القمر العسكري الإيراني: تحولات بالصناعة الصاروخية والاستراتيجية تجاه الغرب

بغضّ النظر عمّا إذا كان إطلاق إيران القمر الصناعي العسكري ينتهك القرار 2231 أو لا، فإنّ الخطوة نفسها ستزيد من تعقيدات صراع طهران مع الغرب

ميدل ايست نيوز: عاد التصعيد إلى العلاقات الإيرانية الغربية المتأزمة، من أوسع أبوابه أخيراً، بعد فترة هدوء على خلفية أزمة تفشي فيروس كورونا، التي تعدّ إيران والولايات المتحدة من أكثر الدول المتضررة جرائها. فالأولى تحتل المركز الأول في المنطقة لناحية عدد الوفيات، بعدما حلّت مكانها تركيا في أعداد الإصابات، فيما تعدّ أميركا الأولى عالمياً في الإصابات والوفيات معاً. ولم تخفف الجائحة وتبعاتها الداخلية الصعبة على طهران وواشنطن، من حدة التوتر بين الطرفين إلى الآن، على الرغم من الهدوء المؤقت، لتعودا إلى ممارسة الضغوط المتبادلة بغية تسجيل كل منهما نقاطاً على الآخر. هذا الوضع لا يبدو للوهلة الأولى أنه بعيد عن السعي لحرف الأنظار عن المشاكل الداخلية، إلا أنّ الدوافع الحقيقية تتجاوز ذلك، وتأتي في صلب الصراع الدائر بين الدولتين منذ أربعة عقود، الذي دخل مرحلة غير مسبوقة منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018.

في هذه الأجواء التي أطبق عليها كورونا، أطلق الحرس الثوري الإيراني، يوم الأربعاء الماضي، أول قمر صناعي عسكري في تاريخ بلاده، عُرف باسم “نور 1″، وسط تكتم شديد. إذ لم يكشف عن هذا الأمر إلا بعد وضع القمر في المدار بـ”نجاح” على بعد 425 كيلومتراً من الأرض، من دون أن تنتبه له الاستخبارات الأميركية مسبقاً، والدليل على ذلك أنّ واشنطن في الحالات السابقة، كانت تكشف عن مساعٍ إيرانية لإطلاق أقمار صناعية إلى الفضاء قبيل عملية الإطلاق، لكن هذه المرة لم يحدث ذلك، في إشارة واضحة إلى أنها لم تنتبه للعملية. إلا أنه وفقاً لشبكة “سي أن أن” الأميركية، فقد توصّل البنتاغون إلى أنّ تجربة إطلاق القمر العسكري الصناعي الإيراني كانت “ناجحة”.

وأعلن الحرس الثوري أنّ القمر “نور 1” يتمتع بأحدث التقنيات العصرية الخاصة بالأقمار الصناعية، وأشار إلى أنّ الصاروخ “قاصد” حمله إلى الفضاء عبر ثلاث مراحل من صحراء كوير وسط إيران، مؤكداً أنّ الصاروخ يعمل بوقود مركب من السائل والصلب. وأشارت التقارير الإيرانية إلى أنّ وقود محرّك المرحلة الثالثة من النوع الصلب (محرك صاروخي يستخدم دوافع صلبة)، الأمر الذي يكشف عن تطور تقني كبير في الصناعة الصاروخية الإيرانية.

أمّا مهمة القمر الإيراني، فلا تختلف عن مهمة الأقمار الصناعية العسكرية، أي التصوير، والتجسس، والإنذار السريع، والاتصالات، ورصد حالة الجو عسكرياً، والمشاركة في الحروب الإلكترونية، وغيرها من الأغراض العسكرية.

وقمر “نور 1” العسكري، هو خامس قمر إيراني يصل إلى الفضاء، بعد أقمار “أميد” و”رصد”، و”نويد”، و”فجر” المدنية. وجاء إطلاقه بعد فشل عملية وضع قمر “ظفر 1″ المدني في المدار خلال فبراير/ شباط الماضي. كذلك إنّ إيران بـ”نور 1” انضمت إلى نادي الدول التي تمتلك أقماراً صناعية عسكرية في الفضاء، البالغ عددها نحو 300، ضمن ألفي قمر صناعي موجود في الفضاء، الذي تحول إلى ساحة مهمة للأنشطة العسكرية والأمنية في العالم.

ولوضع إيران قمراً عسكرياً في الفضاء، دلالات فنية وعسكرية وسياسية، في آن واحد، إذ سعت من خلال هذه الخطوة إلى بعث رسائل متعددة إلى العواصم الغربية في هذا التوقيت، وخصوصاً واشنطن. وقد جلب هذا التطور انتقادات واتهامات غربية على مدى الأيام الأخيرة لطهران.

كذلك إنّ الدلالات السياسية للخطوة الإيرانية ليست أقل أهمية من دلالاتها الفنية والعسكرية، وهي تتجاوز تأكيد إيران أنّ العقوبات والضغوط الأميركية فشلت في تحقيق أهدافها، وجاءت بنتائج عكسية، كما صرّح بذلك القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، يوم إطلاق القمر، بل إنّ الخطوة تشير إلى “تحول لافت في الاستراتيجية الإيرانية في المواجهة مع الغرب في فترة زمنية حساسة”، وفقاً لموقع “فرارو” الإصلاحي الإيراني.

يأتي ذلك بينما كانت مساعي إيران سابقاً لإطلاق أقمار مدنية إلى الفضاء تثير انتقادات حادة من الغرب، بغضّ النظر عمّا إذا كانت عمليات الإطلاق ناجحة أو فاشلة، لكن بمجرد قيام طهران بها، كانت تتعرض سريعاً للهجمات، التي لم تكن بسبب الأقمار نفسها التي كانت مدنية، بل لجهة الصواريخ التي كانت تحملها إلى الفضاء. إذ تتهم العواصم الغربية طهران بأنها تسعى من خلال برنامجها الفضائي إلى تطوير صواريخها البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية والعابرة للقارات، وهو اتهام دأبت إيران على رفضه.

إلا أنّ هذه المرة، أعلنت إيران رسمياً أنّ القمر عسكري، أي أنّ برنامجها الفضائي اتخذ طابعاً عسكرياً، فضلاً عن قصة الصاروخ الحامل للقمر، وهو ما يعني أنّ طهران قررت أن تدخل مرحلة جديدة في الصراع مع الغرب، ليُضاف البرنامج الفضائي كعنوان جديد إلى جانب ثلاثة عناوين معقدة أخرى لهذا الصراع، أي البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي والدور الإقليمي. ويؤكد ذلك انتقال إيران من استراتيجية “المقاومة الفعالة” إلى استراتيجية جديدة تتخذ طابعاً هجومياً، الأمر الذي سيزيد من مخاوف أميركا وأوروبا أكثر من أي وقت مضى، وينذر بفصل جديد من التصعيد المتبادل بين الطرفين خلال المرحلة المقبلة.

ولا يخفى أيضاً أنّ إيران اختارت توقيتاً مدروساً لتغيير استراتيجيتها في المواجهة مع الغرب، ونقل الرسائل التي تريدها، إذ إنها أطلقت القمر “نور 1” العسكري، في ظلّ انشغال واشنطن والعواصم الأوروبية بجائحة كورونا، وهو ما يحدّ من إمكانية ردة فعل قوية ومنسقة ضدّ الخطوة. فضلاً عن أنّها تأتي في ظروف انتخابية أميركية، لا يملك فيها الرئيس دونالد ترامب رفاهية في الخيارات تجاه طهران. ومن هنا، لا يُستبعد أن يكون أحد أهداف إيران إحراج ترامب انتخابياً لمصلحة منافسه، نائب الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، المؤيد للاتفاق النووي. وإنّ مضايقة السفن الأميركية أخيراً في الخليج قد تحمل الدلالة نفسها.

كذلك، إنّ هذه الخطوة التي اعتبرت صحيفة “فرهيختغان” الإيرانية، أنها تعني “الثورة الصاروخية الثانية” لإيران، تحمل في طياتها مؤشراً واضحاً على إحباط طهران بالكامل من أوروبا لجهة تنفيذ وعودها لإنقاذ الاتفاق النووي بمجابهة العقوبات الأميركية من خلال إطلاق التجارة مع إيران، إذ إنّ الأخيرة على الأغلب درست جوانب القضية كافة قبل عملية الإطلاق، منها ردود فعل أوروبية محتملة.

لكن الغرب على الرغم من انشغاله بتفشي كورونا، أبدى تحفظاً شديداً تجاه التصرف الإيراني، ولكن لم يخرج بعد عن دائرة التنديد الكلامي، فيما هددت واشنطن بإحالة القضية على مجلس الأمن الدولي. واللافت هنا، أنّ الشركاء الأوروبيين للاتفاق النووي، أي فرنسا وبريطانيا وألمانيا، وجّهوا انتقادات واتهامات إلى طهران بالسعي إلى تطوير صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية، في انتهاك للقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والمكمل للاتفاق النووي.

وقد وجهت الولايات المتحدة المنسحبة من الاتفاق أيضاً هذه التهمة إلى إيران، إلا أنّ الأخيرة، باعتراف “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، لا تمتلك في الوقت الراهن أسلحة نووية، وبحسب إسرائيل وأميركا، فإنها بعيدة عن ذلك لعام أو أكثر، وبالتالي إنّ سبب هذه التحفظات والاتهامات يكمن في وجود مخاوف حقيقية لدى القوى الغربية من أن مواصلة إيران نشاطها الفضائي، تسرّع وتيرة سعيها إلى امتلاك صواريخ عابرة للقارات، تكون جاهزة لحمل رؤوس نووية، إذا ما قررت إيران مستقبلاً في يوم من الأيام التوجه نحو صناعة القنبلة الذرية.

وبالرجوع إلى نصّ القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن الدولي يوم 20 يوليو/ تموز عام 2015، بعد نحو أسبوع من توقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة السداسية الدولية، الذي ألغى ستة قرارات أممية بشأن العقوبات المفروضة على إيران، يتبين أنّ القرار لم يتطرق إلى موضوع الصواريخ إلا في الفقرة الثالثة بالملحق الثاني، إذ تنص الفقرة على حظر الأنشطة المرتبطة بالصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية. وعليه، تقول طهران إنها لا تسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية، معتبرةً استدعاء أوروبا وأميركا القرار في موقفهما ضدّ برنامجها الفضائي “في غير محله وتفسير خاطئ للقرار”، بحسب ما جاء في تغريدة لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، يوم الجمعة الماضي.

في المحصلة، وبغضّ النظر عمّا إذا كان إطلاق إيران القمر الصناعي العسكري ينتهك القرار 2231 أو لا، فإنّ الخطوة نفسها ستزيد من تعقيدات صراع طهران مع الغرب، وستفتح فصلاً جديداً من التصعيد بين الطرفين، ما يجعل المستقبل القريب مليئاً بتطورات ساخنة، خصوصاً أنّ ترقيم اسم القمر العسكري بـ”نور 1″ يعني أنّ إيران تعمل على تطويره وإطلاق نسخ أخرى.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 + واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى