إيران.. انكماش توظيفي في القطاعات المنتجة ونمو غير متوازن في قطاع الخدمات

يُظهر تتبع تطورات سوق العمل الإيراني خلال العقدين الماضيين، منذ عام 2005، أن عدد العاملين في قطاع الزراعة انخفض بنحو 1.5 مليون شخص.

ميدل ايست نيوز: أفاد مركز الإحصاء الإيراني في أحدث تقاريره بشأن أوضاع سوق العمل في البلاد، بأن حصة قطاع الخدمات من التوظيف شهدت نمواً مستمراً، في حين تراجعت حصة قطاع الزراعة.

ووفقًا للتقرير، بلغ نصيب قطاع الخدمات 52.7% من إجمالي التوظيف في إيران، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 0.8% مقارنة بالعام الماضي، في حين انخفضت حصة الزراعة من 14.4% في عام 2023 إلى 13.9% في عام 2024، وهو ما يُعد مؤشراً على استمرار التراجع في توظيف القوى العاملة في هذا القطاع وتوجّهها إلى قطاعات أخرى.

في المقابل، تراجعت حصة قطاع الصناعة بشكل طفيف من 33.7% إلى 33.3%، وهو انخفاض غير كبير لكنه يعكس استمرار حالة الركود في هذا القطاع.

ويُظهر تتبع تطورات سوق العمل الإيراني خلال العقدين الماضيين، منذ عام 2005، أن عدد العاملين في قطاع الزراعة انخفض بنحو 1.5 مليون شخص. ففي ربيع ذلك العام، كانت حصة الزراعة من التوظيف تبلغ 26.8%، أما اليوم فقد تراجعت إلى قرابة 14%، ما يشير إلى تحوّل جذري في هيكل التوظيف في البلاد.

وتعود أسباب هذا التراجع إلى عدة عوامل، منها انخفاض الجدوى الاقتصادية للزراعة وتكرار موجات الجفاف وشح الموارد المائية والهجرة الواسعة من الريف إلى المدن وغياب السياسات الفعالة لدعم الفلاحين. ويعتقد العديد من الخبراء أن انخفاض الإنتاجية وعدم الجدوى الاقتصادية للزراعة جعلا هذا القطاع غير جاذب للجيل الشاب.

أما في قطاع الصناعة، فتظهر مؤشرات واضحة على الركود. فقد بلغ مؤشر مديري المشتريات (PMI) للاقتصاد الإيراني في مايو 2024 مستوى 48.4، وهو لا يزال ضمن نطاق الانكماش.

وسجل المؤشر ذاته لقطاع الصناعة تحديداً مستوى 50، وهو ما يدل على حالة من الجمود. ويُعتبر تجاوز هذا المؤشر لحاجز 50 صعوداً دليلاً على نمو الإنتاج والنشاط الاقتصادي، إلا أن المؤشر ظل دون ذلك في الأشهر الأخيرة.

ويُرجع الخبراء الركود الصناعي في إيران إلى عوامل مثل الانقطاعات المتكررة للكهرباء وتقلبات سعر الصرف ونقص المواد الخام وتراجع الطلب في السوقين المحلي والخارجي. كما أن انخفاض القدرة الشرائية وتراجع الصادرات وغياب برامج الدعم المنسقة، جعلت الصناعات الصغيرة والمتوسطة تواجه خطر الإغلاق.

وبحسب البيانات المتوفرة، فإن مؤشر مبيعات المنتجات الصناعية سجّل تراجعاً للشهر الثالث على التوالي، ما يُنذر باستمرار حالة الركود في هذا القطاع. وفي هذا السياق، أظهر استطلاع أجرته صحيفة “دنياي اقتصاد” وشمل 62 خبيراً اقتصادياً، أن أكثر من 70% منهم يتوقعون استمرار الركود حتى نهاية عام 2025.

ومن أبرز أسباب هذه التوقعات استمرار القيود النقدية والمصرفية والعقوبات الاقتصادية وانعزال النظام المصرفي الإيراني عن الأسواق العالمية. وفي مثل هذه الظروف، تصبح هجرة رؤوس الأموال من قطاعات الإنتاج إلى القطاعات الخدمية أو الأسواق غير المنتجة مثل المضاربة أمرًا حتميًا.

في المقابل، برز قطاع الخدمات كملاذ جديد للقوى العاملة. إذ يُظهر تقرير مركز الإحصاء الإيراني أن هذا القطاع يستوعب اليوم أكثر من نصف إجمالي الوظائف في البلاد.

ويُعزى هذا التوجه إلى تنوع الوظائف في القطاع الخدمي، وسهولة الدخول إليه، وملاءمته للتكنولوجيا الحديثة، ما يجعل الشباب بشكل خاص يُقبلون عليه.

ويؤكد علي أصلاني، أحد خبراء سوق العمل في إيران، أن التوجه العالمي في التوظيف يسير نحو قطاع الخدمات. ويقول: “في العديد من الدول المتقدمة، تتركز أكثر من ثلثي الوظائف في قطاع الخدمات، ونشهد مساراً مشابهاً يتشكل في إيران أيضاً”.

ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل هشاشة هذا القطاع. فقد أظهرت تجربة جائحة كورونا مدى تعرض الوظائف الخدمية للأزمات، حيث توقفت العديد من فرص العمل بسبب الإغلاق القسري ونقص العملاء وضعف البنية التحتية الداعمة. وتُعد هذه التجربة بمثابة ناقوس خطر لصنّاع السياسات بضرورة إيلاء هذا القطاع اهتمامًا أكبر.

من ناحية أخرى، ترافَق نمو التوظيف في قطاع الخدمات مع توسّع متزايد في سوق العمل غير الرسمي. ووفقًا للإحصاءات الرسمية لمنظمة الضمان الاجتماعي، فإن نحو 60% من العاملين في إيران لا يتمتعون بأي تغطية تأمينية. وبعبارة أخرى، فإن أكثر من نصف سوق العمل الإيراني يعمل خارج الأطر القانونية والرسمية. وتصل هذه النسبة إلى أكثر من 75% في المناطق الريفية، وحوالي 50% في المناطق الحضرية.

كما تشير الأرقام ذاتها إلى أن 63% من النساء العاملات و58% من الرجال العاملين لا يحصلون على تأمين، ما يكشف عن أن نسبة كبيرة من التوظيف في البلاد خارج نطاق الحماية القانونية، وتكون عُرضة لأكبر الأضرار عند وقوع أزمات اقتصادية واجتماعية أو طبيعية.

ويُعد نمو أنشطة مثل سيارات الأجرة عبر التطبيقات والأعمال المنزلية وتجارة العملات الرقمية والمشاريع المعتمدة على وسائل التواصل الاجتماعي، مؤشراً على توسع سوق العمل غير الرسمي والاتجاه نحو أشكال التوظيف غير المستقرة. وفي هذا السياق، يصبح من المفهوم عزوف كثيرين عن الدخول في قطاعي الصناعة والزراعة، غير أن الآثار المترتبة على الأمن الوظيفي والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة في إيران تثير القلق.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى