“عُوفوها” حملة مجتمعية لمواجهة المخدرات في العراق
شهد العراق في السنوات الأخيرة زيادة مقلقة في انتشار المخدرات على صعيدي الاتجار والتعاطي، ما أثار خوف المجتمع الذي يعتبر المخدرات ظاهرة دخيلة على قيمه وتقاليده.
ميدل ايست نيوز: شهد العراق في السنوات الأخيرة زيادة مقلقة في انتشار المخدرات على صعيدي الاتجار والتعاطي، ما أثار خوف المجتمع الذي يعتبر المخدرات ظاهرة دخيلة على قيمه وتقاليده.
وكشفت المديرية العامة لشؤون المخدرات في وزارة الداخلية العراقية، في إحصاء نشرته عن المخدرات، اعتقال نحو 10 آلاف متهم بارتكاب جرائم تتعلّق بالمخدرات منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية أغسطس/ آب الماضي، وصدور أحكام قضائية في حق نحو 5500 منهم منذ مطلع العام الحالي من بينها 140 بالإعدام و500 بالسجن المؤبد. وأوضح الإحصاء أن السلطات الأمنية فككت شبكات دولية متخصصة بتهريب المخدرات.
ومع تصاعد أرقام الاتجار بالممنوعات وتعاطيها، زاد الرفض المجتمعي من خلال تحركات ونشاطات تهدف إلى التوعية بالمخاطر، وأطلق ناشطون في محافظة الأنبار حملة “عوفوها” (اتركوها) التي تدعو إلى تجنّب المخدرات والتخلي عنها.
يقول قيس صابر الدليمي، المتحدث باسم حملة “عوفوها”: “أطلق الحملة شبان ينتمون إلى فريق شباب الإنسانية التطوعي في منطقة البغدادي غربي الأنبار بسبب الخطر الذي لاحظوه على الحياة المجتمعية لغالبية العائلات من المخدرات وويلاتها”.
ويوضح أن “برنامج حملة عوفوها يهدف الى توعية الشبان بخطر المخدرات، وهي تنفذ نشاطات كثيرة في هذا الشأن من بينها ندوات ومؤتمرات في محافظة الأنبار التي تعد أكبر المحافظات على صعيد المساحة، لكنها تتطلع إلى نشر مبادرات في مختلف المحافظات لتدارك مخاطر انتشار المخدرات على المجتمع”.
وتلقى الحملة دعماً من جهات عدة في الأنبار خصوصاً من الحكومة المحلية والأجهزة الأمنية في الأنبار. ويقول الدليمي إن “الحملة حققت نتائج جيدة فاقت المتوقع، واستطاعت إنقاذ مئات من الشباب من الانجراف في المخدرات. وزاد تفاعل الناس ودعمها نجاح هذه الحملة”.
وتلقى حملة “عوفوها” تأييداً واسعاً من سكان محافظة الأنبار التي تُعرف بطابعها العشائري، وكانت من بين الأكثر تضرراً من تنظيم “داعش” بين عامي 2014 و2017، ما يجعل أبناءها يتمسكون بالحفاظ عليها ليس فقط من الإرهاب، بل من أي طارئ لا يمت بصلة إلى مجتمعهم، بحسب ما يقول الصحافي قاسم محمد علي الذي يعرب عن تقديره الكبير لمطلقي حملة “عوفوها”، ويشير إلى أهميتها في مواجهة ظاهرة انتشار المخدرات التي باتت تهدد المجتمع. ويقول: “أصبحت المخدرات مشكلة حقيقية في مدينتنا. نرى شباباً ينحرفون بسبب الإدمان، وهذا أمر لا يمكن أن نقبله، لذا تعتبر حملة عوفوها استجابة ضرورية لأنها لا تقتصر فقط على التحذير من المخدرات، بل تقدم توعية شاملة حول مخاطرها الصحية والاجتماعية، وتحث الشباب على الابتعاد عنها”.
ويشير إلى أن “الحملة تؤثر على الأسر من خلال توعيتها وتنبيهها كي تعي مخاطر المخدرات، خصوصاً أن نسبة عالية من سكان الأنبار من أسر ذات ثقافة بسيطة، ومن بينهم سكان القرى الذين تشغلهم أعمالهم في الزراعة وتربية الماشية عن معرفة ما يدور خارج إطار مجتمعهم البسيط”.
وبحسب بيان أصدرته وزارة الداخلية بلغ عدد مضبوطات المخدرات من مختلف الأنواع منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية يوليو/ تموز الماضي، نحو طنين و20 كيلوغراماً، ما يدل، بحسب طه العيساوي، أحد سكان مدينة الأنبار على “الانتشار الواسع لتجارة وتعاطي المخدرات في العراق، ويشير إلى أن كثيرين يرون أنها توفر ربحاً سريعاً يدفعهم إلى الانخراط في تجارتها”.
يضيف العيساوي: “تجارة المخدرات شائعة بين الشبان، وظهرت في محافظة الأنبار تحديداً أنواع من الحبوب المخدرة صغيرة الحجم وخفيفة الوزن وسريعة الإدمان، وتوفر ربحاً جيداً لمن يتاجرون بها”.
يضيف: “حبوب الكريستال والكبتاغون أكثر المواد المخدرة انتشاراً وخطيرة جداً فمن يتعاطاها يدمن عليها بشكل سريع. ومن يروجون لها يستغلون فئة الشباب والمراهقين. وقد أظهرت حملة عوفوها الخطر الذي ينتظر المجتمع”.
وكانت المديرية العامة لشؤون المخدرات أعلنت في أغسطس/ آب الماضي أنها ضبطت 100 كيلوغرام من حبوب الكبتاغون المخدرة، وفككت شبكة خاصة بالاتجار بالمخدرات الدولية في الأنبار.
وتحدث شبان في محافظة الأنبار عن أهمية محاربة المخدرات والقضاء عليها للحفاظ على هوية المجتمع العشائرية وتقاليده العريقة. وهم أبدوا قلقهم من تأثير الآفة على الأجيال القادمة ونسيج المجتمع القائم على القيم العائلية والدينية.
يقول الطالب الجامعي عمر نايف: “لا تهدد المخدرات فقط صحة الفرد، بل أساسيات مجتمعنا القائم على الاحترام المتبادل والتقاليد العشائرية. نشأنا على قيم ترفع من شأن العائلة والقبيلة، ما يضع على عاتقنا مسؤولية حماية أنفسنا ومجتمعنا من أي شيء قد يهدد استقراره”.
ويشدد ماهر الزوبعي على أن “استمرار انتشار المخدرات بهذا الشكل سيتسبب في خسارة جيل كامل. نملك في الأنبار هويتنا الخاصة التي تمتد عقوداً طويلة، وهي ترتكز على احترام الذات والعمل الشريف. تتعارض المخدرات تماماً مع هذه المبادئ، ونحن مسؤولون بصفتنا شبابا عن الحفاظ على هذه الهوية لذا ندعم حملات مثل عوفوها للتوعية التي لا تكتفي بالتحذير من المخدرات، بل تدعونا نحن الشباب إلى تحمل مسؤولياتنا تجاه أنفسنا وأسرنا ومجتمعنا”.