من الصحافة الإيرانية: على طهران إعادة النظر في سياستها الإقليمية المكلفة مالياً

قال المدير العام السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية إنه لو لم يكن هناك دعم عسكري من إيران وروسيا في عام 2011، لما كان للحكومة السورية القدرة على الاستمرار.

ميدل ايست نيوز: بما أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جانب الحكومة الروسية كانت من أبرز الداعمين لحكومة بشار الأسد خلال العقود الماضية، وقدمت دعمًا ماليًا وعسكريًا كبيرًا لاستمرار حكمه بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011 وخاصة بعد ظهور داعش في سوريا عام 2013، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن في الرأي العام هو: لماذا لم يتوجه حلفاء الأسد هذه المرة لمساعدته ويمنعوا سقوط حكومته؟

الحكومة السورية السابقة لم تستفد من فرصة المصالحة مع المعارضين

محمد قاسم محب علي، المدير العام السابق لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية والخبير في السياسة الخارجية ومحلل شؤون المنطقة، أوضح في حديثه مع موقع “دیده‌ بان إيران” أن الحكومة السورية كانت تعاني من أزمات متنوعة لم تكن جديدة، مشيرًا إلى أن الحكومة كانت حكومة أقلية على الأكثرية، وكانت حكومة حزب واحد مشابهة للحكومات الشيوعية في فترة الحرب الباردة، حيث كان حزب البعث الحاكم ورؤساؤه في الغالب من الطائفة العلوية التي حكمت أغلبية المجتمع السوري السني.

وتابع هذا الخبير في السياسة الخارجية قائلًا: كانت الحكومة السورية السابقة حكومة عائلية موروثة تعاني من فساد عميق وكانت تعتبر حكومة غير متطورة. لو لم يكن هناك دعم عسكري من إيران وروسيا في عام 2011، لما كان للحكومة السورية القدرة على الاستمرار. بعد توقف الحرب الأهلية، كان من الضروري إيجاد حل للوضع السياسي غير المستقر في سوريا، لكن للأسف، لم يحاول المسؤولون في الحكومة السابقة وحلفاؤهم إيران وروسيا استخدام الفرصة للتفاوض مع المعارضين، بما في ذلك الأغلبية السنية أو الأكراد، للخروج من هذه الحالة.

وأشار محب علي إلى أنه من عام 2017 عندما انهار تنظيم داعش حتى عام 2024، كان هناك وقت لإجراء مفاوضات مع الجماعات المعارضة لتقديم تغييرات سياسية في سوريا بطريقة أفضل.

وأضاف: السلوك الجديد للمعارضين في العمليات العسكرية كان مختلفًا عن السابق، حيث تجنبوا إثارة الفزع العام، وغيروا زيهم وعلمهم وحتى أسماء جماعاتهم، كما حاولوا فرض سيطرتهم على المدن بأسلوب عسكري ومنظم دون ارتكاب مجازر كما في السابق.

لماذا لم تدعم إيران وروسيا حكومة الأسد هذه المرة؟

أجاب محب علي قائلاً: الوضع الحالي في إيران وروسيا يختلف تمامًا عن عام 2011. روسيا مشغولة بالحرب في أوكرانيا، وهي مسألة أكثر أهمية بالنسبة لها من سوريا، خاصة مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حيث لا تريد روسيا التورط أكثر في قضايا الشرق الأوسط، خصوصًا أن هناك تدخلات إسرائيلية وأمريكية في المنطقة. ربما تكون روسيا قد تعهدت لإسرائيل بعدم إرسال أي أسلحة عبر سوريا إلى لبنان بعد الآن.

وتابع: أما في العراق، فقد برزت أجواء تجعل الحكومة العراقية تمنع القوات الإيرانية أو الموالية لها من عبور أراضيها إلى سوريا، وبالتالي فإن إيران كانت غير قادرة على إرسال قواتها إلى سوريا عبر العراق في الحرب الأهلية الجديدة.

هل تراجع العمق الاستراتيجي لإيران في المنطقة؟

وفي رده على سؤال حول ما إذا كان يمكن القول إن “العمق الاستراتيجي” لإيران قد تراجع بعد الأحداث الأخيرة في لبنان وسوريا، قال محب علي: السياسات التي تتبعها إيران في منطقة الشرق الأوسط هي سياسات مكلفة، لكن هذا لا يعني أن لا يكون لنا حضور في المنطقة، بل يجب أن نخطط وفقًا لقدرتنا الاقتصادية والموارد الداخلية. إيران اليوم تعد قوة إقليمية متوسطة تحتاج إلى دعم اقتصادي قوي، ولكن للأسف، بسبب العقوبات التي فرضت على إيران نتيجة برنامجها النووي، أصبحت إيران اقتصاديًا ضعيفة ولا تملك نفس القدرات السابقة.

وختم محب علي قائلاً: أي سياسة، بما في ذلك في السياسة الخارجية، تحتاج إلى موارد مالية. وعندما يكون لدى دولة اقتصاد قوي، يمكنها تحمل هذه التكلفة، لكن يبدو أن السياسات الإقليمية لإيران لم تُبنى على أساس حسابات التكلفة – الفائدة، وينبغي علينا الآن إعادة النظر في هذه السياسات لتجنب تكاليف إضافية قد تؤثر على إيران قبل الوصول إلى تفاهم سياسي مع الأطراف الأخرى.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى