كيف سيؤثر رحيل إبراهيم رئيسي على المشهد السياسي الإيراني؟
وضع رحيل إبراهيم رئيسي البلاد أمام استحقاق رئاسي عاجل، لانتخاب رئيس جديد وحكومة جديدة، ما طرح تساؤلات عن مدى التأثير الذي سيتركه غياب رئيسي على هذا المشهد المعقد.
ميدل ايست نيوز: شكّل الرحيل المفاجئ للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أول من أمس الاثنين، مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وعدد من المرافقين لهما إثر تحطم طائرة مروحية كانت تقلّهم في محافظة أذربيجان الشرقية، شمال غرب البلاد، صدمة في الشارع الإيراني وفي الوقت نفسه لقواه السياسية والمشهد السياسي الداخلي.
وقد وضع رحيل إبراهيم رئيسي البلاد أمام استحقاق رئاسي عاجل، لانتخاب رئيس جديد وحكومة جديدة، ما طرح تساؤلات عن مدى التأثير الذي سيتركه غياب رئيسي على هذا المشهد المعقد، خصوصاً في ما يتصل بالتنافس الداخلي بين القوى المحافظة في ظل تحكمها بالسلطات وإبعاد المنافس الإصلاحي عن الساحة.
ورافق صعود رئيسي إلى الرئاسة الإيرانية عام 2021 جدال واسع على وقع إبعاد مرشحين إصلاحيين وآخرين من التيار الأصولي المعتدل، وإجراء انتخابات رئاسية سجلت أدنى نسبة مشاركة (48.8 بالمائة) منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. فكان له منتقدون ومعارضون كثيرون في داخل إيران وخارجها، تصل معارضتهم له أحياناً إلى درجة الاستهزاء به، مع تركيز مستمر على كلماته وتصريحاته لاستخراج هفوات كلامية، وإبرازها ونشرها على شبكات التواصل. رغم ذلك، كان رئيسي يتجنب الدخول في بازار السجال السياسي والتلاسن الكلامي الاستقطابي، محاولاً إظهار نفسه على أنه أعلى من الاعتبارات الفئوية والممارسات الحزبية، مع سعيه في السياق إلى الحفاظ على العلاقات مع أقطاب وشخصيات إصلاحية.
ردود الفعل على رحيل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي
كما كان رئيسي محل إجماع بين المحافظين الذين بدأ يحتدم التنافس في ما بينهم خلال العامين الأخيرين، عكسته الانتخابات البرلمانية خلال مارس/آذار الماضي، والتي شكّلت نسبة المشاركة فيها 41 بالمائة مسجلة أدنى مشاركة في الانتخابات البرلمانية في تاريخ الجمهورية. وجاء التنافس عقب إقصاء خصمهم التاريخي، أي الإصلاحيين، عن السلطة، وعليه، فإن رحيل إبراهيم رئيسي وغيابه سيفقد أيضاً التيار المحافظ عنصراً مجمعاً عليه وسط تصاعد الخلافات والتنافسات الداخلية، والتي ربما تحتدم أكثر خلال الانتخابات الرئاسية الجديدة المزمع عقدها في 28 يونيو/ حزيران المقبل.
أما شعبية رئيسي فكانت في المدن الصغيرة والمناطق النائية أكثر منها في المدن الكبرى، وكان يركز على الزيارات الميدانية المكثفة للمحافظات والمدن خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إلى أن توفي في إحدى هذه الزيارات إلى الحدود الإيرانية الأذربيجانية، الأحد الماضي، في حادث تحطم طائرته.
رحيل إبراهيم رئيسي وانعكاساته الداخلية
وقال نائب رئيس جمعية “بيت الأحزاب الإيراني”، حسين كنعاني مقدم، إن رحيل إبراهيم رئيسي “سيترك تأثيرات على الساحة السياسية الإيرانية وتشكيلة الحكومة المقبلة”، مشدداً في الوقت نفسه على أن غيابه “لن يتسبب بخلل في إدارة البلاد”. وبرأي كنعاني مقدم، وهو الخبير والناشط السياسي الإيراني المحافظ، فإن “التغييرات المقبلة ربما تحسّن الوضع ونشهد تشكيلة حكومية أقوى ولذلك لا يوجد ما يدعو للقلق”.
ولفت إلى أن رئيسي منذ توليه الرئاسة كان يتصرف فوق الاعتبارات الحزبية وكان محل احترام مختلف القوى السياسية، وحتى منتقدوه من الإصلاحيون، رغم الخلافات معه، كانوا يشاركون في الاجتماعات التي كان يدعو لها وكانوا على تواصل معه. وعن تأثيرات رحيل إبراهيم رئيسي على التنافس الداخلي بين التيارات المحافظة، اعتبر كنعاني مقدم أن هذا التنافس “ينعكس غالباً على الانتخابات والسلطة، لكنها إذا ما تعرضت هذه التيارات لخطر وأزمة، فإنها عادة تعود إلى الوحدة والانسجام بينها بشكل أقوى”. وأشار إلى أن التيار المحافظ في الوقت الراهن “في حالة صمت نتيجة الأجواء الراهنة في البلاد عقب وفاة رئيسي”، من دون أن يستبعد اشتداد التنافس بين أبناء هذا التيار كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي هذا الصدد كان رئيسي على عكس أسلافه في توافق تام مع مؤسسة القيادة والمرشد الإيراني، والذي كان يكيل له المديح في مناسبات عدة. وقد نعى خامنئي رئيسي بحزن في رسالة، أول من أمس، واصفاً إياه بـ”العزيز رئيسي المكافح والنبيل والمتفاني”. كذلك كان رئيسي يُعد من المرشحين المحتملين لخلافة خامنئي، ومن هنا تكون إيران قد خسرت أحد أبرز هؤلاء المرشحين.
وفي السياق، قال كنعاني مقدم إن لجنة في مجلس خبراء القيادة تقوم بدراسة مختلف الخيارات والمرشحين المحتملين لخلافة المرشد الإيراني الأعلى، من دون علمهم، مضيفاً أنه “لا حاجة لبحث الخلافة الآن، إذ يظهر سلوك خامنئي وإرشاداته في أمور البلاد أنه يتمتع بقدرة صحية جيدة ستبقيه في هذا المنصب لسنوات طويلة”.
وقد اختار أعضاء مجلس خبراء القيادة الإيراني، أمس الثلاثاء، بحضور شخصيات ومسؤولين إيرانيين، رجل الدين المحافظ محمد علي موحدي كرماني البالغ من العمر 92 عاماً، لرئاسة المجلس لمدة عامين، في دورته السادسة عقب الانتخابات الأخيرة في مارس/آذار الماضي، والتي أقصي منها الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني لرفض مجلس صيانة الدستور أهليته للترشح. كما انتخب في الجلسة الافتتاحية للدورة الجديدة للمجلس، رجل الدين هاشم حسيني بوشهر ورجل الدين عليرضا أعرافي، كنائبين أول وثان لموحدي كرماني على الترتيب.
احتدام الصراع بين المحافظين
من جهته، قال الخبير الإيراني الإصلاحي، صلاح الدين خديو، إن المرشد الإيراني “يشكل عصبة هياكل الجمهورية” الإيرانية، و”له الكلمة الفصل في النظام السياسي”، لذلك فإن تأثيرات رحيل إبراهيم رئيسي والذي يعد، بصفته رئيسا للبلاد، الرجل الثاني في الدولة، “ليست مثلها كما في بقية البلدان”.
وأضاف خديو أن رحيل إبراهيم رئيسي “ليس بلا تأثير في الوقت ذاته”، فهو يمثل رمزاً لـ”تنقية السلطة وتوحيدها” بيد المحافظين منذ عشر سنوات تقريباً أو حتى بعد حقبة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد. ولفت إلى أن النظام السياسي سعى منذ ذلك الحين إلى إقصاء ما يوصفون في الأدبيات السياسية الإيرانية بـ”غير الذوات” (غرباء)، “وهو يشمل أيضاً المحافظين المعتدلين والتيار المعتدل (أبناء مدرسة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني)، لتتوحد السلطة تحت تحكم ومعايير النواة الصلبة للنظام السياسي”.
غير أن هذه السياسة، بلورت “ديناميكيات خاصة” في السياسة الإيرانية، داخلياً وخارجياً، وفق خديو، والذي أشار إلى إطلاق “تنافس داخلي بين التيار الأصولي (المحافظ) وحتى بين المتشددين منه، كأحد أبعاد هذه الديناميكية، وهو ما انعكس في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي سجلت مشاركة شعبية ضعيفة، لكنها شهدت استقطاباً وتجاذبات داخلية في المعسكر المحافظ”.
ولفت الخبير الإيراني إلى أن أحد تداعيات غياب رئيسي، “قد يكون تشديد الخلافات الداخلية بين المحافظين، خصوصاً في الانتخابات الرئاسية، ما يساهم في عودة شخصيات محافظة معتدلة، أمثال علي لاريجاني، الرئيس السابق للبرلمان الإيراني، إلى ساحة التنافس”. لكن رغم ذلك يعتبر أنه “يجب الانتظار لما يقرره النظام، وما إذا كان يريد استمرار الوضع السياسي الراهن منذ الانتخابات الرئاسية السابقة أو إعادة النظر في السياسات الداخلية والخارجية وفتح المجال أمام شخصيات معتدلة مثل الرئيس السابق حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، للعودة إلى المشهد”.
واستبعد خديو وقوع هذا التطور والسماح بعودة هذه الأقطاب إلى حلبة السلطة مرة أخرى، متوقعاً أن يحل رئيس البرلمان الحالي، محمد باقر قاليباف، محل رئيسي في الانتخابات المقبلة.