أمريكا ستضطر لتبني استراتيجية مغايرة تجاه إيران.. وهذه أبرز ملامحها

يمكن أن يمثل الانتقال السياسي للولايات المتحدة فرصة، حيث قد تختبر إيران الاحتمالات مع بايدن، أو ربما تتفاوض مع "ترامب" بدلا من مواجهة 4 أعوام أخرى من العقوبات القاسية.

ميدل ايست نيوز: قبل 9 أشهر فقط، كادت الولايات المتحدة وإيران أن تخوضا حربا دموية. وحتى مع سيطرة الأزمات الاقتصادية والصحية على أجندة اليوم، يجب أن تجعل هذه الحقيقة ملف إيران أولوية مبكرة للإدارة الأمريكية الجديدة في عام 2021.

ومن أجل تخفيف التوترات، ستحتاج الإدارة الأمريكية المقبلة إلى إشراك إيران في دبلوماسية جديدة. لكن الدبلوماسية الناجحة مع إيران لن تأتي بسهولة.

وسيتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل مع كل من سياساتها الداخلية وإيران. وسوف تستقبل (إسرائيل) وبعض دول الخليج مثل هذا الارتباط بقلق أو معارضة صريحة.

علاوة على ذلك، يوجد إرث من انعدام الثقة العميق بين واشنطن وطهران. ومع ذلك، يمكن أن يمثل الانتقال السياسي للولايات المتحدة فرصة، حيث قد تختبر إيران الاحتمالات مع الرئيس “جو بايدن”، أو ربما تتنازل وتتفاوض مع “دونالد ترامب” في حال إعادة انتخابه بدلا من مواجهة 4 أعوام أخرى من العقوبات القاسية.

ويجب على الولايات المتحدة أن تبدأ بالتفاوض على اتفاقية لخفض التصعيد تتضمن البرنامج النووي الإيراني وخفض التوترات الإقليمية.

لكن يجب أن تعمل بعد ذلك للتفاوض على متابعة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 ومعالجة الخلافات الإقليمية الأكثر جوهرية.

ومن خلال وضع الدبلوماسية في المقدمة، يمكن للولايات المتحدة معالجة خلافها مع إيران ومعايرة سياسة ذكية وواضحة للشرق الأوسط.

دروس الماضي

وسيكون السياق الذي ستتولى فيه إدارة جديدة السلطة في عام 2021 مختلفا تماما عن السياق الذي تفاوضت فيه إدارة الرئيس “باراك أوباما” على الاتفاق النووي الإيراني.

لكن يمكن للإدارة الأمريكية القادمة أن تتعلم من الدروس القيمة التي أنتجتها تجربة إدارة “أوباما” في التفاوض على تلك الاتفاقية، وكذلك الدروس من انهيار الاتفاقية بعد انسحاب إدارة “ترامب” منها.

وأظهر الاتفاق أن الولايات المتحدة وإيران يمكنهما التوصل إلى اتفاقية للحد من الأسلحة، مع الاتفاق على مخطط للدبلوماسية المستقبلية، ما يجعل المفاوضات الفنية أسهل بكثير لكلا الجانبين.

لكن مسار اتفاقية 2015 يُظهر أيضا أن أي اتفاق لا يعالج سياسات إيران في الشرق الأوسط من المرجح أن يفشل، لأن (إسرائيل) ودول مجلس التعاون، وجميع الجمهوريين تقريبا وبعض الديمقراطيين، سيعارضونها.

ولا يعني الاعتراف بهذا الواقع جعل الاتفاق النووي مشروطا بتنازل إيران عن جميع مصالحها في الشرق الأوسط وتلبية جميع المطالب الـ12 التي حددها وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” كشرط لتخفيف العقوبات في 2018.

فالسعي إلى “اتفاقية كبرى” تعالج بشكل شامل جميع المخاوف النووية والإقليمية في اتفاق واحد يتطلب استسلام إيران هو وصفة للفشل.

لكن عدم القيام بأي شيء لمعالجة المخاوف الإقليمية سيعرض أي اتفاقية للخطر أيضا. ومن شأن اتباع نهج دبلوماسي يعالج المخاوف النووية وغير النووية منذ البداية، ومتابعتها بشكل منهجي بشكل منفصل وبالتوازي، مع السعي لتحقيق تقدم تدريجي في عدد من المجالات بدلا من اتفاق واحد شامل، أن يكون أكثر نجاحا.

وأظهر مسار إدارة “ترامب” مع إيران مدى القوة الاقتصادية للولايات المتحدة. فلدى واشنطن القدرة على تخفيف الضغط الاقتصادي الكبير أو توسيعه من جانب واحد. وتمنح هذه القوة الواضحة للولايات المتحدة نفوذا كبيرا، فضلا عن المرونة لتقديم التنازلات، مع علم الخصم أنها قابلة للعكس.

إيران

ومن المتوقع أن يفوز المتشددون في الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو/حزيران 2021، لكن “حسن روحاني”، الرئيس البراجماتي الذي تفاوض فريقه على الاتفاق النووي لعام 2015، سيبقى في منصبه للأشهر الـ6 الأولى من عام 2021.

ويبقى المرشد الأعلى “علي خامنئي” هو صانع القرار النهائي في إيران؛ ومع ذلك، قد يوفر وجود إدارة “روحاني” نافذة ضيقة من الفرص لوقف التصعيد مبكرا، نظرا لخبرتها في التفاوض على الاتفاق الأصلي والعلاقات التي تربطها بالمفاوضين الأمريكيين.

ولن يبرم “بايدن” ولا “ترامب” اتفاقا تاريخيا خلال الفترة القصيرة التي سيبقى فيها “روحاني” في منصبه، لكن الفشل في ترسيخ أي تقدم سيكون ضياعا لفرصة محتملة.

ويجب على الولايات المتحدة أن تمضي تلك الأشهر الـ6 في صياغة ترتيب مبدئي يعمل على خفض التوترات الإقليمية والحد من التقدم النووي الإيراني. ويجب أن تتشاور في ذلك على نطاق واسع مع شركائها.

ولتهيئة الظروف لمثل هذا الترتيب، ستحتاج واشنطن إلى اتخاذ إجراءات أحادية الجانب على الفور لمنح إيران المزيد من الثقة.

وكحد أدنى، يجب أن تلغي حظر السفر من إيران، وتضمن، بل وتوسع، الاستثناءات من العقوبات الأمريكية التي تسمح لإيران بتلبية الاحتياجات الإنسانية الناشئة عن أزمة كورونا.

ويجب على الولايات المتحدة وإيران محاولة إعادة ضبط دورة التصعيد باتفاقية “تهدئة مقابل تهدئة” غير رسمية.

وفي المقابل توقف الولايات المتحدة الخطاب العدائي وتفعل ما في وسعها لكبح الاستفزازات مثل بعض التفجيرات الغامضة داخل إيران في الأشهر الأخيرة.

ويجب على الولايات المتحدة بعد ذلك أن تقرر كيفية متابعة الاتفاق النووي. وقد تحاول إدارة “بايدن” إقناع المسؤولين في الولايات المتحدة وإيران بإعادة الدخول في اتفاقية 2015.

وقد يكون هذا النهج هو الأسهل للتفاوض. ومن شأن ذلك أيضا أن يؤدي إلى تراجع البرنامج النووي الإيراني بشكل أكثر جدوى، ويمكن أن يساعد الولايات المتحدة في إصلاح العلاقات عبر الأطلسي.

ومع ذلك، فإن العودة إلى الاتفاق يمكن أن تستنفر معارضي الاتفاقية، ومنهم (إسرائيل) والسعودية والجمهوريون في الكونجرس.

وقد تؤدي هذه التداعيات بدورها إلى تعقيد الدبلوماسية المستقبلية مع إيران. وقد تمنع السياسة الداخلية لإيران أيضا احتمال عودة الاتفاقية قبل الانتخابات، حيث لا يرغب المتشددون في فوز فصيل “روحاني” بمثل هذا النصر.

