إيران تخيم على علاقات الصين مع الدول العربية في الشرق الأوسط

اعتبرت بكين أنَّ صعود إيران هو الحدث الأبرز في الشرق الأوسط في بداية القرن الحادي والعشرين.

ميدل ايست نيوز: اكتنفت التناقضات تطور علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم.

ففي البداية، لم يكن يتمتع الشرق الأوسط إلا باهتمام هامشي من قبل الصين، لكن الآن صار ترتيب المنطقة عالياً في حسابات بكين الاستراتيجية. ويمكن لدور بكين هناك إحداث تحول استراتيجي في التوجهات العسكرية والسياسية والاقتصادية للمنطقة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

ومنذ عام 1949 وحتى اليوم، يحف طريق الصين في الشرق الأوسط المشقة. وترتكز مصالح الصين الجوهرية في المنطقة على 4 أهداف: عدم هيمنة أية قوة بمفردها، منع صعود حكومات معادية للصين، ومعارضة أي دعم رسمي لاستقلال تايوان، وكسب دعم دول الخليج في السياسة الخارجية للصين.

أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع بغداد في عام 1958، بعد شهر من الثورة العراقية؛ مما أعطى الصين لأول مرة موطئ قدم في المنطقة. ومع ذلك، فقد استغرقت 32 عاماً أخرى لتدشين علاقات دبلوماسية مع جميع دول الخليج الثماني.

وعقب حرب عام 1967، علَّقت الدول العربية آمالها على الاتحاد السوفيتي، تزامناً مع توتر العلاقات الصينية-العراقية. وتحول تركيز الصين لفترة وجيزة إلى دعم الحركات الثورية في الخليج.

وعلى مدى العقدين التاليين، شوش العداء العربي الفارسي على نهج الصين تجاه دول مجلس التعاون، وازداد ذلك سوءاً بسبب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 والحرب الإيرانية العراقية من 1980-1988.

وعندما دشَّنت المملكة العربية السعودية علاقات دبلوماسية مع بكين في عام 1990، بدأت الصين لأول مرة تحظى بعلاقات دبلوماسية مع جميع دول الخليج الثماني.

ثم جاء غزو العراق للكويت في أغسطس/آب 1990، الذي شكّل تحدياً خطيراً لسياسة الصين في المنطقة؛ وسلّط الضوء على التناقض بين مصالح الصين مع الولايات المتحدة وإيران.

وسعت الصين إلى إيجاد حلول وسط مع الولايات المتحدة بشأن القضايا ذات الأولوية لواشنطن في الشرق الأوسط؛ مما قوّض من علاقتها بإيران.

ونتيجة لنهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، اكتسب الشرق الأوسط أهمية أكبر لدى الصين. وأصبحت دول آسيا الوسطى المستقلة حديثاً أهدافاً لتوسعات النفوذ الإيراني والتركي والسعودي. وتحولت الدول المستقلة حديثاً على حدود المنطقة الشمالية الغربية من الصين إلى مسرح تنافس بين دول المنطقة والقوى العظمى مثل الولايات المتحدة. وبدأت بكين تتعامل مع المنطقة على أنها “امتداد استراتيجي” للمنطقة المجاورة للدولة. ومع ذلك، كانت دول مجلس التعاون الخليجي مترددة في تطوير علاقات أوثق مع بكين؛ خوفاً من أن يواجه النظام السياسي المحلي في الصين نفس مصير الاتحاد السوفيتي.

وجاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر بمجموعة تحديات جديدة للصين في علاقتها مع دول المنطقة، حيث تحول تركيز بكين الاستراتيجي إلى المملكة العربية السعودية وإيران.

وابتداء من عام 2005، أبدى الملك عبدالله اهتماماً بتحسين العلاقات مع الصين، وهو ما رحبت به بكين، لكنها رأت أنَّ السعودية معتمدة على الضمانات الأمنية الأمريكية، وهو أمر لم تستطع بكين تقديمه.

وهذا قوض من مدى استعداد الصين لتوثيق العلاقات مع السعوديين. ومن الناحية الاستراتيجية، اعتبرت بكين أنَّ صعود إيران هو الحدث الأبرز في الشرق الأوسط في بداية القرن الحادي والعشرين، لكن سياسة بكين في التعامل مع الملف الإيراني كانت مقيدة بسبب العداء بين طهران وواشنطن.

وتواجه الصين الآن العديد من الإحباطات في التعامل مع هذه الدول؛ مما دفعها لترقية المنطقة مرة أخرى في استراتيجيتها إلى “منطقة جوار أكبر”، لكن المملكة العربية السعودية وإيران كانتا تتنافسان على القيادة في المنطقة، مع العديد من الاختلافات التي لا يمكن تجاوزها. وأدت هذه التناقضات ببعض المحللين الصينيين إلى استنتاج أنَّ نهج بكين تجاه الخليج لا يخدم المصالح الوطنية الأساسية للصين.

وعلى مدى العقد الماضي، ظهرت عوامل أخرى على نفس القدر من الأهمية الجوهرية، بما في ذلك: تصميم الرئيس الصيني شي جين بينغ على تأكيد القيادة الصينية على المسرح العالمي، وإطلاق مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة في عام 2013، والأزمة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في عام 2014 بشأن أوكرانيا؛ مما أجبر روسيا على التسليم لدور الصين المتزايد في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وكذلك تدهور العلاقات الأمريكية الصينية الذي أدى بالتالي لتراجع رغبة الصين في تجنب الأعمال الضارة بالمصالح الأمريكية.

وأشار شي جين بينغ إلى نيته في إيلاء اهتمام أكبر للشرق الأوسط في خطاب ألقاه أمام منتدى التعاون الصيني العربي في عام 2014، مستخدماً مبادرة الحزام والطريق وسيلةً لتوسيع التعاون. واستعداداً لزيارة شي إلى طهران في عام 2016، أصدرت الصين “ورقة السياسات العربية” التي تحدد رؤيتها تجاه المنطقة. وفي ختام الزيارة، أصدرت الصين وإيران بياناً مشتركاً بشأن إقامة شراكة استراتيجية شاملة.

وترتبط الصين الآن بشراكات استراتيجية شاملة مع مصر والسعودية وإيران والإمارات والجزائر؛ التي تعكس العلاقات التي تحمل أهمية خاصة لبكين. إلى جانب أنَّ لديها شراكة ابتكارية شاملة مع إسرائيل، وعلاقة تعاون استراتيجي مع تركيا، وشراكات استراتيجية مع العراق، والمغرب، والسودان، وجيبوتي، والأردن، والكويت، وعمان، وقطر.

بيد أنَّ إيران لا تزال تخيم على سياسات الصين تجاه المنطقة. وعارضت بكين انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك قرار واشنطن الفردي بإعادة فرض العقوبات على إيران التي رُفِعَت في عام 2016. ومع ذلك، كانت شركاتها ومؤسساتها المالية حذرة من اتخاذ إجراءات في إيران من شأنها أن تتعارض مع العقوبات الأمريكية، ولم تستثمر بكثافة في البلاد.

وانتهجت الصين نهجاً انتهازياً في بيع الأسلحة في الشرق الأوسط. وتتزايد هذه المبيعات، لكنها لا تزال ضئيلة مقارنة بموردي الأسلحة الآخرين. ومع ذلك، فإنَّ بكين لديها القدرة على أن تكون ورقة ضغط قوية من خلال استعدادها لبيع الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية وغيرها من التقنيات العسكرية المتقدمة إلى دول معينة.

والتزمت الصين الحذر بشأن تولي المسؤوليات الأمنية في المنطقة. ودعمت مفهوم الأمن الجماعي الذي اقترحته روسيا للخليج، لكن حتى الوقت الحالي، هذا الدعم شفهي أكثر منه عملياً. ولا تزال منشأة الدعم البحري في جيبوتي هي قاعدة الصين الوحيدة في الخارج. إضافة إلى ذلك، تجنبت الصين الانحياز إلى جانب معين في القضايا الخلافية في المنطقة، وتثمن وضعها وسيطاً محتملاً في النزاعات.

ولا تزال مبادرة الحزام والطريق أهم مشاركة إقليمية للصين، إذ ضخت من خلالها عشرات المليارات من الدولارات في صورة استثمارات في بلدان بجميع أنحاء الشرق الأوسط. وفي الوقت الحالي، تتركز هذه الاستثمارات على المشاريع الاقتصادية ومشاريع البنية التحتية، لكن مشاريع الصين في مجالات النقل والاتصالات، بالإضافة إلى الموانئ والمصافي، ستخدم المصالح الاستراتيجية طويلة المدى لبكين. ولا تمتلك الولايات المتحدة أية مشاريع تُقارَن بها.

ويبقى دور الصين في الشرق الأوسط عملاً قيد التطوير. وأصبحت أهمية المنطقة للصين باعتبارها مورداً للطاقة راسخة حالياً في تفكير بكين، وفي المقابل، صارت الصين عاملاً مهماً في الحسابات الاستراتيجية للدول الإقليمية. وهذه الاتجاهات مهمة لأنها تشير إلى إمكانية حدوث تحول جيوسياسي شامل في الشرق الأوسط يمكن أن تمثل فيه الصين مكوناً مهماً.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
عربي بست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة + 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى