ترامب والشرق الأوسط.. حصيلة 4 سنوات من السياسة اللامتزنة

عمل الرئيس الأكثر جدلاً في تاريخ الولايات المتحدة على نسج علاقات جديدة عبر التعامل مع الحلفاء بأسلوب "جباية الأموال".

ميدل ايست نيوز: منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم ودخوله البيت الأبيض، حمل معه نهجاً سياسياً مختلفاً وطريقة جديدة في تعامل الولايات المتحدة مع ملفات الشرق الأوسط والمنطقة العربية بالعموم.

ورغم أن سياسة الولايات المتحدة لم تتغير بشكل جذري بوجود ترامب في السلطة فإنها باتت بمثابة عصا غليظة استخدمها الرئيس الجمهوري بطريقة أكثر استفزازية وخالية من الأعراف الدبلوماسية، بالإضافة إلى أنها اتسمت بعدم الاتزان وإن بشكلها الظاهر على الأقل في ملفات متعددة.

وخلال السنوات الأربع من حكم ترامب، عمل الرئيس الأكثر جدلاً في تاريخ الولايات المتحدة على نسج علاقات جديدة عبر التعامل مع الحلفاء بأسلوب “جباية الأموال”، وهو ما انطبق على أصدقاء واشنطن في الشرق الأوسط، وخصوصاً منطقة الخليج أحد أبرز حلفائها.

مجلس التعاون وترامب

قبل مجيء دونالد ترامب إلى السلطة، كان مجلس التعاون الخليجي أكثر تماسكاً بين دوله الست، وإن وجدت خلافات وتباينات واضحة، إلا أن التوازن الأمريكي السابق في العلاقة مع مجلس التعاون ساعد على استمرار اللحمة الخليجية في ظل التوترات القائمة بالمنطقة لا سيما مع إيران.

وبعد أسابيع قليلة من زيارة ترامب إلى الرياض عام 2017، والتقائه بزعماء الخليج وبعض الدول العربية، تغيرت صورة الخليج المتماسك عبر إشعال السعودية والإمارات والبحرين (مع مصر) للأزمة الخليجية مع قطر، وفرض مقاطعة شاملة بتهمة “دعم الإرهاب”، وهو ما تنفيه الدوحة، مؤكدة أنها خطوة للسيطرة على قرارها السيادي.

ومع بداية الأزمة الخليجية بدت إدارة ترامب منحازة للطرف الأول، إلا أنها دعت فيما بعد لحل الأزمة، وأيدت الوساطة الكويتية التي ما زالت تبذل جهوداً واسعة في إطار إنهاء الخلاف الخليجي وإعادة الوئام السياسي لسابق عهده، ثم وطدت علاقتها أكثر مع قطر خصوصاً في مكافحة الإرهاب.

كما كان لترامب الفضل في صعود الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد عبر صداقته الكبيرة مع صهر الرئيس جاريد كوشنر، وصفقات السلاح المليارية التي عقدها مع ترامب في واشنطن.

“إسرائيل” ومكاسب هائلة

تعد دولة الاحتلال الإسرائيلي أقوى حليف للولايات المتحدة في المنطقة، وتحصل منها على دعم منقطع النظير، إلا أنه مع مجيء ترامب إلى السلطة زاد الدعم السياسي بشكل أكبر بكثير عما سبق في ملفات متعددة، مثل العلاقة مع الفلسطينيين، وإمكانية التطبيع مع الدول العربية، بالإضافة إلى العلاقة مع إيران.

وفي إطار ذلك، زار ترامب “إسرائيل” بعد السعودية عام 2017، وبعد أشهر من ذلك اعترف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال (6 ديسمبر 2017).

كما قرر تقليص المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الذي عُد تضييقاً مقصوداً من قبله على السلطات الفلسطينية لقبول مشروعه الجديد للسلام في الشرق الأوسط، الذي عُرف باسم “صفقة القرن”.

وفي 14 مايو من عام 2018 احتفلت دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة رسمياً بنقل مقر السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، في خطوة لم يقم بها أي رئيس أمريكي سابق.

وفي زيادة لضغطه قطع المساعدات الأمريكية عن “الأونروا” في أغسطس 2018، ثم أتبعها بحجب المساعدات الأمريكية عن المستشفيات الفلسطينية في القدس، والذي تلاه إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بواشنطن ثم طرد السفير الفلسطيني وعائلته من العاصمة الأمريكية.

واستمر النهج الأمريكي في التعامل مع الملف الفلسطيني بذات الوتيرة خلال السنوات الأربع من حكمه، والتي كللها في مارس 2019 باعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان.

فتح باب التطبيع مع “إسرائيل”

وقبل انتهاء ولايته سرع ترامب من عقد اتفاقيات تطبيع موسعة بين دول خليجية و”إسرائيل”، حيث رعت واشنطن توقيع اتفاقي “سلام” بين الإمارات والبحرين ودولة الاحتلال تتضمن إقامة علاقات سياسية كاملة وتبادل سفراء، بالإضافة إلى التعاون في مختلف المجالات.

وتحدث ترامب عن أن دولاً عربية أخرى تريد التطبيع مع “إسرائيل” خلال الفترة المقبلة، وهو ما يعد خرقاً للإجماع العربي بعدم الاعتراف بدولة الاحتلال إلا ضمن ما يعرف بمبادرة السلام العربية 2002، والتي طرحتها السعودية، وتؤكد على انسحاب تل أبيب من الأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967، وحل أزمة اللاجئين، وقيام دولة فلسطينية، وهو ما لم يحصل بطبيعة الحال.

استمرار الأزمة السورية

وفي ظل حكم ترامب لم تنته فصول الأزمة السورية المستمرة منذ عام 2011، بل تواصلت معاناة الشعب السوري، حيث لم يتوقف النظام عن حربه، بل تجاوز الخطوط الحمراء بدعم إيراني وروسي غير متناهٍ مستخدماً السلاح الكمياوي أكثر من مرة، ما دفع ترامب لشن ضربات جوية على منشآت تحوي أسلحة كيماوية في 13 أبريل 2017، إلا أنها لم تؤثر على سلوك النظام.

وخلال العام الأول من حكمه، شيّد ترامب أكثر من قاعدة أمريكية في مناطق وجود النفط، وزادت واشنطن من دعمها للقوات الكردية “الانفصالية” الموجودة بالقرب من الحدود التركية، ليفجر ترامب في ديسمبر 2018 مفاجأة الانسحاب الأمريكي العسكري من الأراضي السورية ثم تراجع عن قراره بتقليص أعداد الجنود.

وفي أواخر 2019 سحب قواته من شمالي سوريا تزامناً مع عملية تركية ضد الانفصاليين الأكراد، وهو ما شكل صدمة عالجها لاحقاً باستعادة السيطرة على مواقع نفطية هناك.

واستطاع التحالف الدولي بقيادة واشنطن، القضاء على تنظيم الدولة “داعش” في سوريا والعراق، ثم أعلن مقتل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في عملية أجرتها القوات الأمريكية في إدلب شمالي سوريا في 26 أكتوبر 2019.

وفي ديسمبر عام 2019، أقر ترامب “قانون قيصر” الذي  يفرض عقوبات اقتصادية موسعة على النظام السوري وروسيا وإيران وكل من يتعامل معه.

العراق.. أرض تصفية حسابات

لعل أشد ما يثير الانتباه في سياسة ترامب في العراق؛ هو ازدياد النفوذ الإيراني فيها، فالبلد الذي غزته واشنطن عام 2003، استمر انتشار الجنود في عموم أراضيه حتى عام 2011، حين قُلصت إلى عدة آلاف متوزعة في القواعد العسكرية.

وقد زار ترامب العراق لأول مرة وبشكل مفاجئ في 26 ديسمبر 2018، ثم أعلن في فبراير من عام 2019 أنه سيحتفظ بالوجود العسكري في الأراضي العراقية.

وكانت المفاجأة التي تزامنت مع مظاهرات شعبية أمام سفارة واشنطن ببغداد، اغتيال الطائرات الأمريكية للجنرال الإيراني قاسم سليماني مع مجموعة من قيادات الحشد الشعبي قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير 2020، وهو ما ضاعف من التوتر الشعبي أمام السفارة الأمريكية بالعراق، التي حاول محتجون اقتحامها، وتوعد إيران بـ “انتقام مؤلم”.

وردت إيران، في 8 يناير 2020، عبر قصف قواعد عسكرية عراقية فيها قوات أمريكية دون حدوث أي حالات إصابة أو قتل في الصف الأمريكي، ثم هدأت التصريحات مع مرور الوقت.

إيران.. عداء لفظي وعقوبات

منذ الحملة الانتخابية لترامب، كان يكثر من انتقاده للاتفاق النووي الإيراني الذي وقعه مع طهران سلفه باراك أوباما بالإضافة لدول أوروبية وروسيا والصين عام 2015، مؤكداً أنه لن يلتزم به في حال وصل إلى سدة الحكم.

وفي مايو 2018 انسحب ترامب فعلياً من الاتفاق النووي، مؤكداً أن هذا الاتفاق كان “خطيراً”، وأنه “لم يجلب السلام والهدوء ولن يجلبهما”، ومنذ ذلك الوقت بدأ ترامب سلسلة من العقوبات الاقتصادية على إيران وعلى كل من يتعامل معها ما زاد من عزلتها الدولية.

واستمر التوتر بين الجانبين سياسياً ترافقه العقوبات حتى مايو 2019، حين انتقل إلى مياه الخليج حيث اتُّهمت طهران عدة مرات باستهداف ناقلات نفط خليجية بالإضافة لدعمها جماعة الحوثي في اليمن بهدف ضرب مصالح حلفاء واشنطن ومصالحها.

كما أن إيران أسقطت طائرة مسيرة أمريكية فوق أراضيها في 20 يونو 2019، إلا أن الرئيس الأمريكي تراجع عن رد كان مقرراً بضرب مواقع إيرانية رغم تهديداته الواسعة، واكتفى بشن هجمات سيبرانية على مواقع إيرانية حساسة.

واستمر التوتر بين صعود وهبوط على مدار السنوات الأربع من حكم ترامب، والذي ازداد مع مقتل سليماني، إلا أنه لم يتطور إلى مواجهات فعلية بين الطرفين.

تركيا.. صداقة متوترة

تعتبر تركيا من أبرز الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، باعتبارها عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بالإضافة لوجود قاعدة أمريكية في الأراضي التركية.

ملفات عديدة وترت العلاقات بين أنقرة وواشنطن خلال حكم ترامب إلا أنها عادت إلى الوئام في أكثر من مرة.

وتصدر ملف شراء تركيا لصواريخ “إس 400” الروسية أوج الخلافات في ظل تأكيد واشنطن أنها ستوقف تسليم طائرات “إف 35” الأمريكية لأنقرة إن استمرت في الصفقة الروسية، بالإضافة إلى تهديدها بفرض عقوبات، لكن أنقرة أصرت على الصفقة بحجة ممطالة واشنطن في صفقة الصواريخ معها.

فيما كان الملف الثاني البارز في التوتر بين البلدين، هو قضية دعم واشنطن لمليشيات تابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، بالإضافة لعدم تسليمها للداعية التركي المطلوب فتح الله غولن.

وكانت تركيا على موعد جديد مع الأزمات مع أمريكا كلما أغلقت ملفاً أو طوته، حيث اشتعلت أزمة التأشيرات عام 2018، ومنها إلى أزمة سجن القس أندرو برانسون وصولاً إلى عقوبات متبادلة وإن كانت محدودة.

وكان عام 2019 حافلاً بالتوتر بين الطرفين، في ظل عدم سماح الولايات المتحدة بدخول تركيا إلى شمال الأراضي السورية لوقف تهديد الأمن القومي من جراء نشاط مليشيات حزب العمال الكردستاني، التي تسعى للانفصال بمناطق واسعة من الشمال السوري وسط مفاوضات ومباحثات مكثفة مع كل من أمريكا وروسيا، والتي انتهت بتدخل تركي ضمن عملية “نبع السلام” بالتعاون مع فصائل من الجيش السوري الحر، وبضوء أخضر من ترامب.

مصر.. وديكتاتوره المفضل

دعمت الولايات المتحدة الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، عبر الاعتراف الفوري به كممثل شرعي للمصريين دولياً، واستمر التعاون بين النظام المصري الجديد وواشنطن بشكل طبيعي؛ وإن حمل بعض الانتقادات فيما يخص حقوق الإنسان وضرورة الإفراج عن المعتقلين.

مع وصول ترامب إلى السلطة كان رأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أول رئيس دولة أجنبي يقدم التهاني لترامب بفوزه بالمنصب، وفي قمة الدول السبع عام 2019 وصف ترامب رئيس مصر بـ”ديكتاتوري المفضل”.

وفي 15 أكتوبر 2020، ذكرت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، أن السيسي متورط بتمويل حملة ترامب الانتخابية عام 2016 بـ 10 ملايين دولار عبر بنك مصري، وهو ما يفتح تساؤلات عن العلاقة القوية بين ترامب والسيسي المتهم بانتهاك حقوق الإنسان والوصول إلى السلطة بطريقة غير ديمقراطية.

ولم تشهد العلاقات المصرية الأمريكية في عهد ترامب أي توترات لافتة من نوعها، سوى مواصلة المؤسسات الأمريكية انتقاد أوضاع حقوق الإنسان بمصر دون أي تحركات جادة لتقليلها.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخلیج اونلاین

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

4 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى