كيف استخدمت واشنطن هوليوود ضد إيران؟

إن مطالعة هذا الكتاب فرصة لمشاهدة أفلام هوليوود من منظار جديد تساؤلي غير إستهلاكي، فيرفع ذلك الثقافة الإعلامية للقراء/المشاهدين.

ميدل ايست نيوز: في كتابها الصادر حديثاً عن دار “رياض الريس للكتب والنشر” في بيروت، تبحث الكاتبة اللبنانية حوراء حوماني في تأثير “القوة الناعمة” التي صاغها المفكر الأميركي جوزيف ناي كمفهوم، وكيف تسابقت الدول على طرح رؤيتها الخاصة حوله، والعمل في مختلف أجهزتها لتنال الصيت الأعلى في مجال هذا النوع من القوة.

هكذا، تشرح لنا حوماني في كتابها “إيران وهوليوود: القوة الناعمة لصناعة الاَخر”، كيف “تبنّت الولايات المتحدة هذا المفهوم خلال العقدين الأخيرين تسويقاً منها لأميركا التي تصل إلى أهدافها السياسية والإقتصادية من خلال وسائل غير عسكرية. واستخدمت أميركا هذه القوة للتأثير على الاَخرين بأساليب إغوائية تستهدف الدول الصديقة والعدوة على حد سواء”.

وتوضح حوماني أن علاقة الولايات المتحدة المضطربة بإيران بعد انتصار الثورة الإسلامية فيها، يدفع الفضول العلمي الباحث لدراسة كيفية صناعة القوة الناعمة الأميركية بمواجهة إيران وكيفية توظيف هذه القوة، ولتحديد أبرز الأدوات الناعمة التي تستخدمها أميركا تجاه إيران.

بعد إنقطاع العلاقة بين البلدين لجأت واشنطن إلى أساليب متنوعة للتأثير في صورة إيران أمام الرأي العام العالمي، ومحاولة التأثير في صورة إيران أمام الرأي العام الإيراني في الوقت نفسه. ولأن هوليوود تعد عالمياً الوسيلة الأكثر انتشاراً ونشراً لأفكار منتجيها ومموليها، فقد جاء هذا الكتاب لتحديد كيفية عمل هذا الجهاز الأميركي من خلال تحليل كل الأفلام التي أنتجت بين الأعوام 1979 و2016، والتي تناولت إيران في جزء منها أو بمجملها على أن تخضع للتحليل الكمي والنوعي.

ويكشف الكتاب الأساليب المتبعة تحت شعار “القوة الناعمة” وما تحمله من رسائل وصور تشكل النظرة إلى إيران النظام والشعب.

وتبيّن حوماني أن كتابها يجيب في طياته عن إشكاليات عدة يمكن أن تُختصر في السؤال التالي: “كيف تم صناعة وتوظيف القوة الناعمة الأميركية في سينما هوليوود التي تتناول إيران، وعلام تركز في اتجاهاتها التصويرية لقوتها مقابل تشكيل صورة الاَخر/العدو بين الأعوام 1979 و2016؟”.

تكمن أهمية كتاب “إيران وهوليوود: القوة الناعمة لصناعة الاَخر” في أنه من الكتب العربية القليلة التي تتحدث عن ماهية هوليوود، فتذكر المؤلفة أن الكاتب والناقد السينمائي الأميركي نيال غابلر يعتبر أن الولايات المتحدة هي جمهورية التسلية والأفلام، وهي حجر الزاوية النهائية والأسلحة الفعالة لهذه الجمهورية.

وتستحوذ هوليوود على نسبة حوالى 80 % من كل الأفلام التي تعرض في السينما العالمية، فيما تسجل كل الشركات الباقية نسبة 4.3% لكل شركة وهي على التوالي: فرنسية، كندية، مشترك ( أميركي – نيوزلندي – وفرنسي)، مشترك (هندي – أميركي) ومشترك (أميركي – ألماني) و (أميركي – بريطاني).

ويؤكد جوزيف ناي صاحب نظرية “الحرب الناعمة” أن هوليوود هي أكبر مروّج للرموز البصرية، وأن مصانعها أكثر ترويجاً للقوة الناعمة الأميركية من أي جامعة عريقة كجامعة هارفارد. ويتفق مع هذه الرؤية الشاعر السويدي الأميركي كارل ساندبيرغ حين قال عام 1961: “إن هوليوود ليست لها نظافة هارفارد ولكنها مع ذلك أقدر من هارفارد على الوصول إلى أمد أبعد”.

وتؤكد حوماني أن السينما الأميركية لعبت أدواراً أساسية باعتبارها قاطرة الإمبراطورية لاضطلاعها بدور إمبريالي على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتسرد لنا نسبة أفلام هوليوود التي وصلت إلى 30% والتي تناولت إيران بعد الثورة الإسلامية واستندت إلى قصة حقيقية حتى عام 2016، في مقابل 67% كانت أفلام خيالية غير واقعية.

وهناك 42% من أفلام هوليوود التي تناولت إيران ووقعت أحداثها خارج إيران أو بين إيران وخارجها. وقد ترتبط نسبة الأفلام التي تستند إلى قصة حقيقية بالأفلام التي صوّرت داخل إيران، لأن معظم القصص المأخوذة عن قصص حقيقية تغطي أحداثاً داخل إيران.

وتقول الكاتبة: “اللافت أن الافلام التي جسدت أحداثاً داخل إيران وصُورت في الحقيقة خارجها، وقعت في هفوات إخراجية كشفت عدم صدقيتها”.

وتسجل الأفلام التي تغطي الحقبة المعاصرة من التاريخ الحديث لإيران نسبة 67%، تتشارك مع نسبة 8% من الأفلام التي تناولت التاريخين الحديث والوسيط، بينما تتراوح النسب المتبقية بين الأفلام التي تغطي التاريخ القديم وخاصة تاريخ الإمبراطورية الفارسية (21%)، وبين تلك التي تستشرف المستقبل في أحداث ستحصل بعد سنوات (4%).

وتقول المؤلفة إن التركيز على التاريخ الحديث يدل على اتجاه تفضيلي لدى الشركات المنتجة نحو التركيز على القضايا الإيرانية المعاصرة، التي قد تنعكس على الساحة الدولية. وتوضح أنها وجدت أن نسبة الأفلام التي تستند إلى قصة حقيقية ليست قليلة في دلالة على اهتمام الشركات المنتجة بالإضاءة على قصص تعكس الواقع الإيراني بحسب تجارب فردية.

يعالج كتاب “إيران وهوليوود: القوة الناعمة لصناعة الاَخر” موضوع القوة الناعمة تجاه إيران من زواية أداة السينما كمورد ثقافي، وأخضعت الكاتبة 24 فيلماً تناولت إيران خلال هذه الفترة الزمنية للتحليل الكمّي والنوعي للخروج باستنتاجات أجابت عن إشكالية الكتاب الأساسية.

وتلتقي النتائج التي توصل إليها هذا الكتاب كماً ونوعاً حول واقع السياسة الشائكة بين إيران وواشنطن، من حيث الخلاف على القضايا التي تم التركيز عليها في الأفلام، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني و”رعاية الإرهاب” المزعومة.

وتطالب الكاتبة في دراستها بوجوب إيجاد تصنيفات للقوة الناعمة بعيداً من الدور التسويقي البريء الذي وضعها فيه جوزيف ناي بعد ترويج المفهوم عالمياً، وإذا ما حدا بنا إلى القول بوجود قوة ناعمة سوداء تعمل على شيطنة الاَخر – العدو، بالتزامن مع التسويق للماركة الوطنية وإبراز خصائص الذات واسثنائيتها.

وتختم حوراء حوماني كتابها بدعوتها لدراسة أثر هذه الأفلام ورصد تأثيرها التراكمي وليس اللحظوي لدى المشاهدين الإيرانيين ومدى تأثرهم بهذه الأفلام وبصورتهم وصور بلدهم ونظامهم ضمنها. وهذا ما يؤكد أو ينفي ما طرحه وزير خارجية بريطانيا انطوني إيدن عام 1937 حين قال إن “الدعاية الثقافية الجيدة لا تستطيع معالجة الضرر الناجم عن السياسة الخارجية السيئة”، ومثله الحديث عن عدم قدرة عطار هوليوود على إصلاح ما أفسدته الأمبراطورية.

وتؤكد حوماني أن هكذا دراسة ستكون مفيدة للطرف الأميركي الذي عوّل على الإعلام وهوليوود بشكل كبير في مساندته في رسم الصور والإتجاهات عن الذات والاَخرين، وتختم بدعوة الطرف الإيراني لدراسة مدى تأثير هذه الافلام ودعايتها ليتمكن من فهم أدق لأثر هذه الأفلام على شعبه كقوة ناعمة أميركية تعمل باستمرار لخدمة المصالح السياسية.

وفي الختام نؤكد على ما أكده ناشر هذا الكتاب بقوله: إن مطالعة هذا الكتاب فرصة لمشاهدة أفلام هوليوود من منظار جديد تساؤلي غير إستهلاكي، فيرفع ذلك الثقافة الإعلامية للقراء/المشاهدين، كي لا تكون هوليوود أشبه بحصان طروادة الترفيهي في المجتمعات المتلقية.

 

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى