معركة الحلبوسي لإزاحة “الإخوان” من إدارة الوقف السني في العراق

سرّب مقربون من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي نصاً لمقترح قانون، يعدل قانون الوقف السني رقم 56، ويقطع العلاقة بين المجمع الفقهي ومنصب رئيس ديوان الوقف.

ميدل ايست نيوز: لاتبدو معركة من طراز مألوف، فـ”الصراع” على إدارة الوقف السني يتجاوز هذه المرة الخلاف على الشخصيات المرشحة أو تبعياتهم، ويتعدى إلى ماهو أبعد حيث يُظهر طرف سياسي سني بارز ميلاً إلى تغيير قواعد اللعبة بشكل جذري، وتطبيق تجربة “استئصالية” ضد قوى دينية كانت -وبعضها ماتزال- تتمتع بنفوذ ملحوظ في أوساط المكوّن.  

بدأت الجولة الأولى من الصراع، مع تسرب أنباء عن عزم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إجراء عدة تغييرات في المناصب العليا.  

وبالنسبة لمنصب رئيس ديوان الوقف السني، فقد جرت العادة على أن يكون اختيار رئيس ديوان الوقف من حق “المجمع الفقهي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء”، وهو ما تنص عليه المادة الرابعة/ثانياً من قانون ديوان الوقف السني رقم 56 لسنة 2012 التي جاء في متنها “يكون رئيس الديـوان بدرجة وزير ويعين باقتراح من مجلس الوزراء بعد موافقة المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والافتاء”.  

ويتخذ “المجمع الفقهي” من جامع “الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان” في منطقة الأعظمية ببغداد مقراً له، ويعرّف نفسه بأنه “مرجعية شرعية مستقلة لأهل السنة والجماعة، غير حكومية، ولا تحتاج إلى تشريع أي قانون لتشكيلها”، ومن الجزء الأخير في التعريف يبدأ الجدل.  

واتضحت معالم المواجهة، حين قدم المجمع الفقهي 3 مرشحين إلى الكاظمي لشغل منصب رئيس ديوان الوقف السني، من بينهم صلاح الدين فليح حسن طه، صهر كبير علماء المجمع أحمد حسن الطه وابن شقيقه.  

لكن صلاح الدين انسحب لاحقاً من السباق بسبب تعرضه لـ”حملة إعلامية رخيصة” وفق تعبيره.   

ولم تمض ساعات على تقديم مرشحي المجمع حتى سرّب مقربون من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي نصاً لمقترح قانون، يعدل قانون الوقف السني رقم 56، ويقطع العلاقة بين المجمع الفقهي ومنصب رئيس ديوان الوقف.  

ويقول قيادي في تحالف القوى بزعامة محمد الحلبوسي إن القضية ستذهب إلى أبعد بكثير من مجرد خلاف حول منصب، بل ستمتد إلى تغيير مجتمعي يقصي رجال الدين من التدخل في الشؤون غير الدينية للمجتمع في المحافظات المحررة، وهو بذلك يعتبر إدارة الوقف السني شأناً غير ديني.  

وحاور “ناس” النائب عبدالله الخربيط، وهو قيادي مقرب من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وقد أجاب عن أنباء وقوف مقربين من الحلبوسي خلف مقترح تعديل قانون الوقف السني بالقول “أنا لا أؤكد هذه المعلومة فحسب، بل أقول إن هذه معركتنا، معركتي شخصياً”.  

وعن “معركته” يتحدث الخربيط دون تحفظ، يبدأ بالقول “جماعة الاخوان المسلمين تمثل تنظيماً دولياً تحوم حوله حتى شبهات الارتباط بالماسونية، هذه جماعة خطيرة قادتنا إلى المهالك، ولن يُسمح لها بالاستمرار في السيطرة على أي من مقدرات أبناء محافظاتنا على الأقل”.  

“ناس”: ولكن المكون الشيعي مثلاً، لديه طريقة في حسم هذا الإشكال كما تقول أوساط نواب المكون، وذلك باستمزاج رأي المراجع الكبار وتوافق مكاتبهم على تقديم مرشح للوقف الشيعي.. يُصار إلى تمريره برلمانياً دون جلبة، لماذا لا تُطبق هذه الآلية في اختيار رئيس الوقف السني عن طريق التوافق بين “المرجعيات السنية الرئيسية” الثمانية او التسعة التي وردت في نص المقترح؟!  

“نحترم جميع المكونات والطرق التاريخية التي سارت عليها الأمور، لكن هناك فرقاً بين المكونين لابد من فهمه، يؤمن اشقاؤنا ومواطنونا في المكون الشيعي بمبدأ التقليد، ولذلك هناك نظام قديم ومعتمد تسير من خلاله الأمور، أما المكون السني، فهو لا يؤمن بالتقليد، القضية مختلفة تماماً، علاقة المواطن في المكون السني برجل الدين كانت مرتبطة بحاجة هذا المواطن لسؤال رجل دين من “الحفاظ” عن رأي الشرع في المسائل الفقهية، ومهمة رجل الدين هي نقل رأي الأئمة ابو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد في تلك المسألة، أما اليوم، فجميع فتاوى الأئمة الأربعة وغيرهم موجودة في محرك البحث “كوكل”، يمكننا الحصول عليها مجاناً.  

وبالتالي، حين تتم مطالبتنا باستنساخ التجربة الشيعية، القياس غير مستقيم، مراجع الشيعة يعبرون بشكل أو بآخر عن مقلديهم، لأنهم على علاقة مستمرة بهم، أما هذه الجهات التي تدّعي تمثيل “أهل السنة والجماعة في العراق” فهي جميعها لا تكاد تمثل أحداً، هذه مجموعات تم تأسيسها على طريقة منظمات المجتمع المدني، وهي بلا تمثيل حقيقي في المجتمع السني، وهذا يعني أنه من غير الممكن تسليمها مقاليد منصب مثل الوقف السني يضم ما يضم من أموال وثروات متبرعين تقدر بمليارات الدولارات!”.  

“ناس”: ألا يؤسس قانونكم المقترح لسابقة غير معهودة حين يقسم النواب وفق طوائفهم، ويمنح حق التصويت للنائب حسب مذهبه، حيث جاء في نصه “يعين رئيس الديوان باقتراح نصف نواب المكون السني زائد واحد” هل يُعد أمراً دستورياً أن يتم توثيق مذهب النائب قبل السماح له بالتصويت؟ وهل تعتقد أن هذه فكرة جيدة على مستوى وحدة البلاد؟   

“ابداً، ليس هذا المقصود والنسخ المتداولة هي مسودات، وسيُمكن التعديل عليها في أي وقت، لكن الفكرة الرئيسية واضحة، لا مزيد من الاخوان المسلمين، ولا مزيد من المليارات بيد مجموعة رجال دين لا يمثلون احداً،  وإذا كانت الصيغة الحالية تحتاج تعديلاً فسيكون ذلك، ربما بتشكيل لجنة للوقف السني تضم النواب السنة، ومعهم آخرون مختصون بطريقة أو بأخرى، هذه لن تكون قضية خطيرة، القصة الرئيسية هي نقل هذا المنصب وملياراته من يد مجموعة غير منتخبة، إلى خيارات الممثلين المنتخبين عن الشعب، وهي ليست جريمة، وبالنسبة لمن يعتقد أن هذه الطريقة تمثل سابقة قانونية خطيرة، أنا أسأل، كيف سُمِح أن يتضمن قانون عراقي هو قانون الوقف السني سابقة أكثر خطورة، حين منح حق اختيار رئيس ديوان عراقي هو الوقف السني بيد مجموعة رجال دين غالبيتهم يدينون بالولاء لدول أخرى غير العراق!؟”.  

“ناس”: لكن ماهي المشكلة في أن يتم انتخاب رئيس الوقف في البرلمان كما ينتخب أي مسؤول آخر بمشاركة النواب من جميع المكونات، خاصة وأن تمرير المسؤولين يجري غالباً وفق “تفاهمات” خارج البرلمان تكتسب الشرعية بالتصويت؟  

“هذه في الحقيقة لعبة أرقام وولاءات، التنظيمات الاخوانية التي تتبع المرشد ستبقى تنسق مع أشباهها من تنظيمات المكون الآخر التي تتبع مرشدها، ثم نكتشف أن أمر تعيين رئيس ديوان الوقف السني يصدر من إيران!، نحن نعتقد ان تنظيم الاخوان منظمة دولية مخابراتية ولن نسمح لها بالمزيد من التسلط على أبناء المكون ومقدراته، نحن كنواب عن هذا المكون لم ولن يُسمح لنا بتاتاً بالتدخل في شأن اختيار رئيس ديوان الوقف الشيعي، ونحن نتفهم طبيعة التحديات، وما نحاول فعله هو ليس اقصاء شركائنا في الوطن، بل تحرير مقدرات هذا المكون الذي تم سحقه، من قبضة رجال الدين الذين ساهموا بكل هذا الدمار الذي جرى في مدننا، إذا كان أشقاؤنا من المكونات الأخرى يريدون خوض تجربة مماثلة في تحرير مقدراتهم ونقلها إلى الجهات المنتخبة، فهذا شأنهم، وأعتقد أنه التطور الطبيعي للمجتمعات في أوروبا واميركا وغيرهما، أما إذا كانت هذه القضية لا تشغل بال المكون الآخر، فنحن نقول لجميع شركائنا وبصراحة، إننا لن نسمح بتكرار مأساة “بزيبز” مرة أخرى، ولابد أن يدفع رجال الدين الذين تسببوا بدمار مدننا ثمن ما اقترفوه، وهذه المعركة تبدأ من انتزاع المليارات من أيديهم، وتحويلها لصالح خدمة المجتمع الذي أوقف من أجله المتبرعون أموالهم، وذلك عن طريق تحويل إدارة هذا الوقف إلى جهة منتخبة هي البرلمان”.  

“ناس”: كيف يمكن أن تمضي “سُنّة” من هذا النوع إذا تطور تقسيم المناصب إلى حصص مكوناتية ثابتة، كأن يقوم كل مكون بالتصويت على اختيار مناصبه بمعزل عن الآخرين، ماذا لو تم تطبيق هذه الفكرة في المناصب العليا الأخرى وتم اخراجكم من التصويت على رئاستي الوزراء والجمهورية مثلاً؟  

ابداً، ليس لدينا خشية من هذا النوع، هذي قضية تتعلق فقط وفقط بديوان الوقف السني، لأن هناك خللاً في فهم طبيعة هذا الديوان، هذه جهة تتولى إدارة أموال موقوفة، بإمكانك اعتبارها هيئة لإدارة تبرعات الجوامع!، ليس أكثر من ذلك ولا أقل، وهذا شأن اقتصادي بحت، وإنك لا تحتاج علّامة في الدين لتحسن إدارة الأموال، لو سألتني مَن هو الشخص المناسب لإدارة الوقف السني، سأقول لك ربما شخص مثل وزير المالية علي عبدالأمير علاوي!، لا تحتاج معمماً لتدير عملية اقتصادية استثمارية من هذا النوع، تحتاج خبيراً نزيهاً خاضعاً للرقابة والشفافية فحسب، ولذا فإن ما نحاول تمريره لا يستفز حتى شركاءنا في الوطن لأن غالبيتهم يعرف حقيقة ما يجري خلف الكواليس ويقدّر ويتفهم دوافع حراكنا”.  

“ناس”: ألا تبدو هذه محاولة من تحالف الحلبوسي للاستحواذ على مزيد من المناصب؟  

هذا اتهام ليس لديه ما يدعمه، نريد تحرير منصب وأموال ديوان الوقف من سلطة رجال الدين الذين لم ينتخبهم احد، ولا نقترح ان يتم نقل هذه الخزائن المليارية إلى إدارتنا، بل إلى أن يختار النواب المنتخبون رئيساً لهذا الوقف، هذا مشروع ليس من اجل هذه الدورة ولا من اجل هذه الحقبة فقط، بل ستُرى نتائجه في الأجيال المقبلة حين ستتحرر هذه الأموال الضخمة ويتم انتزاعها من ايدي اشخاص لا يعرف احد كيف يصلون الى مناصبهم، وتصل الى شخص ينتخب انتخاباً ويُراقب ويخضع للقوانين .

هذه اموال اوقاف ومتبرعين وليست املاك طابو لعوائل دينية هنا او هناك”.  

“ناس”: على فرض مرور هذا المقترح، كيف تتوقع أن تسير الأمور في المستقبل؟  

لا اقول إن الفساد سينتهي بمجرد أن يتم انتخاب رئيس الوقف بشكل أصولي، بل على الأغلب سيستمر، وحينها ستكون هناك حركة تصحيح ثانية، أتوقع انه سيُصار الى نقل جميع أموال الأوقاف إلى البنك المركزي، ليقوم باستثمارها وزيادتها وتنميتها وصرفها ضمن الأوجه التي أراد المتبرعون ان تذهب إليها، إذا كان المتبرع (سنياً) أو يريد أن تنفق أمواله على محافظات (سنية) فهذا أيضاً ممكن لكن عن طريق القانون ومؤسسات الدولة، وليس عن طريق تسليم كل هذه المليارات الى مجموعة رجال دين.. لكن هذا المسار مازال في بدايته، والمرحلة الحالية الأولى تتلخص في انتزاع الديوان من سطوة مجاميع رجال الدين”.  

ويبدو واضحاً أن “الحملة” التي تقودها أوساط مقربة من رئيس البرلمان تركز في حراكها على نقطتين، الأولى هي اتهام القائمين على الوقف السني بالعلاقة مع تنظيم الإخوان الدولي، مع ما تعنيه هذه التهمة من استفزاز لبعض الأوساط الوطنية والإقليمية، والثانية هي الطعن في تمثيل المجمع الفقهي للمكون السني، وبالتالي سحب حقه في اختيار رئيس ديوان الوقف.  

ورداً على “الحملة”، نقلت صفحات تواصل اجتماعي استبياناً منسوباً إلى المجمع يسأل فيه المواطنين عن مدى تمثيله لهم، لكن المجمع عاد ونفى اصدار استبيان من هذا النوع، مؤكداً أن “تحديد مرجعية أهل العلم ليست من اختصاص عامة الناس، بل يقدرها ويختارها أهل العلم الربانيون” كما أورد عدداً من الشهادات والوثائق التي أصدرها أئمة مساجد وجماعات دينية تشهد لصالح المجمع.  

ولا تظهر إلى السطح حقيقة الأوزان في المعركة الجارية بين الطرفين، إلا أن المجمع أصدر بياناً نفى فيه وجود خلافات داخل أروقته على قضية ترؤس الديوان، وهو توضيح صدر رداً على أنباء تحدثت عن انشقاقات داخل المجمع، يمثل أحدها تيار يدفع لترشيح رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري لرئاسة الوقف.  

ولم يتمكن”ناس” من التواصل مع الجبوري خلال عدة أيام، إلا أنه كان قد أظهر موقفاً رافضاً لتعديل قانون الوقف الذي تروجه أوساط الحلبوسي.  

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ناس نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى