تكرار سياسة مجربة.. هل يتمكن محافظ البنك المركزي الإيراني من إدارة أزمة الدولار؟
الإنغلاق المستمر عن العالم والمماطلة في دعم حل قضايا السياسة الخارجية سيفاقم من حدة التضخم ولن يكبح جماح سعر الصرف.

ميدل ايست نيوز: سجلت أسعار الصرف الأجنبي في إيران والذهب والسيارات وما إلى ذلك أرقامًا قياسية جديدة واحدة تلو الأخرى، معلنةً وبكل شفافية دق ناقوس الخطر وتهديد الاقتصاد المضطرب وزيادة حدة التحديات الداخلية والخارجية للبلاد.
وبحسب موقع فرارو، بلغت ذروة الأزمة الإيرانية في المجال الاقتصادي عندما شهدت الأسواق زيادة في سعر الدولار الذي وصل إلى عتبة 44 ألف تومان. الأمر الذي دفع أعضاء الحكومة الثالثة عشرة في البلاد لمحاولة إدارة الأزمة والعمل على الحد من تبعاتها.
على ضوء هذا، أصدرت الحكومة الإيرانية بشكل عاجل قراراً بعزل رئيس البنك المركزي علي صالح آبادي واستبداله بمحمد رضا فرزين، قرارٌ وصفه الكثيرون بالإيجابي، رغم عدم كفايته لتخطي أزمة الصرف.
والأهم من قرار العزل هذا، أثارت تصريحات فرزين بعد تعيينه، ردود فعل واسعة النطاق. حيث أكد أن هدفه الرئيسي هو التحكم في سعر الصرف ومعدل التضخم: “سنعمل بالتأكيد على تثبيت سعر موقع نيما (المخصص للاستيراد) عند 28500 تومان وسنقوم باستيراد جميع السلع الأساسية والمواد الخام والآلات بهذا السعر”.
ويعتبر حل تحديد سعر العملة من قبل حكومة إبراهيم رئيسي مسألة تم تطبيقها لسنوات في الحكومات السابقة.
عزل رئيس البنك المركزي في إيران… خطوة إيجابية لكن غير كافية لتخطي عاصفة سعر الصرف
ولأول مرة، خلال الولاية الأولى لرئاسة أكبر هاشمي رفسنجاني، تبنت الحكومة الإيرانية استراتيجية موضوع تحديد سعر العملة للسيطرة على سعر الصرف وخفضه.
وفي أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من التقويم الشمسي، أي في عام 1990م، حدثت زيادة غير مسبوقة في سعر الصرف الأجنبي مقابل الريال الإيراني. في هذه المرحلة، اتخذت حكومة رفسنجاني عدة خطوات للسيطرة على ارتفاع سعر العملة، منها اللجوء إلى دعم الحكومة للعملات الأجنبية، من أجل الحفاظ على استقرار سوق العملات وقيمة الريال.
وفي منتصف عام 1990، تم اعتبار سعر الصرف الرسمي للدولار 60 تومانًا، والعمل على أساسه في عملية استيراد السلع الكبيرة والمواد الأساسية وفي الإنتاج والمشاريع. وفي عام 1994، عندما كان متوسط سعر الدولار في السوق الحرة 180 تومانًا، تقرر زيادة سعر الصرف الرسمي تدريجياً حتى يصل كل دولار إلى 175 تومانًا.
في ذلك الوقت، بررت الحكومة قرارها تحت عنوان التكيف الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، لكن ما حدث في الواقع كان مختلفًا تمامًا عن ما خطط له أصحاب القرار في الدولة. فالسعر الرسمي (175 تومان) لم يشكل فارقاً في قيمته في السوق الحرة، بل وصل في نهاية رئاسة هاشمي رفسنجاني عام 1997، إلى 478 تومان في سوق الصرف، وهو أكثر من 2.5 ضعف من سعر العملة الحكومية.
ومع حلول 2018، استمر سعر الدولار في الارتفاع بشكل غير مسبوق خلال حكومة حسن روحاني الثانية، وفي ظل هذه الحالة أعلن إسحاق جهانجيري، النائب الأول لرئيس الجمهورية: “من الآن فصاعدًا، سيتوفر الدولار الأمريكي للمتقدمين بالعملات الأجنبية بسعر 4200 تومان، وعلى النشطاء الاقتصاديين والمواطنين أن لا يقلقوا بشأن سعر الصرف.”
وفي المقابل، واصل سوق العملات الحرة مساره متجاهلاً السعر الذي فرضته الحكومة. حيث تطور الوضع بحيث لامس الدولار بعد عامين ونصف عتبة 32500 تومان؛ وهذا يعني أكثر من 7 أضعاف سعر الدولار الحكومي.
في تلك الفترة، حدث اختلال في سعر الصرف لدرجة التعدد فيه، حيث في مشروع قانون موازنة 2021، تم تحديد ثلاثة أسعار على الأقل للدولار، والتي تعتبر ظاهرة اقتصادية مربكة في حد ذاتها؛ 4200 تومان للسلع الأساسية؛ 11500 تومان للدولار من صادرات النفط الخام؛ و17500 تومان للدولار من المنتجات النفطية. بالطبع ، قامت لجنة التوحيد البرلمانية بحذف ما قيمته 4200 تومان وحساب سعر الصرف في الميزانية على أنه 17500 تومان.
ويظهر مجموع التجارب التاريخية حول سعر العملة الرسمية في الحكومات السابقة بوضوح أن هذه السياسة لم تؤد أبدًا إلى الحفاظ على استقرار قيمة العملة وميزان المدفوعات الدولية جنبًا إلى جنب مع النمو الاقتصادي. ومع ذلك، عاد مجدداً أعضاء حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى استراتيجية نفسها وتحديد سعر العملة الرسمي.
وبعد مناقشات دامت شهوراً، تراجع أغلبية نواب البرلمان وصوت 194 من أصل 290 نائباً في البرلمان الإيراني لصالح حذف بيع الدولار بسعر حكومي قدر 42 ألف ريال المخصص للوزارات والمؤسسات الحكومية، على أن تتعهد الحكومة بإصدار كوبونات (قسائم) إلكترونية لتعويض دعم السلع الأساسية والإنسانية.
وقال النائب إلياس نادران عضو مراجعة مشروع الموازنة العامة إن «قرار البرلمان يسمح للحكومة بأن تحذف الدعم عن الدولار دون أن تتسبب في زيادة القاعدة النقدية أو التضخم».
ومع أن الاعتقاد السائد في التجارب الماضية أظهر لنا أن تحديد 4200 تومان للدولار الواحد هو السبب الرئيسي للفساد، إلا أن الذين كانوا ينتقدون ذلك القرار، اصبحوا اليوم يعتقدون أن 28500 تومان هي كفيلة بتخطي الأزمة وعامل مساهم في استقرار السوق، وخفض سعر الصرف وكبح جماح الصرافين في السوق السوداء.
لكن هذه القضية ليست سوى جانب واحد من جوانب ما يجري في البلاد. إذ يبدو أن الفريق الاقتصادي للحكومة أصبح منقسمًا ومربكًا. ويبدو أن حكومة إبراهيم رئيسي قد واجهت الواقع الاقتصادي الرهيب في إيران وتوصلت إلى نتيجة مفادها أنه ليس من السهل إدارة هذه الأزمة ولتبرير موقفهم انتقدوا أداء الحكومة السابقة وخططها التي لم تجدي نفعاً.
من طرف آخر، يرى مسؤولو الدولة أنهم لم يعد بإمكانهم التحكم بسعر الصرف حتى ولو ضخوا ما مقداره 350 مليون دولار في البنوك وبنوا مليون منزل سنويًا، وخلقوا مليون فرصة عمل. في حين، تشير استقالة عدد من الوزراء وعزل بعضهم الآخر إلى حقيقة مفادها أن جداول أعمال الفريق الاقتصادي لحكومة رئيسي قد أفلست من الخطط وانتهى بها الحال باتخاذ قرارات شبيهة للحكومات السابقة. قرارات لا تسمن ولا تغني من جوع.
وبكل جرأة يمكننا الآن القول أن خطوة تحديد سقف العملة من قبل رئيس البنك المركزي الجديد لن تكون عاملاً أكثر إسهاماً من خطوة جهانغيري أو من قرار أحمدي نجاد وهاشمي رفسنجاني.
ومما لا شك فيه، أن الإنغلاق المستمر عن العالم والمماطلة في دعم حل قضايا السياسة الخارجية وإنهاء تعليق المجال السياسي في البلاد وحل أوجه القصور في تحويل العملات والنمو الاقتصادي والوصول إلى الأسواق المالية العالمية، سيفاقم من حدة التضخم ولن يكبح جماح سعر الصرف. فالسعر الذي وضعه فرزين، يشبه لحد ما المسكنات التي تعطى لمريض مصاب بمرض عضال، تشفيه لبرهة من الزمن، وعند انتهاء مفعولها المؤقت، يعود المرض ليفتك جسمه وهكذا إلى أن يموت.