مع بدء تشغيل المحطة النووية الإماراتية.. الأنظار تتجه إلى الخطط السعودية

تفتقر السعودية إلى الخبرة لتخصيب اليورانيوم وحدها، لكن حجم الطاقة النووية في المملكة يمثل فرصة تجارية ثمينة للآخرين.

ميدل ايست نيوز: في الأول من أغسطس/آب، أصبحت الإمارات أول دولة عربية تشغل محطة للطاقة النووية، بعد أسبوعين فقط من إرسالها مسبارا في مهمة إلى المريخ.

وبالرغم أن كلا المشروعين تم تنفيذهما عبر خبرة طرف ثالث، حيث تم تطوير محطة الطاقة النووية “براكة” من قبل مؤسسة الإمارات للطاقة النووية وشركة كوريا للطاقة الكهربائية، لكنهما يمثلان نقلة نوعية لدى الإمارات.

وبالنظر إلى أن الطاقة النووية ستكون أكثر فاعلية من الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى وحتى الغاز الطبيعي في تلبية الطلب المحلي على الطاقة في الإمارات، من المتوقع أن توفر محطة “براكة” 25% من الكهرباء في الإمارات بمجرد التشغيل الكامل.

وعند اكتمالها، ستنضم “براكة” إلى محطات طاقة نووية أخرى في الشرق الأوسط، مثل محطة “بوشهر 1″ و”بوشهر2” في إيران، وهناك محطة “أكويو” في تركيا قيد الإنشاء، بينما يتم التخطيط لمحطات في منطقة “قصر عمرة” في الأردن و”أم حويض” و”خور دويهن” في السعودية.

وستكون السياقات الاجتماعية والسياسية والأمنية والاقتصادية مختلفة في كل دولة من هذه الدول.

ويبدو أن دوافع الإمارات في هذا المجال تشمل معالجة الاحتياجات المتزايدة للطاقة، والمخاوف بشأن تغير المناخ، وزيادة صادرات الطاقة، والتنويع الاقتصادي، وخطط توطين الوظائف، وتأمين فرص جديدة لتوسيع الشراكات الخارجية.

وتم إطلاق برنامج الطاقة النووية الإماراتي عام 2008، وبدأ البناء في “براكة” عام 2012، ولكن منذ ذلك الحين تدهور الوضع الأمني ​​الإقليمي، بما في ذلك تداعيات الثورات العربية،  والحرب في اليمن، التي تدخل فيها تحالف بقيادة السعودية والإمارات في مارس/آذار 2015 لدعم القوات الموالية للحكومة ضد المتمردين الحوثيين.

وزعم الحوثيون أنهم أطلقوا صاروخ كروز باتجاه موقع “براكة” في ديسمبر/كانون الأول 2017، خلال مرحلة البناء، لكن لم يكن هناك دليل على وصول الصاروخ إلى الإمارات.

وعملت الإمارات بشكل وثيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك توقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في عام 1995، وإبرام معاهدة الأمم المتحدة للحظر الشامل للتجارب النووية في عام 2000، وتوقيع اتفاقية الضمانات الشاملة في عام 2003.

وتم التصديق على بروتوكول إضافي لاتفاقية الضمانات الشاملة في عام 2010، وقبل ذلك بعام، التزمت الإمارات نفسها من خلال التشريعات المحلية بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم.

وأصبح ذلك معروفا باسم “المعيار الذهبي” لاتفاقيات التعاون النووي المستقبلية، لأنه يحول دون استخدام التكنولوجيا والمهارات والبحث والتطوير اللازمة في برنامج أسلحة نووية، وهو ما يظل الشغل الشاغل لإيران.

ويمكن أيضا استخدام البلوتونيوم، وهو منتج ثانوي لدورة الوقود النووي، في صنع أسلحة نووية.

وتتضمن إحدى الاتفاقيات الثنائية للإمارات اتفاقية 123 مع الولايات المتحدة، التي سميت على اسم المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي، الذي يتطلب ضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضمانات عدم الانتشار، وموافقة الكونجرس، قبل نقل المواد والمعدات والتكنولوجيا النووية.

كما أبرمت الإمارات العديد من الاتفاقيات مع الجهات الرقابية الأجنبية، بما في ذلك اتفاقية تعاون مع هيئة الرقابة النووية الأمريكية التي تستهدف تعزيز سلامة وأمن الأنشطة النووية السلمية من خلال التبادلات الفنية، وتبادل الموظفين، وشراكات المساعدة لتطوير البرامج التنظيمية.

وتم التوقيع على ذلك في عام 2010، وتم تجديده في عام 2015، ومن المحتمل أن يتم تجديده مرة أخرى في عام 2020.

وبما أن الإمارات ملزمة قانونا باستيراد اليورانيوم، فإنها لا تقوم بأي أنشطة تخصيب بنفسها، وتتعاقد مؤسسة الإمارات للطاقة النووية مع “أريفا” و”تكسناب إكسبورت” لتوريد مركّزات اليورانيوم وتخصيبه.

ويتم توفير جميع اليورانيوم المخصب لشركة كوريا للطاقة الكهربائية لتصنيع وتوصيل الوقود، وتوظف مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، التي تأسست عام 2009، المئات من المتخصصين النوويين الإماراتيين الذين يعملون مع هؤلاء الشركاء الدوليين ويكتسبون معرفة قيمة في مجالات تخصصهم.

وفي عام 2019، خلال الحصار المستمر لقطر، قدمت الدوحة شكوى للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن محطة “براكة”، مشيرة إلى أن عدم التعاون مع الدول المجاورة “فيما يتعلق بالتخطيط للكوارث والصحة والسلامة وحماية البيئة” يشكل تهديدا خطيرا على الاستقرار الإقليمي والبيئة.

وبالرغم من التزام الإمارات بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم المحلي وتركيزها على السلامة، حيث تأخر المشروع عن الموعد المحدد بعامين بعد اكتشاف أن كابلات التحكم ذات الصلة بالسلامة دون المستوى المطلوب، لكن عدم التعاون مع الجيران، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب، يمكن اعتباره نقطة ضعف.

ولدى السعودية مبرر مماثل لدولة الإمارات في أهدافها المعلنة لتنويع مزيج الطاقة لديها، واستخدام كميات أقل من النفط لمحطات الطاقة وتحلية المياه، وإتاحة المزيد للتصدير.

ولكن هناك مخاوف في مجتمع حظر انتشار الأسلحة النووية من أن السعودية سوف تتحايل على القيود المفروضة بموجب اتفاقية 123 مع الولايات المتحدة، وأنها تفضل تخصيب اليورانيوم محليا لتغذية برنامج الطاقة النووية المخطط له وكذلك الانخراط في إعادة معالجة الوقود المستهلك.

وتفتقر السعودية إلى الخبرة لتخصيب اليورانيوم وحدها، لكن حجم الطاقة النووية في المملكة يمثل فرصة تجارية ثمينة للآخرين، مثل الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين وكوريا الجنوبية.

وحتى الآن، تشير الدلائل إلى أن السعودية تشارك بنشاط أكبر مع الصين في هذا المجال، وفي يناير/كانون الثاني 2016، وقع البلدان مذكرة تفاهم لبناء مفاعل تبريد بالغاز عالي الحرارة واتفقا على تسويقه بشكل مشترك في وقت لاحق من ذلك العام.

وفي 25 أغسطس/آب 2017، وقعت هيئة المسح الجيولوجي السعودية والمؤسسة النووية الصينية مذكرة تفاهم لاستكشاف وتقييم موارد اليورانيوم والثوريوم.

وصرح الرئيس “دونالد ترامب” في ديسمبر/كانون الأول 2017 أنه قد لا يصر على تطبيق “المعيار الذهبي” على المملكة في محاولة لتوفير فرص جديدة في السوق للمساعدة في إخراج المقاول النووي “وستنجهاوس” من الإفلاس ومواجهة التعاون السعودي مع الصين.

وكانت إدارة الرئيس السابق “باراك أوباما” قد دعت إلى اتباع نهج يتعامل مع كل حالة على حدة عبر اتفاقية 123 أيضا، لكن عدم وضوح إدارة “ترامب” في الحالة السعودية أثار مخاوف، ليس أقلها بسبب الرسالة التي ترسلها إلى الآخرين، ولا سيما مصر، التي تنتهي اتفاقية 123 الخاصة بها مع الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2021.

وأصبحت مفاوضات إدارة “ترامب” مع السعودية أكثر تعقيدا منذ 8 أغسطس/آب 2018، عندما استحوذت شركة “بروكفيلد”، وهي شركة كندية، على “وستنجهاوس”.

وفي الشهر نفسه، انتقدت “كريستيا فريلاند”، وزيرة خارجية كندا آنذاك، اعتقال ناشطات سعوديات في المملكة، ما دفع السعوديين إلى قطع العلاقات مع كندا.

ويبدو أن دور شركة “وستنجهاوس” في طموحات الطاقة النووية السعودية غير مرجح إلى حد كبير طالما استمرت التوترات السعودية الكندية.

ومن المرجح أن يجبر إشراف الكونجرس، والسياسة الإسرائيلية التي تحث على اتخاذ موقف صارم لمنع انتشار الأسلحة النووية لدى السعوديين، إدارة “ترامب” على الالتزام بالمعيار الذهبي في التعاملات المستقبلية مع السعودية، ولكن فقط إذا اختارت المملكة مشاركة الولايات المتحدة بشأن الطاقة النووية.

ويمكن لدول أخرى مثل روسيا وفرنسا والصين ملء الفراغ بسهولة، ولكن بما أن السعودية لا تزال تعتمد على الولايات المتحدة للحصول على المساعدة الأمنية، فلا يزال هناك قدر من النفوذ.

ويعتبر “التهديد الإيراني”، أحد الاعتبارات الرئيسية عند تقييم سياسة الطاقة النووية في الرياض.

على سبيل المثال، في مارس/آذار 2018، قال ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”: “إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها في أقرب وقت ممكن”.

وبحلول 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كانت السعودية قد بدأت في إنشاء أول مفاعل للأبحاث النووية بتصميم أرجنتيني في مدينة الملك “عبد العزيز” للعلوم والتكنولوجيا.

وفي فبراير/شباط 2019، بدت إيران على استعداد لتأمين الوصول إلى مناجم الفوسفات السورية، وهي مصدر محتمل لليورانيوم.

وربما يكون هذا قد أثر على قرار ولي العهد بتكثيف العمل مع الصين من خلال تأسيس منشأة خاصة باليورانيوم بالقرب من “مدينة العلا” في شمال غرب المملكة، والتي تم الكشف عنها في أغسطس/آب 2020، وهي خطوة مبكرة نحو صنع الوقود النووي.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى