الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج.. أين هي ولماذا جُمدت؟

تعد الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج جزءا من أجندة علاقاتها الخارجية المهمة، حيث استهدفت العقوبات الاقتصادية غير مرة الأوضاع المالية لإيران.

ميدل ايست نيوز: تعد الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج جزءا من أجندة علاقاتها الخارجية المهمة، حيث استهدفت العقوبات الاقتصادية غير مرة -من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي- الأوضاع المالية لإيران في الخارج، خاصة ما يتعلق بأعمال البنك المركزي الإيراني، فعملت على شلّ حركة تحويل الأموال منه وإليه.

إلا أن الخطوة التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في فبراير/شباط 2021 بإبلاغ مجلس الأمن بسحب خطابات سلفه دونالد ترامب الخاصة بتفعيل آلية “سناب باك” (التي تعني عودة كامل العقوبات الاقتصادية التي كانت مقررة على إيران قبل اتفاق “5+1”) فتحت الباب أمام إمكانية عودة المفاوضات حول برنامج إيران النووي، وكذلك قوّت احتمالات العودة للرفع الجزئي للعقوبات الاقتصادية على إيران، وذلك في ضوء ما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات الجديدة المنتظرة حول العودة لاتفاق “5+1”.

الخطوة الأميركية يمكن اعتبارها ضوءا أخضر بالإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة، حيث صرح بعض المسؤولين الاقتصاديين في إيران بأن البلاد حصلت في مطلع مارس/آذار 2021 على نحو 3 مليارات دولار من 3 دول، هي: كوريا الجنوبية، والعراق، وسلطنة عمان.

والمتابع للشأن الإيراني سيجد أن ثمة تصعيدا من قبل كل من أميركا وإيران بشأن الموقف من العودة لاتفاق “5+1″، وذلك من أجل الحصول على مزايا أفضل مما كان عليه الوضع قبل العقوبات المفروضة من ترامب على إيران في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

ولم تكن عقوبات ترامب هينة؛ فقد شملت حظر المشتريات الحكومية الإيرانية من النقد الأميركي، ومنع تجارة إيران في الذهب والمعادن الثمينة الأخرى، وكذلك شملت العقوبات التحويلات المالية بالريال الإيراني، ومنع الأنشطة المتعلقة بأي إجراءات مالية لجمع تمويلات تتعلق بالدين السيادي الإيراني، وحظر التحويلات المالية المتعلقة بالنفط الإيراني، وعدم إجراء أي تحويلات وتعاملات مالية للمؤسسات الأجنبية مع البنك المركزي الإيراني.

ومن خلال قراءة أهم البنود المالية في العقوبات المفروضة من إدارة ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، نجد أنها تشل كافة التعاملات المالية لإيران، وتعزلها عن الخارج، كما أنها تحرمها من أهم مواردها، وهي صادرات النفط والغاز الطبيعي، كما أنها عطلت إيران عن إمكانية استقدام أموال أجنبية عن طريق الدين الخارجي، لتكون ورقة فيما بعد لخلق شبكة من المصالح مع الدول الأخرى، لتكون حائط صد ضد السعي المتكرر من قبل أميركا لفرض عقوبات عليها.

ولجأت إيران لحيل شتى للتعامل مع العالم الخارجي، عبر تصدير النفط بعيدا عن المصادر الرسمية، سواء من خلال شركات قطاع خاص إيرانية، أو من خلال طرق أخرى، ويتم تصدير النفط من خلالها بغير اسم إيران، وذلك حسب تصريح وزير النفط الإيراني في سبتمبر/أيلول 2020.

إلا أن جائحة كورونا فرضت نفسها، ووضعت الدول المنحازة لأميركا ضد إيران في موقف صعب على الصعيد الإنساني، حيث تعرضت إيران لموجات عنيفة من فيروس كورونا، وكانت -ولا تزال- بحاجة لسلع أساسية تتعلق بالغذاء والدواء، وصرح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأن بلاده بحاجة لاستخدام أموالها المجمدة في ظرف إنساني وهو جائحة كورونا، لاستيراد الغذاء والدواء، وأن منع إيران من ذلك يعد عملا غير إنساني.

وحول قضية أموال إيران المجمدة في الخارج تدور عدة تساؤلات حول طبيعة هذه الأموال، وأماكن التحفظ عليها، ومدى سعي إيران لاستردادها، وهل ستشهد تطورا إيجابيا في ظل إدارة بايدن؟ ومتى تستعيد إيران هذه الأموال؟ وما العوائد المنتظرة لاسترجاع هذه الأموال على الاقتصاد الإيراني؟ والسطور التالية تحمل الإجابات عن هذه التساؤلات.

لماذا استخدم سلاح تجميد الأموال ضد إيران؟

مع اللحظات الأولى للثورة الإيرانية عام 1979 تم الاصطدام مع أميركا، ثم بدأت الصدامات المتكررة بين البلدين في محطات عدة؛ حيث تعرضت بعض المنشآت الأميركية في مناطق مختلفة لأعمال عنف، وحمّلت أميركا إيران المسؤولية عنها، ولذلك لجأت أميركا لفرض عقوبات اقتصادية على إيران، وتمثلت بشكل كبير في تجميد الأموال المستحقة للحكومة الإيرانية، أو لبعض المسؤولين الكبار فيها، أو لبعض المؤسسات الاقتصادية المرتبطة بالنظام الإيراني، مثل الحرس الثوري وغيرها من المؤسسات.

إلا أن دور إيران التوسعي في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك برنامج إيران النووي، دفعا أميركا والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات اقتصادية ومالية ضد إيران، وهو ما استمر خلال الفترة بين 2012 و2016، ولكن اتفاق “5+1” كان بمثابة طوق النجاة لإيران للخروج من عزلتها الاقتصادية مع الخارج، ولم يدم هذا الأمر طويلا، حيث تغيرت الإدارة الأميركية، وأتى ترامب، ليعيد كافة العقوبات الاقتصادية على إيران في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بل وزيادة عما كانت عليه، بهدف إرغام إيران على التخلي عن برنامجها النووي، وترضية لحلفائه الخليجيين والكيان الصهيوني، الذين يناصبون النظام الإيراني العداء.

ما حقيقة قيمة الأموال الإيرانية المجمدة؟

ليست هناك رواية واحدة يمكن الاعتماد عليها للوصول لرقم قاطع بشأن قيمة أموال إيران المجمدة في الخارج، سواء من قبل الإيرانيين أو الأميركيين، فما بين 32 مليار دولار و120 مليار دولار تختلف التقديرات، فبعد تفعيل اتفاق “5+1” مطلع عام 2017 صرح محافظ البنك المركزي الإيراني بأن بلاده ستسترد نحو 32 مليار دولار مجمدة في الخارج، ولكنها لن تعود في شكل سيولة نقدية، بل في شكل سلع أساسية تحتاجها إيران، وأن 28 مليار دولار من هذه الأموال تخص البنك المركزي، والباقي يخص الخزينة العامة.

كما أن وزير المالية الأميركي السابق جاك ليو صرح أمام الكونجرس بأن أموال إيران المجمدة تقدر بنحو 120 مليار دولار، ولكن ما سيسمح لإيران بالتعامل معه هو 56 مليار دولار فقط.

ما خريطة تواجد الأموال الإيرانية المجمدة؟

ثمة عدة دول لديها أموال إيرانية مجمدة، على رأسها: أميركا، والصين، والهند، والعراق، والإمارات، وسلطنة عمان، وكوريا الجنوبية، واليابان. وإن كانت بعض التقديرات تذهب إلى أن لدى كل من اليابان وكوريا الجنوبية والإمارات نحو 23 مليار دولار، ولدى الهند نحو 6 مليارات دولار.

ونظرا لقدم القضية، فإن كافة الدول التي كانت تقيم علاقات تجارية مع إيران ستكون لديها بالطبع أموال مجمدة، سواء كانت للدولة أو الأشخاص أو المؤسسات.

ففي فترة ما قبل بزوغ الصين كقوى اقتصادية، كان الاتحاد الأوروبي يحظى بحصة الشريك التجاري الأول لإيران، ثم تبدلت الحال لصالح الإمارات العربية، ثم مؤخرا أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لإيران، كما أن سياسة النفط الرخيص التي اتبعتها إيران خلال مواجهة العقوبات الاقتصادية أوجدت لها مستحقات مالية لدى الصين والهند وجنوب أفريقيا، والعديد من الدول المستوردة للنفط.

كيف استعادت إيران بعض أموالها المجمدة من قبل؟

لم يكن لإيران من طريق للحصول على جزء من أموالها المجمدة في الخارج إلا عبر مسارين: الأول القضائي، ولكنه في النهاية كان مشروطا بالرضا الأميركي، وآخر مثال في هذا المسار ما تم في أبريل/نيسان 2020، باسترداد إيران مبلغ 1.6 مليار دولار من لوكسمبورغ، كانت مجمدة بأوامر أميركية.

والثاني كان في إطار التسوية السياسية حول برنامج إيران النووي؛ ففي أواخر عام 2013 تم الاتفاق بين إيران والدول الست الكبرى على أن تحصل إيران على 4.2 مليارات دولار من أموالها المجمدة على 8 دفعات، خلال الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني 2013 ويوليو/تموز 2014، شريطة أن تفي بالتزاماتها فيما يخص برنامجها النووي.

وبالفعل، في يناير/كانون الثاني 2014 سددت اليابان لإيران نحو مليار دولار على دفعتين من الأموال المجمدة لديها، وهي أموال مستحقة نظير صادرات نفطية إيرانية لليابان، وكذلك فعلت كوريا الجنوبية في مارس/آذار 2014، حيث سددت نحو 450 مليون دولار لإيران، من الأموال المجمدة لديها، والتي كانت كذلك نظير صادرات نفطية إيرانية لكوريا.

ما طبيعة الملاحقات القضائية لتجميد أموال إيران؟

عانت الأموال الخارجية لإيران من عدة ملاحقات قضائية، من قبل أميركا، بحجة الحصول على التعويضات عن الأعمال الإرهابية التي تورطت فيها إيران، ولم تقتصر الملاحقات الأميركية للأموال الإيرانية في أميركا، بل امتدت إلى ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية.

وكانت أحدث الأمور المتعلقة بالنزاع القضائي بين أميركا وإيران -بشأن العقوبات الاقتصادية- قبول محكمة العدل الدولية في مطلع فبراير/شباط 2021 الدعوى الإيرانية، وإعلانها أنها مخولة بالنظر في الدعوى الإيرانية الخاصة برفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، وهو ما دعا إدارة بايدن في الشهر نفسه بالتقدم بمذكرة لمجلس الأمن بسحب خطابيها المعنيين بفرض العقوبات الاقتصادية على إيران.

واعتبرت إيران قرار محكمة العدل الدولية انتصارا قضائيا لها على الصعيد الدولي ضد أميركا، رغم عدم الفصل في القضية بشكل نهائي، ولكن مجرد القبول يعني أن الدعوى تستأهل النظر، وأن هناك تعسفا أميركيا في الأمر.

ما مستقبل عودة الأموال المجمدة؟

المقدمات تدل على النتائج، فخطاب إدارة بايدن لمجلس الأمن بإلغاء العقوبات الاقتصادية التي فرضها ترامب على إيران، وكذلك قبول بعض الدول الإفراج عن بعض الأموال مؤخرا، خاصة بعد تعدد التصريحات الخاصة بالمسؤولين الإيرانيين، وإن كانت بمبالغ صغيرة، فإنه كما يقولون “أول الغيث قطرة ثم ينهمر”.

وقد تشهد الأيام القادمة -خاصة النصف الثاني من 2021- تطورا في ملف المفاوضات للعودة لاتفاق “5+1″، وهو ما يعني التوصل لاتفاق يسمح بعودة ما يتم الاتفاق عليه من أموال، أو على الأقل الاتفاق على آلية لرد هذه الأموال.

وما يدعم توقع أن يشهد النصف الثاني من عام 2021 تحركا في ملف أموال إيران المجمدة، وتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها؛ حاجة أوروبا لعودة علاقاتها مع إيران، وكذلك اليابان والدول الصاعدة، لكي تعود خريطة الطموح الكبير لهذه الدول في مخططات المشروعات الكبرى للبنية الأساسية في إيران، وكذلك تطوير قطاعات النفط، والصناعة، والزراعة، وهو ما يضمن عوائد مالية واقتصادية كبيرة لهذه الدول.

ولكن ما تم من خلال كوريا والإمارات والعراق وسلطنة عمان، برد بعض الأموال المجمدة لإيران مؤخرا، سيفتح الباب لدول أخرى مثل اليابان والصين والهند، باتخاذ خطوات مماثلة، خاصة أن إيران ترغب بشكل كبير في استيراد احتياجاتها من سلع أساسية وأدوات أخرى من تلك الدول، وهو ما يعد تحريكا اقتصاديا جيدا للعلاقات الاقتصادية بين إيران وهذه الدول.

بماذا تسهم عودة الأموال الإيرانية المجمدة لدعم اقتصادها؟

تحقق قضية عودة الأموال المجمدة لإيران بالخارج عدة مزايا؛ على رأسها استعادة العملة المحلية سعر الصرف المناسب أمام العملات الأجنبية، وكذلك كسب ثقة المواطنين الإيرانيين في العملة المحلية، وتخفيف اتجاه المواطنين للاحتفاظ بالعملات الأجنبية.

والأهم هو ما بعد عودة الأموال المجمدة من الخارج، لأن ذلك سيأتي في إطار يضمن لإيران عودتها للمسار الطبيعي للاندماج في الاقتصاد العالمي، وهو ما يعني إعادة الاستثمارات الأجنبية لقطاع النفط والغاز الطبيعي، وإنتاج إيران كميات كبيرة تمكنها من انتعاش اقتصادها، وكذلك تدفق صادرات النفط والغاز للخارج.

وثمة مشروعات أخرى تم الحديث عنها إبان التوقيع النهائي لاتفاق “5+1” نهاية عام 2016، على صعيد الصناعة، وتطوير البنية الأساسية، والجهاز المصرفي، وعودة البنك المركزي والبنوك الإيرانية الأخرى للتعامل مع كافة البنوك في الخارج.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

عشرين − 10 =

زر الذهاب إلى الأعلى