ما مستقبل الملف النووي الإيراني بعد التصعيد الأخير؟

ميدل ايست نيوز: لم تجرِ الرياح بما تشتهيه إيران لملفها النووي منذ استئناف تطويره قبل أكثر من عقدين واصطدامها بتسريب المعارضة الإيرانية معلومات عنه، وهو ما شكّل النواة الأولى للأزمة مع الغرب.

وعقب توقيع طهران على خطة العمل المشتركة مع المجموعة السداسية عام 2015، أعاد انسحاب الإدارة الأميركية السابقة من الاتفاق النووي التوتر من جديد إلى نشاطاتها النووية.

وأخيرا، زادت الحرب الروسية على أوكرانيا ومطالب موسكو بضمانات مكتوبة لمواصلة تعاون إيران، الطين بلة، ونسفت ما كانت قد اتفقت عليه أطراف المفاوضات النووية في فيينا، ناهيك عن أن السياسة الإسرائيلية شكّلت باستمرار عاملا تصعيديا ضد الملف النووي الملتهب أصلا.

واستطلع موقع الجزيرة نت، آراء خبراء ومحللين سياسيين إيرانيين، لعرض السيناريوهات المحتملة بشأن مستقبل الملف النووي الإيراني ولا سيما عقب تبني مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية القرار الغربي الذي ينتقد طهران رسميا لعدم تعاونها مع المؤسسة الدولية.

رغبة بالاتفاق

من ناحيته، يعتقد الدبلوماسي الإيراني السابق فريدون مجلسي، أن كلا الطرفين الإيراني والأميركي يرغبان بإنقاذ الاتفاق النووي المبرم عام 2015، موضحا أن واشنطن ترغب بعودة طهران إلى سوق الطاقة ولا سيما عقب الحرب الروسية على أوكرانيا وتلاعب موسكو بورقة الغاز والبترول والضغط على الدول الغربية.

وأوضح مجلسي، في حديثه للجزيرة نت، أن الحديث الإيراني عن إفشال سياسة الضغوط القصوى لا يعني “انتصارا شاملا” في ظل التضخم والفقر والعزلة المفروضة على طهران، واصفا رغبتها بالعودة إلى الأسواق العالمية والسياسة الدولية وبالاستقلال الاقتصادي بأنها “سياسة عقلانية”.

وأعرب عن أمله في أن تشكّل هذه الرغبة بالانفتاح وتنويع مصادرها منطلقا لأول السيناريوهات المحتملة بشأن النووي الإيراني، مؤكدا أنه يمكن لإنقاذ الاتفاق النووي أن يؤدي إلى استتباب الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي، إلى جانب خفض الضغوط عن إيران ورفد السوق بالنفط والغاز الإيرانيين.

شبح عودة الخلاف

وعلى ضوء التوتر المستجد على التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية عقب تبني مجلس المحافظين قرارا ينتقد طهران، يرجح أستاذ العلوم السياسية الباحث في مؤسسة “التاريخ المعاصر” للدراسات رضا حجّت، عودة الخلاف إلى الملف النووي، معتقدا أن شبح “التصعيد والتصعيد المتقابل” لا يزال يلوح في الأفق كأحد السيناريوهات الماثلة أمام الملف النووي.

وكانت الوكالة قد استنكرت، في تقريرها الفصلي الأخير، عدم حصولها على “إجابات مرضية” من إيران عن آثار اليورانيوم المخصب التي عثر عليها في 3 مواقع غير معلنة، وهي مريوان (غرب) وفارامين وتورقوز آباد في محافظة طهران.

وأضاف حجت -في حديثه للجزيرة نت- أنه لا يمكن تصوّر تذليل العقبات في الملف النووي سوى بتراجع طهران عن خطواتها التي اتخذتها ردا على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وإصدار القرار الغربي في مجلس محافظي الوكالة الذرية، مؤكدا أن طهران غير مستعدة للعدول عن خطواتها إلا بعد تنفيذ مطالبها وعلى رأسها شطب الحرس الثوري من قائمة الإرهاب الأميركية.

ويرى الباحث الإيراني، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عادت إلى ممارسة الضغوط على طهران، وأنه يتوقع أن ترد الأخيرة بدورها على هذه الضغوط، ما يعني أن الملف النووي على موعد مع التصعيد والتصعيد المقابل خلال الفترة المقبلة، لكنه استبعد تطوّر الأحداث إلى المواجهة العسكرية.

تجميد مؤقت

في المقابل، تعتقد الباحثة في الشؤون الدولية برستو بهرامي راد، أنه لا سبيل أمام أطراف المفاوضات النووية لخفض التوتر المتصاعد بشأن النووي الإيراني سوى إحياء الاتفاق النووي رغم نواقصه، وتتوقع التوصل إلى “اتفاق مؤقت” لتجاوز المرحلة الحرجة الراهنة.

وأوضحت بهرامي راد، للجزيرة نت، أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تخشى التوسع الصيني من جهة، وارتفاع نسبة تخصيب اليورانيوم في إيران من جهة أخرى، وأن مستجدات النووي الإيراني والحرب الروسية على أوكرانيا قد تدفع بالجانب الغربي للتفاوض مع إيران لإخراج الملف النووي من الانسداد.

أما السيناريو الرابع المحتمل بشأن الملف النووي الإيراني -وفق بهرامي راد- فهو التجميد حتى الانتخابات النصفية الأميركية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وأشارت إلى استطلاعات الرأي التي تظهر تراجع شعبية الرئيس جو بايدن ما يرفع خشيته من خسارة الديمقراطيين مقاعدهم في الكونغرس في حال موافقته على المطالب الإيرانية في ضوء المعارضة الكبيرة التي يواجهها في واشنطن بشأن النووي الإيراني.

وفاة الاتفاق

وأخيرا، توقع الباحث في الشؤون الإستراتيجية سعيد شاوردي، إعلان وفاة الاتفاق النووي نهائيا، مؤكدا أنه بالرغم من القضاء على الاتفاق منذ فترة ولم يبقَ منه سوى اسمه، فإن التصريح رسميا بإنهاء العمل به ستكون له عواقب وتداعيات قد لا تُحسن عقباها.

وحذر شاوردي -في حديث للجزيرة نت- من احتمال نشوب حرب في حال اتخذت طهران خطوات نووية جديدة ردا على الانسحاب الأميركي الذي أدى إلى قتل الاتفاق النووي، “أو في حال قيام الكيان الصهيوني بضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية”، مؤكدا أن خامس السيناريوهات المحتملة بشأن الملف النووي هو الأكثر كلفة وخطورة على الإطلاق.

وبعد التصعيد الإسرائيلي المتمثل في استهداف شخصيات وعلماء إيرانيين، يترقب الرأي العام الإيراني والإقليمي ما سيتمخض عن زيارة بايدن المزمعة إلى المنطقة منتصف الشهر المقبل، وما ستؤول إليه الوساطات الرامية لإحياء الاتفاق النووي، وكيفية جريان رياح السياسة هذه المرة؛ لصالح الأمن والاستقرار بالمنطقة أم نحو المزيد من التصعيد والتوتر؟

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة − 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى