الصفقة السعودية الإيرانية.. مؤشرات نظام جديد للشرق الأوسط

الصفقة السعودية الإيرانية جرت بوساطة الصين، التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية طويلة الأمد مع كلا البلدين، وفي حال تنفيذها بالكامل فستنهي أحد أبرز صراعات المنطقة.

ميدل ايست نيوز: سلط خبير الشؤون السياسية، ولي نصر، ومستشارية مركز الحوار الإنساني للشرق الأوسط، ماريا فانتابي، الضوء على تأثير إعلان إيران والسعودية تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال شهرين، ووصفا ذلك بأنه “يمكن أن يحول الشرق الأوسط عبر نسج المنطقة في إطار طموحات الصين العالمية”.

وذكر المحللان، في تحليل نشرته مجلة “فورين أفيرز” أن الصفقة السعودية الإيرانية جرت بوساطة الصين، التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية طويلة الأمد مع كلا البلدين، وفي حال تنفيذها بالكامل فستنهي أحد أبرز صراعات المنطقة.

وقد تكون عواقب ذلك عميقة، حيث تعتقد كل من طهران والرياض أنهما ستستفيدان من العمل لاستعادة العلاقات الإقليمية عبر الصين، بحسب المحللين، اللذين أوردا أن السعوديين يعتقدون أن إشراك الصين هو الضمان الأكيد بأن الصفقة مع إيران ستستمر، إذ من غير المرجح أن تخاطر طهران بتعريض علاقاتها مع بكين للخطر عبر انتهاك الصفقة.

وأشار المحللان إلى أن تدخل الرئيس الصيني، شي جينبينغ، شخصيا كان عاملا حاسمًا في إبرام الصفقة، إذ للصين علاقات سياسية واقتصادية طويلة الأمد مع البلدين، وبالتالي كان الرئيس الصيني قادرًا على العمل كوسيط موثوق بينهما.

ووفقا للصفقة، من المقرر أن يعيد الجانبان فتح السفارتين، وأن تنهي الحكومة السعودية دعمها لقناة إيران الدولية التلفزيونية، التي تعتبرها طهران مسؤولة عن تأجيج المعارضة الداخلية. كما سيلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار المبرم في أبريل/نيسان 2022 في اليمن ويبدآن العمل على اتفاق سلام رسمي لإنهاء الحرب الأهلية هناك.

وبموجب الصفقة ذاتها، من المقرر أن تتوقف إيران عن إمداد الحوثيين بالسلاح وتقنعهم بوقف هجماتهم الصاروخية على السعودية.

وتدعو اتفاقية الصفقة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وإيران وشركائها العرب لبدء مناقشات حول بناء إطار أمني إقليمي جديد، على أن تواصل الصين الإشراف على كل هذه الخطوات.

ويمكن للصفقة الإيرانية السعودية إنهاء واحدة من أهم الصراعات في المنطقة وتوسيع العلاقات الاقتصادية عبر الخليج، إذ لن تقف إيران بمفردها بعد الآن في مواجهة تحالف من العرب والإسرائيليين على الأرجح.

وفي السياق، تعهد وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، بأنه إذا سارت الأمور كما هو مخطط لها، فإن السعودية مستعدة للاستثمار في الاقتصاد الإيراني.

كما قبل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، دعوة لزيارة الرياض في موعد غير محدد، في إشارة أخرى إلى نية الجانبين لتعزيز العلاقات.

فورين بوليسي عن التقارب السعودي الإيراني: النجاح الدبلوماسي الصيني يحرج أمريكا

عواقب كبيرة

وهنا يشير الباحثان إلى أن عواقب هذا التطور السريع قد تكون عميقة على المنطقة، إذ تعتقد طهران والرياض أنهما ستستفيدان من العمل من خلال الصين لاستعادة العلاقات الإقليمية.

وبالنسبة لكلا البلدين، يعد العمل مع بكين تطوراً جديداً، ففي عام 2015، كانت أولوية إيران هي تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وأوروبا، واعتبرت المفاوضات مع جيرانها ثانوية، وكانت النتيجة هي الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى ألمانيا، ما قلص برنامج إيران النووي مقابل تخفيف العقوبات.

وبعد أن إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انسحابا أحاديا من الاتفاق، عام 2018، اقتربت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي من إسرائيل، وهي خطوة تسارعت بسبب هجوم إيراني على منشآت نفطية سعودية عام 2019.

غير أن إيران غيرت التركيز لاحقا، وأعطت المزيد منه لتحسين العلاقات مع جيرانها والتجارة الإقليمية. ولتحقيق هذه الغاية، أعادت طهران إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الكويت والإمارات في عام 2022.

لكن صفقة بكين مع السعوديين هي الجائزة الكبرى التي تسعى إيران لتحقيقها؛ لأنها تمثل انفتاحا حقيقيا على العالم العربي، يمكن أن يمتد قريبًا إلى البحرين ومصر.

تعظيم دور الصين في الاتفاق السعودي الإيراني مبالغ فيه

تحول استراتيجي

وبالنسبة للسعودية، يشكل الاتفاق، الذي تقوده بكين، تحولًا استراتيجيًا أكثر جرأة، فالعلاقات بين الرياض وواشنطن في أدنى مستوياتها التاريخية، بعدما تراجع رضا المملكة العربية السعودية عن سياسة الولايات المتحدة في المنطقة منذ غزو العراق عام 2003.

وكانت الرياض غير راضية عن تفكيك الحكومة العراقية آنذاك، ومنزعجة من الاتفاق النووي، وغاضبة من عدم استعداد الولايات المتحدة لدعم المصالح السعودية ضد إيران في سوريا واليمن، وقلقة من الفشل في الدفاع عندما تعرضت منشآتها النفطية لهجوم إيراني عام 2019.

وتعتقد الرياض أن الولايات المتحدة، التي كانت حليفتها القوية، تركز على أولويات أخرى، ولا ترى أن لدى واشنطن خطة واضحة للأمن الإقليمي في أعقاب المحادثات النووية المتوقفة مع إيران.

كما أن القادة السعوديين غير راضين عن القيادة الحالية في واشنطن، إذ كان الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بطيئًا في إصلاح العلاقات بعد أن تعهد كمرشح بمعاملة النظام السعودي باعتباره “منبوذًا”، بعد مقتل الصحفي، جمال خاشقجي، عام 2018.

ودفعت الرغبة في ضمان الأمن السعودية إلى السعي لإقامة علاقات مع إسرائيل وتحسين العلاقات مع خصوم، مثل إيران وسوريا وتركيا، إذ يأمل نظام المملكة في تعزيز استقراره على المدى الطويل.

وحددت المملكة هدفًا طموحًا، يتمثل في أن تصبح اقتصادًا صناعيًا متقدمًا، فضلاً عن كونها مركزًا ثقافيًا وسياحيًا بحلول عام 2030، ما يتطلب دعمًا عسكريًا أمريكيًا وتكنولوجيا إسرائيلية وتجارة مع أوروبا والصين، واستقرار محلي.

وتتعارض تلك الاستراتيجية السعودية مع مفهوم واشنطن للأمن الإقليمي، الذي يفضل عزل إيران ولا يستبعد الحرب معها، حسبما يرى ولي نصر وماريا فانتابي.

فالرياض تظهر الآن، وبقوة، أنه إذا كانت السياسة الأمريكية لا تخدم المصالح السعودية، فلن يخضع السعوديون للتحالف معها.

وبحسب المحللين، فإن واشنطن كانت بطيئة في إدراك أن السعودية لا ترى نفسها تابعة للولايات المتحدة، وإنما كقوة إقليمية قادرة على لعب دور مستقل في السياسة العالمية.

فالرياض تعتقد أن نظام العلاقة القديم مع واشنطن، القائم على صيغة “الأمن على الولايات المتحدة مقابل أسعار نفط منخفضة” انتهى، ولديها اليوم رؤية للحكم الذاتي الاستراتيجي، لا تعبر فقط عن رد فعل على تقليص انخراط الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط، بل عن إرادة لتكوين علاقات وثيقة ومستقلة مع الولايات المتحدة، وكذلك مع روسيا والصين.

كما ترى السعودية نفسها لاعبا حاسمًا في المنطقة، يتحقق التوازن بين مصر وإيران وإسرائيل وتركيا لحماية أمنها وممارسة نفوذها الإقليمي، ولتلعب هذا الدور، يجب عليها رعاية علاقاتها مع جميع جيرانها.

وفي هذا الإطار، أعادت الرياض العلاقات مع تركيا عام 2022، وتفعل الشيء نفسه حاليا مع إيران، والدور قادم على إسرائيل، حسبما يرى والي نصر وماريا فانتابي.

ماذا قال كيسنجر حول الاتفاق الإيراني السعودي؟

صفقة ثنائية

ومن شأن العلاقات مع إيران أن تمنح السعوديين غطاءً سياسيًا هم في أمس الحاجة إليه مع حلفائهم، ما يعني أنه يمكن إبرام صفقة ثنائية مع إسرائيل، بدلاً من تشكيل محور عسكري ضد دولة مسلمة أخرى.

ومن الجانب الصيني، لطالما تجنبت بكين التورط في الشرق الأوسط، لكن مصالحها الاقتصادية المزدهرة هناك استلزمت القيام بدور دبلوماسي أيضًا، فالمنطقة مهمة لمبادرة الحزام والطريق، حيث تحتاج الحكومة الصينية، على سبيل المثال، إلى ضمان بأن استثماراتها في قطاع الطاقة السعودي ليست مهددة بصواريخ الحوثيين.

وإضافة ذلك، تعمل الصين بشكل مطرد على توسيع بصمتها الاقتصادية في إيران، وهي مهتمة بدعم خطة موسكو لتطوير ممر عبور عبر إيران من شأنه أن يسمح للتجارة الروسية بالوصول إلى الأسواق العالمية دون استخدام قناة السويس.

وسيسمح تطوير هذا الممر للصين أيضا بالالتفاف حول مضيق ملقا، في مواجهة الأسطول الهائل الذي تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها ببنائه. ولتعزيز هذه الأولويات الاستراتيجية، تستعد بكين حاليا لتحدي واشنطن من أجل النفوذ في الشرق الأوسط، حسبما يرى ولي نصر وماريا فانتابي.

ويؤشر تقارب المصالح الاستراتيجية للصين وإيران والسعودية إلى “واقع جيوسياسي جديد في الشرق الأوسط”، يمثل تحديًا تاريخيًا للولايات المتحدة، إذ لم يعد بإمكان واشنطن ببساطة أن تطالب حلفائها العرب بالانفصال عن الصين والتوحد خلف قيادتها لمحاربة إيران.

وخلص المحللان إلى ضرورة صياغة واشنطن لسياسات تتماشى مع الطريقة التي ترى بها دول المنطقة مصالحها الخاصة، و”إلا فسوف تستمر في فقدان نفوذها لصالح الصين وروسيا”.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخليج الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 − ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى