تنازلت بموجبها عن أراض شاسعة بالقوقاز.. تعرف على أكثر المعاهدات إثارة للجدل في إيران

تعتبر إيران رسميا هذه المعاهدة من أكثر المعاهدات التي وقعتها إذلالا وقسوة على الإطلاق. ويعتبر الإيرانيون المعاهدة أيضا السبب الرئيسي وراء اعتبار فتح علي شاه أحد أكثر حكام إيران ضعفا وعجزا.

ميدل ايست نيوز: ما زال منشور وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف على منصة “إنستغرام” السبت الماضي، والذي سلط فيه الضوء مجددا على معاهدتين تاريخيتين تنازلت إيران بموجبهما عن أراض شاسعة في القوقاز للإمبراطورية الروسية؛ يثير الجدل والانتقادات في الأوساط المحافظة في البلاد.

وقال ظريف في منشوره إن أولئك الذين سعوا وراء الأراضي المفقودة بمقتضى معاهدة كلستان عام 1813، انتهى بهم الأمر إلى التنازل عن المزيد من الأراضي في معاهدة تركمنشاي عام 1828، واضعين بذلك استقلال إيران على المحك، وشدد على أنه من أجل منع اتفاقيات مماثلة لمعاهدة تركمنشاي في المستقبل، يجب على الإيرانيين التأكد من أن طموحاتهم تتوافق مع قدراتهم.

وجاء تذكير ظريف بهاتين المعاهدتين التي تنازلت إيران بموجبهما عما ما بات يعرف اليوم بجمهوريات أذربيجان وأرمينيا وجورجيا للإمبراطورية الروسية، في إطار دفاعه عن تقديم تنازلات في السياسة الخارجية، وتوجيه انتقادات للسياسات الإيرانية في مختلف الحقب التاريخية، وقال إن “الأماني والطموح” اللذين يطغيان على هذه السياسات، أكبر من القدرات والإمكانيات التي يمتلكها البلد لتحقيقها.

وشنت صحيفة “كيهان” الإيرانية المحافظة، أول أمس الثلاثاء، هجوما شرسا على ظريف، قائلة إن “الشعب الإيراني لو اختار وتحرك على أساس قدراته فكيف كان بمقدورهم القيام بالثورة؟”. واتهمت الوزير السابق بأنه ارتكب ما اعتبرته إجحافا كبيرا بحق البلاد، عندما يساوي بتلميح بين اقتدار اليوم وحقبة الانحطاط البهلوي والقجري، بينما اعتبر المذيع التلفزيوني المحافظ محسن مقصودي ما وصفه بطريقة ظريف في التفكير بأنها “خطرة على إيران”.

ما قصة المعاهدتين؟

في عام 1801 أدت الإمبراطورية الروسية اليمين الدستوري الجديد للقيصر الجديد، فقد تولى القيصر ألكسندر الأول الحكم فيها، وكانت الإمبراطورية في ذلك الوقت حريصة على السيطرة على المناطق المحيطة فيها وكانت تنوي توسعة أراضيها باتجاه بلاد فارس التي كانت تحكمها الدولة القاجارية.

في ذلك الوقت كان فتح علي شاه حاكما على بلاد فارس وثاني سلاطين الدولة القاجارية (نحو 1772 – 1834م)، وتمكن خلال فترة حكمه من هزيمة أعدائه وإخضاع الصفويين والأفشاريين الموجودين في أذربيجان وجنوب داغستان وأرمينيا وجورجيا لحكمه.

وتدخلت روسيا في ذلك الوقت وضمت شرق جورجيا إليها وقامت بالسماح بالتجارة بين الأراضي الروسية وأراضي تلك المناطق؛ وذلك من أجل خلق علاقة بينهم والعمل على ضمها بشكل كامل إليها، في عام 1801 ميلادي بدأت بلاد فارس بعملية محاولة تشكيل تحالف مع فرنسا؛ وذلك من أجل تحسين وضعها العسكري في حال دخولها في حرب ضد روسيا، إلا أنّ تلك المحاولات أخفقت.

ورغم أنّ روسيا وبريطانيا كانت مندمجة في الحروب النابليونية ضد فرنسا، طلب علي فتح شاه من بريطانيا تقديم دعم عسكري لها مقابل قيام بلاد فارس بمنع توسع أي دولة أوروبية إلى الهند وبقائها تحت السيطرة البريطانية، ومع بداية التحالف دخلت بلاد فارس الحرب ضد روسيا.

واستمرت الحرب الروسية الفارسية الأولى من عام 1804 إلى 1813، وكانت بلاد فارس التي تحكمها مملكة القاجار تسعى من خلال تلك الحرب إلى استعادة أراضي جورجيا والتي كانت تحت الحكم الروسي، لكنها تعرضت لهزيمة قاصمة اضطرتها لإبرام معاهدة كلستان في 24 أكتوبر/تشرين الأول عام 1813 مع روسيا القيصرية بين الشاه الفارسي فتح علي شاه والقيصر الروسي ألكسندر الأول.

ونتج عن هذه المعاهدة خروج أراض كثيرة من أراضي القوقاز من الحكم الإيراني إلى الحكم الروسي بما في ذلك داغستان وجورجيا وأذربيجان الشمالية وأرمينيا الشرقية وأجزاء من سواحل بحر قزوين الغربية، كما اعترفت إيران بسيادة روسيا على تبليسي وباكو ومدن أخرى في المنطقة. كما تضمنت المعاهدة تعيين الحدود بين البلدين، حيث تم تحديد الحدود الشمالية لإيران على نهر آراس والحدود الجنوبية على نهر أذربيجان. وقد تم تسمية تلك المعاهدة بذلك الاسم نسبة إلى قرية كلستان الموجودة غرب أذربيجان.

معاهدة تركمنشاي

قبلت الدولة القاجارية بالشروط القاسية لهذه المعاهدة على مضض، لكنها نقضتها لاحقا وقررت خوض حرب ثانية ضد روسيا وطلبت من فرنسا الوفاء بوعد سابق لها ومساعدتها، إلا أنّ فرنسا رجعت عن قرارها ولم ترد حينها خوض حرب ضد روسيا، فأصدرت قرارا إلى جيشها بالخروج من بلاد فارس، الأمر الذي أدى إلى خوض الجيش الفارسي حربا وحده ضد روسيا (1826-1828)، وتعرض لهزيمة قاسية.

اضطرت إيران آنذاك لإبرام معاهدة تركمنشاي في 21 فبراير/شباط عام 1828، نسبة إلى بلدة تركمنشاي الواقعة في منطقة غيومري الحالية في أذربيجان، سُلخت بمقتضاها آخر أراضي القوقاز عن إيران، وتبقى جزء من أذربيجان المعاصرة في أيدي الإيرانيين.

ونصت معاهدة تركمنشاي على عدة بنود، بما في ذلك:

1. تسليم إيران لروسيا المناطق الشرقية للقوقاز، بما في ذلك منطقة أرمينيا الشمالية وجنوب أذربيجان وأجزاء من جورجيا وداغستان.
2. حق روسيا في تحديد الحدود بين الدولتين.
3. استعادة جميع الأراضي والسكان التابعين لروسيا الذين هاجروا خلال الحرب.
4. حق روسيا في تجنيد الأفراد من الأقلية الأرمنية في القوقاز.
5. دفع تعويضات مالية من قبل إيران لروسيا.

وبحلول عام 1828، فقدت إيران، بموجب معاهدتي كلستان وتركمنشاي، جميع أراضيها المذكورة أعلاه في جنوب القوقاز وشمال القوقاز، وتحديدا المنطقة الواقعة شمال نهر آراس، ومنها أراضي دول جورجيا، وأذربيجان، وأرمينيا، وجمهورية داغستان في شمال القوقاز المعاصرة.

وتضمنت المعاهدة 16 مادة وحصلت روسيا بمقتضاها على الحق الكامل في الإبحار في بحر قزوين. وكان على إيران أن تدفع مساهمة قدرها 20 مليون روبل من الفضة (في وقت لاحق انخفض إلى 10 ملايين روبل).

وإلى جانب المعاهدة تم التوقيع على “قانون التجارة” الذي بموجبه تم منح التجار الروس الحق في التجارة بحرية في كامل أراضي إيران؛ وأن يخضع استيراد البضائع الروسية والإيرانية لضريبة واحدة بنسبة 5%.

ووقع على المعاهدة عن الدولة القاجارية ولي العهد الأمير عباس ميرزا وميرزا أبو الحسن خان، مستشار الشاه آنذاك، ووقعها عن روسيا مستشار الدولة “أ. م. أوبريزكوف” والجنرال إيفان باسكيفيتش الذي توعد باحتلال طهران خلال 5 أيام ما لم يتم التوقيع عليها.

وتعتبر إيران رسميا هذه المعاهدة من أكثر المعاهدات التي وقعتها إذلالا وقسوة على الإطلاق. ويعتبر الإيرانيون المعاهدة أيضا السبب الرئيسي وراء اعتبار فتح علي شاه أحد أكثر حكام إيران ضعفا وعجزا.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + سبعة =

زر الذهاب إلى الأعلى