عودة إيران للأسواق تعيد حسابات “أوبك” وحلفائها

لأول مرة منذ عقود، لا تتعجل الشركات، خاصة العاملة في النفط الصخري، بزيادة إنتاجها، رغم ارتفاع الأسعار التي لامست 70 دولاراً لبرميل خام برنت.

ميدل ايست نيوز: رغم التفاؤل الذي يبديه التحالف المعروف بـ” أوبك+” حيال زيادة الطلب على النفط وارتفاع الأسعار في الآونة الأخيرة، إلا أن القلق من تداعيات جائحة فيروس كورونا لا يزال مسيطراً على الجميع، خاصة بعد أن أربكت العدوى المدمرة في الهند، ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، حسابات الجميع، فضلا عن احتمال عودة الإنتاج الإيراني بقوة إلى السوق، في حال رفع العقوبات الأميركية على ضوء المباحثات الجارية منذ نحو شهرين بين واشنطن وطهران حول الاتفاق النووي، واستقرار الإنتاج الليبي.

وتبدو شركات النفط العالمية أكثر تحوطاً للوضع الحالي، إذ لأول مرة منذ عقود، لا تتعجل الشركات، خاصة العاملة في النفط الصخري، بزيادة إنتاجها، رغم ارتفاع الأسعار التي لامست 70 دولاراً لبرميل خام برنت، مسجلة أعلى مستوى لها في نحو عامين.

وإن كانت أوبك تراقب باهتمام الطلب على النفط، فهي تتابع أيضا عن كثب عرض منافسيها مثل الولايات المتحدة، أكبر المنتجين في العالم، وأعضائها أنفسهم، وهو ما يثير على الدوام خلافات خلال الاجتماعات الوزارية لـ”أوبك+” التي تأتي روسيا على رأس الأعضاء من خارج المنظمة.

وبعد عودة الإنتاج الليبي تدريجياً إلى السوق وصولاً إلى مليون برميل في اليوم في نهاية 2020، يستعد تحالف “أوبك+” لاستيعاب دفعة جديدة في المستقبل، مع ترقب عودة الإنتاج الإيراني إلى السوق، بحسب محللين في قطاع الطاقة.

فالجمهورية الإسلامية تخوض مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة في فيينا سعياً لإحياء الاتفاق حول برنامجها النووي. وفي حال أفضت محادثات فيينا إلى نتيجة، فإن رفع قسم من العقوبات الاقتصادية عن إيران، ومنها الحظر على صادراتها النفطية الساري منذ 2018، سيفسح المجال لزيادة في الإنتاج.

ورغم أن المباحثات بين واشنطن وطهران لم تفض حتى الآن إلى نتائج حقيقية، إلا أن المفاوضات بين الجانبين بدت أكثر أريحية لقطاع النفط الإيراني، الذي يتأهب فعلياً لزيادة الإنتاج إلى مستويات ربما تتخطى ما قبل العقوبات.

ونقل موقع معلومات وزارة النفط الإيرانية عن الوزير بيجن زنغنه قوله، أمس الاثنين، إن إنتاج إيران من الخام من الممكن أن يصل بسهولة إلى 6.5 ملايين برميل يومياً عند رفع العقوبات الأميركية، مضيفا أن زيادة الإنتاج “ستعزز النفوذ السياسي للبلد”.

واستفادت طهران بالفعل من المناخ الأقل عدائية الذي تبناه الرئيس الأميركي جو بايدن منذ انتخابه نهاية العام الماضي، وبدأت إنعاش مبيعات النفط، وإرسال طوفان من الخام إلى المشترين الصينيين، ما أدى إلى ارتفاع الإنتاج بنسبة 20% تقريباً هذا العام إلى 2.4 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في عامين، وفقاً لبيانات نشرتها وكالة “بلومبيرغ” في مايو/ أيار الماضي.

وستضاف أي زيادة في إنتاج إيران إلى الزيادة المتوقعة لإنتاج تحالف “أوبك+”، حيث دأب التحالف في الأشهر الماضية على زيادة تدريجية للمعروض.

وكان تحالف “أوبك+” قد بدأ في خفض الإنتاج بنحو 9.7 ملايين برميل يومياً في مايو/ أيار 2020، بعد أن انهارت الأسعار في ظل تداعيات كورونا والسباق المحموم بين السعودية وروسيا تحديداً على جذب المشترين.

وجرى بعد ذلك تخفيف قيود الإنتاج تدريجيا، ليجرى مطلع إبريل/نيسان 2021 الاتفاق على تخفيف قيود الإنتاج بمقدار 350 ألف برميل يومياً في مايو/أيار، ليستقر الخفض عند قرابة 6.65 ملايين برميل يومياً، على أن ينفذ التحالف تخفيفاً آخر في يونيو/حزيران بمقدار 350 ألف برميل يوميا، وصولاً إلى 6.3 ملايين برميل يومياً، ليتبعه تخفيف آخر بقرابة 400 ألف برميل يومياً، إلى 5.85 ملايين برميل في يوليو/تموز.

وعلى جدول أعمال التحالف اليوم، إعادة تقييم هذه السياسة مع احتمال تمديدها اعتباراً من أغسطس/ آب المقبل. ورأت حليمة كروفت، المحللة لدى شركة “آر بي سي” لخدمات المستثمرين، أن “أوبك+” ستلتزم بالجدول الزمني الحذر الذي تم الاتفاق عليه في إبريل/ نيسان.

وتابعت كروفت، وفق وكالة فرانس برس، أن روسيا التي تتزعم الدول الحليفة لمنظمة أوبك “ستسعى على الأرجح إلى تسريع الوتيرة” مثل ما فعلت منذ مطلع العام، لكنها ستصطدم حتما بمعارضة السعودية، زعيمة التحالف التي تتمسك بالحذر، مشيرة إلى معاودة تسجيل إصابات بكورونا في آسيا.

وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قد ألمح أخيراً إلى أنّ مجموعة المنتجين ستفسح المجال لإيران لزيادة الإنتاج، كما فعلت في الماضي، لكن من غير الواضح ما إذا كان الآخرون في التحالف الذي يضمّ دولاً حريصة على إنعاش الإنتاج، مثل روسيا والإمارات، سيستوعبون ذلك.

وبجانب القلق من زيادة الإنتاج الإيراني، تلقت السوق صدمة في مايو/ أيار الماضي، مع تسجيل موجة واسعة من الإصابات في الهند، الدولة الأساسية، إذ تحتل المرتبة الثالثة بين الدول المستهلكة للنفط بعد الولايات المتحدة والصين.

وربما يكون وقع هذه المؤثرات أكبر على شركات النفط التي لا تمتلكها حكومات. ولأول مرة منذ عقود، لا تتعجل شركات عالمية كبرى بزيادة إنتاجها تحت ضغط من المستثمرين والممولين، خوفا من تلقي الأسعار ضربة جديدة وتعرض الاستثمارات للانهيار، فضلا عن تعرضها لضغوط من نشطاء تغير المناخ، خاصة في ما يتعلق بالنفط الصخري في الولايات المتحدة وغيرها من الدول.

ويطلب المساهمون من “إكسون موبيل”، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، تقليل الحفر والتركيز على إعادة الأموال إلى المستثمرين.

فعلى حد قول كريستوفر أيلمان، كبير مسؤولي الاستثمار في صندوق الاستثمار الأميركي “كالسترس” : “كانت الشركة تُلقي بالمال في أعمال الحفر كالمجانين، ورأينا أنها تتجه نحو الهاوية، وفي الحقيقة، فإنها لن تنجو في المستقبل ما لم تتغير وتتكيف، حيث يتحتّم عليها ذلك الآن”.

وقد أصبحت “إكسون موبيل” أحدث شركة نفط كبرى تعلن أنها ستغلق عمليات مصافي التكرير الأسترالية، تاركة الدولة مع اثنين فقط من المرافق.

ومن غير المرجح أن تكون “إكسون موبيل” وحدها في هذه الحالة، حيث خسرت شركة “رويال داتش بي إل سي” معركة قانونية تاريخية في مايو/ أيار الماضي، عندما أمرتها محكمة هولندية بخفض الانبعاثات بشكل كبير بحلول عام 2030، وهو أمر يتطلب إنتاجاً أقل للنفط.

كذلك تلتزم شركات النفط الصخري بتعهدها بإعادة المزيد من الأموال إلى المساهمين من خلال توزيعات الأرباح، فقبل الجائحة، أعادت شركات النفط الصخري استخدام ما بين 70% إلى 90% من تدفقاتها النقدية في مزيد من الحفر، بينما تستخدم الآن نحو 50% من التدفقات في الحفر.

والنتيجة هي أن إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة قد ظل ثابتاً عند حوالي 11 مليون برميل يومياً منذ يوليو/ تموز 2020. أما خارج الولايات المتحدة وكندا، فكانت التوقعات أكثر كآبة، ففي نهاية إبريل/ نيسان، توقف عدد منصات النفط في أميركا الشمالية سابقاً عند 523 منصة، وهو أقل مما كان عليه قبل عام، كما أنه أقل بما يقرب من 40% من نفس الشهر قبل عامين، وذلك وفقاً لبيانات شركة “بيكر هيوز” لخدمات الطاقة الأميركية.

ورغم تعرض العديد من شركات النفط الصخري العالمية لضغوط تؤثر على مستويات الإنتاج، ما يعطي لأوبك وحلفائها مرونة في زيادة المعروض من جانبهم في السوق العالمية، إلا أن هذا أيضا غير مضمون في ظل تأهب منتجين آخرين لزيادة ضخ الخام رغم استمرار تداعيات الأزمة الصحية العالمية.

وبشكل عام، سينمو الإنتاج خارج “أوبك+” هذا العام بمقدار 620 ألف برميل يومياً، ومع ذلك، فإنه أقل من نصف الكمية التي انخفضت في عام 2020 وهي 1.3 مليون برميل يومياً.

وبعد عام 2021، من المرجح أن يرتفع إنتاج النفط في حفنة من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، والبرازيل، وكندا، وغويانا الواقعة على الساحل الشمالي لأميركا الجنوبية، وهي منتج جديد للنفط.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى