من الصحافة الإيرانية: حرب غزة والحدود المنسية
حرب غزة مثل نار في غابة قاحلة، تتسع وتزداد وحشية يوما بعد يوم، فجهود رجال الإطفاء لإخمادها، إذا كانوا صادقين حقا، لم تثمر أي شيء حتى الآن.
ميدل ايست نيوز: حرب غزة مثل نار في غابة قاحلة، تتسع وتزداد وحشية يوما بعد يوم، فجهود رجال الإطفاء لإخمادها، إذا كانوا صادقين حقا، لم تثمر أي شيء حتى الآن. فكلما أحدثت الأنشطة الدبلوماسية شرارة في نهاية نفق الحرب المظلم، أعمتها عملية عسكرية على الفور.
وخلق البيان المشترك الصادر عن مصر وقطر والولايات المتحدة، والذي يهدف إلى وضع اللمسات الختامية على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في غزة، الأمل لدى شعوب الشرق الأوسط لإنهاء هذه الحرب الدموية. لكن هجوم الجيش الإسرائيلي على مدرسة التابعين في حي الدرج بمدينة غزة، والتي تعد ملجأ للاجئين الفلسطينيين، حول أمل إنهاء الحرب مرة أخرى إلى يأس.
تقول وسائل الإعلام الفلسطينية إن نحو 100 مدني قتل وأصيب آخرون في الهجوم التي شنته إسرائيل على مدرسة التابعين فجر السبت. وكعادته، ادعى الجيش الإسرائيلي أنه استهدف مركز عمليات لحماس في المدرسة وقتل 20 من قواته. لم تعد ادعاءات الجيش الإسرائيلي محل اهتمام المنظمات الدولية. حيث أدانت فرانشيسكا ألبانيز، الممثلة الخاصة للأمم المتحدة، عملية الجيش الإسرائيلي بأقوى لهجة ممكنة واعتبرتها استمرارا “للإبادة الجماعية من مكان إلى آخر، ومن مدرسة إلى مدرسة، ومن مخيم إلى مخيم”.
وقالت ألبانزي باشمئزاز ويأس عن عدم قدرة منظمتها على إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية: “أتمنى أن يغفر الفلسطينيون عجزنا الجماعي عن حمايتهم”. ووفقا لها، فإن الحرب في غزة تجاوزت الأعراف والحدود المعتادة.
ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن أنه سيرسل ممثله إلى القاهرة أو الدوحة في المستقبل القريب لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع حماس من أجل وضع اللمسات النهائية على اتفاق وقف إطلاق النار. لكن المجتمع الدولي مقتنع بأن الائتلاف اليميني المتطرف الذي يحكم إسرائيل غير مهتم بإنهاء الحرب، وما زال يرى أن بقاءه ومصالحه معرضة لخطر المزيد من إراقة الدماء. ولذلك أعربت مصر عن تشككها في النوايا الحقيقية لحكومة نتنياهو، كما طالبت قطر بإجراء تحقيق دولي لتوضيح أبعاد هجوم الجيش الإسرائيلي على مدرسة التابعين.
وعلى وقع هذا، فإن تقتيل الفلسطينيين في مدينة غزة قد يزيد الضغوط على حكومة نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار، لكن احتمال قيام حزب الله وإيران بعملية انتقامية ضد إسرائيل في ظل الأجواء الملتهبة التي تشهدها المنطقة يمكن استخدامها كذريعة لحكومة نتنياهو للتهرب من وقف إطلاق النار وتوسيع نطاق الحرب بشكل أكبر. في الواقع، مع كل خطوة جديدة في لعبة الشطرنج اللانهائية والمربكة في الشرق الأوسط، يبدو الأمر كما لو أن عقدة أخرى أضيفت إلى خيوط متشابكة.
في غضون ذلك، تنشغل الجمهورية الإسلامية بكيفية التعامل مع الأزمة الناجمة عن اغتيال إسماعيل هنية في طهران والحرب التي تسيطر على أجواء المنطقة، بالإضافة إلى إنشغالها في نقل السلطة من حكومة إلى أخرى. الخلافات وتضارب المصالح بين الأحزاب والجماعات المختلفة في إيران، من جهة، تفرض ضغوطا نفسية وإعلامية كبيرة على نوعية اختيار أعضاء الحكومة موجهة إلى مسعود بزشكيان والفريق المقرب منه، ومن ناحية أخرى، فإن كيفية الرد على اغتيال هنية قد استغرقت جزءاً كبيراً من وقت وطاقة رئيس البلاد وزملائه. وفي ظل غياب خطة وأجندة توافقية للتعامل مع كافة أنواع المشاكل والمعضلات الداخلية والإقليمية، فإن كل شخص أو جماعة أو فصيل يعتبر وجهة نظره هي العلاج الوحيد للأمراض الموجودة، ومن بينهم أولئك الذين لديهم أدوات أكثر وأقوى من السلطة والنفوذ يتصرفون بتطرف أكبر من أجل فرض مصالحهم ووجهات نظرهم على الحكومة.
في السنوات الأخيرة، لم يكن هناك مثل هذا المستوى من تضارب المشاكل وغزوها المتزامن، إلى جانب تقييد الإدلاء بوجهات النظر بشكل واضح وصريح والأكثر حساسية. لكن لا شك أن حل العقدة المتشابكة في المنطقة يتطلب إيجاد الخيط في وقف إطلاق النار في حرب غزة. فإذا تم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، فإن شدة الالتهاب سوف تهدأ وحينها يمكن للمرء أن يفكر ويتخذ الخطوات ويضبط أعصابه ويفكر بحكمة وبتعقل. لكن في حال لم ترد أنباء عن وقف إطلاق النار، فإن الكوارث على المنطقة ستتوالى واحدة تلوا الأخرى.
أحمد زيد آبادي
صحفي وكاتب في صحيفة هم ميهن