ويمكن لإدارة أمريكية جديدة، في هذه الحالة على الأرجح إدارة “ترامب” أكثر من إدارة “بايدن”، أن تسعى بدلا من ذلك إلى اتفاقية مختلفة قصيرة الأجل؛ حيث اتفاق يفتقر إلى نطاق الاتفاق النووي الأصلي ولكنه يطلب من إيران تجميد برنامجها النووي أو التراجع عنه جزئيا في مقابل تخفيف محدود للعقوبات.

وسيكون هذا الترتيب مشابها للصفقة التي حاول الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” إبرامها عام 2019 بين إيران والولايات المتحدة، أو خطة العمل المشتركة لعام 2013، التي سبقت الاتفاق النهائي.

وقد يجد معارضو اتفاق 2015 هذا الخيار أكثر قبولا، لأنه سيترك المزيد من العقوبات قائمة في البداية. ولأن الاتفاق سيكون مباشرا، مع خطوات قليلة نسبيا للتنفيذ، فإن ذلك يساعد إيران والولايات المتحدة على تجنب الوقوع في مستنقع المفاوضات المفصلة.

ومن ناحية أخرى، لن يؤدي ذلك إلى تراجع البرنامج النووي الإيراني إلى حد بعيد، وسيتطلب فتح مفاوضات جديدة تماما، والتي من المحتمل أن تتطلب فترة مراجعة من الكونجرس مدتها 30 يوما.

وسواء عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 أو تفاوضت على بديل أكثر محدودية فإن ذلك سيعتمد في النهاية على الموقف الإيراني. ويجب أن تكون إدارة “بايدن” أو “ترامب” منفتحة لاختبار كل الاحتمالات.

مسارات متوازية

ومن شأن الاتفاق المبدئي لخفض التصعيد أن يمنع ظهور أي أزمة قبل الانتخابات الإيرانية مما يوفر الوقت للولايات المتحدة لتطوير استراتيجية شاملة بالتشاور مع شركائها والكونجرس.

ويمكن للطرفين بعد ذلك البدء في الانخراط في مسارين متوازيين، يركز أحدهما على مزيد من تخفيف التوترات الإقليمية، والآخر على التوصل إلى ترتيب نووي لاحق. وستكون المسارات منفصلة، ولكنها ليست مستقلة تماما.

وتحتاج إيران والولايات المتحدة والجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى وأعضاء مجموعة “5+1” إلى إطار عمل يمكن من خلاله إشراك بعضهم البعض، ويجب على الولايات المتحدة أن تقدم دعمها ومشاركتها في حوار ميسَّر ونشط ومتعدد الأطراف حول القضايا المهمة في المنطقة.

وبالنسبة للشركاء الإقليميين، فإن الجهود الأمريكية للمشاركة في مثل هذا الحوار من شأنها أن تشير إلى التزام أمريكي مهم.

وبالنسبة لإيران، فإن إدراج العديد من اللاعبين الدوليين من شأنه أن يشير إلى أن الولايات المتحدة ليست عازمة فقط على فرض وجهات نظرها.

ويجب أن يكون الهدف العام هو الحفاظ على عملية قد تنتج حلولا دائمة. لكن يجب أن تكون الأهداف الأولية متواضعة، ويمكن أن تبدأ باتفاقات عملية وضيقة.

ويبقى المفتاح هو أن تستثمر الولايات المتحدة، بالتنسيق مع مجموعة “5+1″، الدبلوماسية الجادة في مثل هذا الحوار.

وسيضع الحوار الأساس للمشاركة البناءة مع المساهمة حتى في استقرار الشرق الأوسط على المدى الطويل. ومن خلاله يمكن لدول المنطقة أن تسعى إلى اتفاق على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض.

وفي الوقت نفسه، يمكنها اعتماد تدابير تعاونية لمواجهة “كوفيد-19″، والقضايا الصحية الأخرى، والكوارث الطبيعية، وتغير المناخ.

ويمكن أن يؤدي الحوار إلى خفض التصعيد البحري في الخليج من خلال آليات متعددة الأطراف. كما يمكن معالجة مسألة الحد من التسلح من خلال الحد من الأسلحة الهجومية التقليدية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية، وتقليص التخصيب النووي للأغراض المدنية، ووضع أنظمة تفتيش مشتركة.

