراسات التابع للبرلمان الإيراني إن الانفصال المتزايد لاقتصاد إيران عن الاقتصاد العالمي يمثل عقبة رئيسية أمام تحقيق التنمية المستدامة. 

ميدل ايست نيوز: حذّر مركز الدراسات التابع للبرلمان الإيراني في تقرير جديد من هشاشة واستدامة الصادرات الإيرانية، مشيرا إلى أن الانفصال المتزايد لاقتصاد إيران عن الاقتصاد العالمي يمثل عقبة رئيسية أمام تحقيق التنمية المستدامة. وقد جاء التقرير من خلال دراسة مؤشرات التجارة الأساسية وتحليل أسباب عزلة الاقتصاد الإيراني.

وذكرت صحيفة دنياي اقتصاد، أنه في الوقت الذي تسير فيه الدول الناشئة بسرعة نحو مسار التنمية، تزداد الفجوة بين الاقتصاد الإيراني والعالم. فعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثين عامًا على استقرار أنماط التجارة العالمية ضمن سلاسل القيمة، لم تُبدِ إيران اهتمامًا يُذكر بالمشاركة في هذا الإطار، وهو ما أدى إلى إضعاف التجارة الخارجية الإيرانية، لا سيما في جانب الصادرات، لتصل إلى حالة من الهشاشة وعدم الاستقرار.

من بين المؤشرات الرئيسية للتفاعل الاقتصادي مع العالم، يُعد “الانفتاح التجاري” أحد المؤشرات المحورية، ويقيس نسبة مجموع الصادرات والواردات إلى الناتج المحلي الإجمالي. هذا المؤشر يعكس مدى انخراط الاقتصاد في التبادل التجاري مع الخارج مقارنة بإجمالي إنتاجه. وتُظهر الإحصاءات الصادرة عن مركز دراسات البرلمان الإيراني أن هذا المؤشر في عام 2022 بلغ 43.8%، ما يضع إيران في المرتبة 128 من أصل 178 دولة، في حين أن المتوسط العالمي يزيد على 80%، وتجاوزت دول ناشئة مثل فيتنام وتركيا نسبة 100%.

في تحليل أعمق، يعكس “مؤشر الإمكانات التصديرية” مدى استغلال إيران لطاقاتها الكامنة في التصدير. يقارن هذا المؤشر بين الصادرات الفعلية والصادرات الممكنة إلى وجهات محددة. فعلى سبيل المثال، تشير البيانات إلى أن صادرات إيران إلى العراق تجاوزت التقدير الكامن بنحو 88%، وهو ما قد يبدو إيجابيًا في المدى القصير، لكنه من منظور الاستدامة يُظهر تركيزًا مفرطًا وتشبعًا في هذا السوق. في المقابل، لم تستغل إيران سوى 22% من إمكاناتها التصديرية إلى روسيا، وبقي نحو 78% من هذا السوق دون استخدام، رغم وجود اتفاق تجارة تفضيلية ثم اتفاق تجارة حرة بين إيران واتحاد أوراسيا. أما بالنسبة إلى الصين، فإن صادرات إيران إليها تزيد بنسبة 26% فقط على التقدير الكامن، ما يعني أن البلاد اقتربت من الحد الأعلى لطاقتها التصديرية في هذا السوق أيضًا. هذا التفاوت يعكس نمطًا من الاعتماد على أسواق يسهل الوصول إليها، مقابل تجاهل أسواق أخرى ذات إمكانات أعلى لكنها أكثر تعقيدًا، وهو ما يؤدي في المدى البعيد إلى تبعية تجارية مفرطة.

يشير تقرير مركز الدراسات البرلماني إلى أن أحد مؤشرات حيوية التجارة الخارجية يتمثل في تنوع الأسواق التصديرية. ففي عام 2004، كانت إيران تصدّر 80% من منتجاتها إلى 21 دولة، بينما تقلص هذا العدد في عام 2023 إلى سبع دول فقط. بمعنى، أن 80% من العائدات التصديرية الإيرانية أصبحت تعتمد على أقل من ثمانية شركاء تجاريين، ما يجعل أي توتر سياسي أو عقوبات أو تغييرات في السياسات التجارية لدى إحدى هذه الدول تهديدًا مباشرًا للصادرات الإيرانية.

كما تناول التقرير مسألة استمرارية السلع في سلة الصادرات بوصفها مؤشراً على استقرار وأداء قطاع التصدير. بين عامي 2013 و2023، بلغ عدد السلع المصدّرة والمسجلة في القوائم الجمركية الإيرانية 3909 سلعة، إلا أن 28.7% فقط من هذه السلع – أي نحو 1122 سلعة – استمرت في الظهور ضمن الصادرات على مدى عشر سنوات، في حين بقيت 43% من السلع، أي أكثر من 1680 سلعة، في القائمة لمدة تقل عن خمس سنوات، ما يعني خروجها في منتصف الطريق.

تشير هذه الأرقام إلى أن بنية الصادرات الإيرانية لا تقوم على سلع دائمة، بل تتغيّر بشكل كبير من عام إلى آخر، وهي سمة غالبًا ما تظهر في الاقتصادات التي تعاني من تقلبات سعر الصرف وتغيّر في الحوافز التصديرية وغياب استراتيجية واضحة. وبناءً على ما ورد من بيانات وتحليل، فإن واقع صادرات إيران يعكس نمطًا من التركيز المفرط والانخفاض في التنوع والضعف في الاستدامة وضآلة النفوذ، إلى جانب الخلل في البنية الاقتصادية. هذه الصورة لا تعكس فقط آثار العقوبات، بل هي أيضًا نتيجة غياب سياسة داخلية واضحة ومنسجمة. ووفقًا للتقرير، فإن أي تحسّن محتمل في ظروف العقوبات، لن يكون كافيًا بحد ذاته لإعادة إيران إلى موقع فعّال في التجارة العالمية ما لم تُنفَّذ إصلاحات هيكلية وجذرية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 + 8 =

زر الذهاب إلى الأعلى