من الصحافة الإيرانية: صعوبة المفاوضات والحاجة إلى مبادرات جديدة
إذا أصرّت طهران وواشنطن على مواقفهما بشأن تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية دون تقديم أي مرونة، فإن المفاوضات ستفشل، وقد تدخل المنطقة في مرحلة من التصعيد غير المسبوق وربما مواجهة شاملة.

ميدل ايست نيوز: وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية الجولة الرابعة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في مسقط بأنها كانت “صعبة” و”مفيدة”. واعتبر وصفه للمفاوضات بـ”المفيدة” تعبيرًا دبلوماسيًا يُقصد به الإشارة إلى فهم أفضل لمواقف الطرفين، دون الانجرار لاستخدام تعابير سلبية حادة. وبذلك، يتضح أن الجولة الرابعة شهدت نقاشات حساسة دون تحقيق تقدم ملموس سوى توضيح المواقف المتقابلة.
وقد أثارت تصريحات المسؤولين الأمريكيين، خصوصًا كبير المفاوضين ستيف ويتكوف، لبسًا في الأوساط الداخلية والدولية، إذ أبدى في البداية مواقف مبهمة توحي وكأن إدارة ترامب تعترف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم لأغراض غير عسكرية، مع التركيز فقط على آلية الرقابة.
لكن مع مرور الوقت، بدأ كبار مسؤولي إدارة ترامب، بمن فيهم ويتكوف نفسه، توضيح مواقفهم بشكل صارم، مصرّين على ضرورة تفكيك صناعة التخصيب بالكامل، وإغلاق منشآت أصفهان ونطنز وفوردو كجزء من أي اتفاق محتمل. في المقابل، أكدت إيران أن الحفاظ على برنامج التخصيب يمثل “خطًا أحمر” لا يمكن تجاوزه.
في ظل هذه المعطيات، كان من المتوقع أن تصطدم الجولة الرابعة من المفاوضات بـ”صخرة صلبة”، خلافًا للجولات الثلاث السابقة التي ترافقت بتقارير عن تقدم ولو نسبي.
لکن يبدو الأن أن كلا الطرفين بات يدرك نطاق مواقف الآخر وحدود مرونته. ومن المنتظر أن تُعلن سلطنة عمان، باعتبارها الدولة المضيفة، عن موعد الجولة الخامسة. ومن الواضح أنه إذا أصرّ الطرفان على مواقفهما بشأن تخصيب اليورانيوم داخل الأراضي الإيرانية دون تقديم أي مرونة، فإن المفاوضات ستفشل، وقد تدخل المنطقة في مرحلة من التصعيد غير المسبوق وربما مواجهة شاملة. ولتجنّب ذلك، يجب البحث عن مسارات جديدة وطرح مبادرات تخرج الحوار من حالة الجمود.
من بين هذه المبادرات، يُطرح تشكيل كونسورتيوم إقليمي أو دولي لمواصلة عمليات التخصيب داخل الأراضي الإيرانية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ويمكن أن يشمل ذلك تجميع منشآت التخصيب ونقلها إلى إحدى الجزر الإيرانية في الخليج، بمشاركة دول عربية وأطراف دولية أخرى، للوصول إلى صيغة ترضي جميع الأطراف وتُتيح إبرام اتفاق واقعي.
يتطلب هذا المقترح توفر إرادة سياسية لدى إيران والولايات المتحدة للخروج من دوامة العداء المتبادل، إضافة إلى رغبة لدى طهران ودول الخليج لبناء نظام من التعاون الشامل.
لكن على مستوى الخطاب الداخلي الإيراني، لا توجد مؤشرات واضحة على وجود استعداد لتحول في الرؤية بشأن خفض التوتر مع واشنطن. بل لا تزال الكثير من المنابر الرسمية تؤكد على ضرورة استمرار حالة العداء مع الولايات المتحدة كأمر ثابت وغير قابل للتغيير.
فإذا كانت طهران تسعى فعلًا لتجاوز هذه الأزمة بالطرق الدبلوماسية، فإن تحقيق ذلك لن يكون ممكنًا من خلال القوى التي تبني هويتها السياسية على الاستمرار في المواجهة الشاملة مع أمريكا. الواقع يشير إلى أن الشرق الأوسط شهد تغيرات عميقة منذ عملية 7 أكتوبر التي نفذتها حماس ضد إسرائيل.
توازنات إقليمية جديدة تفرض وقائع مغايرة
لم تعد موازين القوى كما كانت. ووفقًا للتقارير، فإن ترامب يعتزم خلال زيارته المقبلة للسعودية تثبيت هذه التوازنات الجديدة، حيث من المتوقع أن يعقد اجتماعًا مشتركًا يضم قادة السعودية ولبنان وسوريا والسلطة الفلسطينية، وهو اجتماع غير مسبوق ويُظهر مدى التغيّر في المشهد الإقليمي.
العنصر الإيجابي الوحيد بالنسبة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه التغيرات هو العزلة النسبية التي يواجهها بنيامين نتنياهو، نتيجة قلق الدول العربية من سياسات حكومته المتطرفة، ما يدفعها للتفكير في تحسين علاقاتها مع طهران.
لطالما شكّل نتنياهو تهديدًا وفرصة في آنٍ واحد للجمهورية الإسلامية؛ التهديد من خلال مساعيه المستمرة لدفع الأمور نحو مواجهة بين إيران والولايات المتحدة، والفرصة من خلال عرقلة التقارب بين إسرائيل والعالم العربي بهدف عزل إيران.
وتُظهر المؤشرات أن عمر حكومة نتنياهو يقترب من نهايته، فمن المرجح أن يُضطر قريبًا إلى حل الكنيست والدعوة لانتخابات مبكرة. ومع سقوط حكومته، فإن الجانب التهديدي من سياسته ضد إيران سيستمر مع أي حكومة جديدة، لكن الفرصة – أي فشل مساعي التحالف العربي-الإسرائيلي – قد تتلاشى، ما يجعل الآفاق الإقليمية مختلفة تمامًا عما يتم تصويره في الداخل الإيراني.
لذلك، من الضروري أن تُطرح على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة مبادرات جديدة وواقعية تساعد في كسر الجمود. إذ لا يمكن الوصول إلى اتفاق بعقلية تقليدية ومقولات جاهزة.
أحمد زید آبادي
صحفي ومحلل في الشؤون السياسية
أقرأ أكثر
من الصحافة الإيرانية: هل تصل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة إلى طريق مسدود؟