ومن المحتمل أن تسفر بعض المشكلات الصعبة عن تعطيل الحوار المطلوب، ولكن هذه المشكلات يجب أن تكون جزءا من البرنامج مع ذلك.

وتشمل هذه المشكلات إنهاء الحروب الأهلية في سوريا واليمن، وتخفيف التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في العراق وأفغانستان.

وفي الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة ومجموعة “5+1” إشراك إيران في مفاوضات تابعة بشأن برنامجها النووي.

ويجب أن تكون الأولوية في هذا الصدد هي أن تمدد إيران أحكام المهلة المنتهية في الاتفاق النووي لعام 2015، مقابل تخفيف أكبر للعقوبات من الولايات المتحدة.

ويمكن أن يشمل هذا التخفيف السماح بأن تمر الأموال الإيرانية المودعة في بنوك أجنبية عبر النظام المالي الأمريكي، أو تخفيف بعض الجوانب المحدودة للحظر الأمريكي المباشر.

وإذا أحرزت المفاوضات حول القضايا الإقليمية تقدما، فيجب على الولايات المتحدة إبداء المرونة في تخفيف العقوبات.

وبالمثل، يجب أن يؤثر الجمود في الدبلوماسية الإقليمية على المناقشات النووية. لكن لا ينبغي السماح لأي من المسارين بتعطيل الآخر. وقد تتداخل بعض المناقشات، مثل تلك المتعلقة ببرنامج الصواريخ الإيراني أو الاتفاقيات الإقليمية بشأن الاستخدام النووي المدني.

اللاعبين الآخرين

ولكي تنجح هذه الاستراتيجية، سيتعين على الولايات المتحدة إقناع (إسرائيل) والسعودية والإمارات، والكونجرس الأمريكي، بلعب أدوار بناءة.

ويجب على الولايات المتحدة أن تؤكد لشركائها في الشرق الأوسط أنه بينما يظل برنامج إيران النووي أولوية، فإن واشنطن ستركز بشكل أكبر على القضايا الإقليمية مما كانت عليه في الماضي.

ويجب أن تشير منذ البداية إلى أنها لا تهدف بسذاجة إلى تغيير إيران أو المنطقة، بل تهدف إلى بناء اتفاقيات عملية، مدعومة بالدبلوماسية الأمريكية، تعمل على تهدئة التوترات.

وقد يشكل الكونجرس أكبر صعوبة لإدارة “بايدن” في سعيها إلى إعادة الانخراط. بينما يمكن لإدارة “ترامب” الاعتماد على الجمهوريين إذا أعادت التواصل مع إيران، وسيكون على الديمقراطيين الترحيب بخفض التصعيد.

ومع ذلك، سيحتاج “بايدن” إلى إقناع الكونجرس بأن نهج إدارته سيعالج المخاوف المتعلقة بالصواريخ الباليستية والقضايا الإقليمية، والتأكيد على أنه يمكنه إعادة فرض العقوبات إذا لزم الأمر.

ويمكن لإدارة “بايدن” أن تفكر في طرق مبتكرة لتعظيم قبول الجمهوريين، على سبيل المثال، من خلال إنشاء هيئة من أعضاء الحزبين الذين شغلوا منصب قيادية في مجال الأمن القومي، والذين ستطلب منهم الإدارة وجهات نظرهم بشأن إيران، وقد يراقبون بعض المفاوضات.

وتعد إعادة صياغة سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران على أسس أكثر ثباتا مهمة معقدة للغاية تتطلب مواءمة دقيقة للعديد من اللاعبين.

ويمكن أن يوفر الانتقال السياسي في الولايات المتحدة في عام 2021، إما لـ”بايدن” أو لـ”ترامب”، فرصة حاسمة للقيام بذلك، ولكن سيتعين على كل منهما الانفصال عن الماضي.

وسيحتاج “بايدن” إلى إبعاد الديمقراطيين عن التركيز على الاستراتيجية النووية فقط والتركيز بشكل أكبر على المنطقة.

وسيتعين على “ترامب” مراجعة نهجه القائم على الضغط فقط والدخول في مفاوضات جادة. ويجب أن يضع كلاهما الدبلوماسية في المقدمة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الخليج الجديد
المصدر
Foreign Affairs

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 − اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى