رغم تأكيدها خطورة حادث نطنز.. لماذا تركت إيران باب التخمينات مشرعا؟

رغم اعتراف المسؤولين الإيرانيين بخطورة حادث نطنز فإنهم تحفظوا على الكشف عن تفاصيل الحادث ومن يقف وراءه.

میدل ایست نیوز: عادت منشآت نطنز النووية التي تعتبر أشهر المنشآت الإيرانية إعلاميا إلى الواجهة مرة أخرى بسبب حريق كبير اندلع فيها، أدى إلى تخريب أحد الصالات الضخمة لتجميع وضبط أجهزة الطرد المركزي الحديثة. ورغم اعتراف المسؤولين الإيرانيين بخطورة الحادث فإنهم تحفظوا على الكشف عن تفاصيل الحادث ومن يقف وراءه.

أجهزة الطرد المركزي التي تضررت في الحادث تصنف ضمن الجيل التاسع من أجهزة الطرد المركزي، ولديها قدرة على تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد 50% في سرعتها عن الأجيال الأولى. وبالتالي كانت تعطي إمكانية لإيران كي تزيد من سرعة تخصيب اليورانيوم بنسبة تمكنها من الوصول إلى وضعها قبل الاتفاق النووي خلال أسابيع قليلة.

وحسب بعض الخبراء المتخصصين، فقد أدى هذا الحادث إلى خفض قدرة إيران على تسريع تخصيب اليورانيوم لمدة تصل إلى حوالي ٣ أشهر على الأقل.

أهمية منشآت نطنز


وكسبت منشآت “الشهيد أحمدي روشن” المعروفة بمنشآت نطنز النووية شهرتها بعد أن قام عناصر من منظمة مجاهدي خلق المعارضة بتزويد الأميركيين والإسرائيليين والأوروبيين، في تسعينيات القرن الماضي، بمعلومات عن وجود مكان سري لتخصيب اليورانيوم في منطقة نطنز في محافظة أصفهان، حيث لم تكشف إيران عنه لمنظمة الطاقة الذرية بشكل رسمي، وهو ما أثار الجدل الدولي على البرنامج النووي الإيراني، الذي لم ينته حتى يومنا هذا، واستغلت واشنطن هذه المعلومات في فرض عقوبات دولية على إيران.

وحاول أعداء إيران وقف عمل هذه المنشآت، التي كانت قد بنيت محمية بجبال زاغرس الشاهقة من الغرب والجنوب والشمال وجبال من الرمال تخفيها من الشرق بشتى الطرق، وكانت الترويكا الاوروبية (بريطانيا وفرنسا والمانيا) تطالب، في مفاوضاتها مع إيران عام 2003، بوقف عمل هذه المنشآت بشكل كامل.

وبسبب التهديدات التي واجهت هذه المنشآت، نقلت إيران المنشآت تحت الأرض على عمق 40 مترا، محمية بسقف إسمنتي مسلح يقدر بحوالي ٩ أمتار وترسانة من جبال الحصى والرمال فوقها لمنع استهدافها من الأعداء.

إقفال المنشآت بالشمع الأحمر

وبعد اتفاق إيران مع الترويكا الأوروبية نهاية عام 2004 قامت إيران بإغلاق هذه المنشآت بشكل كامل بالشمع الأحمر تحت إشراف المنظمة الدولية للطاقة الذرية، ولكن تنصل الدول الأوروبية (بضغط من الولايات المتحدة) من تنفيذ تعهداتها لإيران أدى إلى كسر الشمع الأحمر من قبل الرئيس الأسبق محمد خاتمي والأمين العام لمجلس الأمن القومي حينها حسن روحاني (الذي وقع على الاتفاق مع الدول الأوروبية) وإعادتها للعمل مجددا.

وقام خاتمي بهذه الخطوة قبل حوالي شهرين من انتهاء رئاسته الثانية، كي لا يعطي امتياز كسر الشمع الأحمر للرئيس الذي يخلفه، والذي كان محمود أحمدي نجاد.

وقام أحمدي نجاد بصرف ميزانية غير محدودة للبرنامج النووي وتطويره، وتم تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 20%، واستطاعت إيران الحصول على تكنولوجيا صناعة أنواع أجهزة الطرد المركزي من الأجيال الجديدة وتصنيعها داخليا.

ليس الهجوم الأول

تعرضت منشآت نطنز النووية إلى هجومين، كان الأول عبر زرع فيروس في أجهزة الطرد المركزي لهذه المنشآت عرف بفيروس “ستاكس نت” كان بإمكانه زيادة سرعة عمل هذه الأجهزة حتى تقوم بتدمير نفسها بنفسها، واستفاد أعداء إيران من قطعات إلكترونية كانت شركة سيمنز الألمانية قد أمنتها لإيران، وتم استخدامها في صناعة أجهزة تنظيم سرعة أجهزة الطرد المركزي هذه لزرع الفيروس.

وأدى الهجوم إلى تعطل أجهزة الطرد المركزي في نطنز، لكن تمكن الفنيون في المنشآت من استبدال القطع الألمانية بقطع محلية الصنع. وكانت أصابع الاتهام الإيرانية تشير حينها إلى ضلوع إسرائيل والولايات المتحدة في هذا الهجوم.

وكان الهجوم الثاني يوم الخميس الماضي 2 يوليو/تموز عام 2020. ورغم أن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي قلل من أهمية الهجوم الذي واجهته نطنز، واعتبره في البداية حريقا بسيطا شب في أحد المباني وتم السيطرة عليه، إلا أنه في اليوم التالي أدلى المتحدث باسم المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كيوان خسروي بتصريح أشار فيه إلى أن حادث نطنز لم يكن حادثا عابرا، بل كان هجوما، دون تحديد نوعه لاعتبارات أمنية، حسب تصريحه.

وسبق حادث نطنز بأسبوع وقوع حريق في إحدى المنشآت العسكرية في منطقة “خجير” بالقرب من منشآت “بارشين” شرق مدينة طهران.

واللافت أن منشآت “بارشين” العسكرية كانت محط خلافات كبيرة بين إيران ودول “٥+١” بسبب إصرار منظمة الطاقة الذرية الدولية على الدخول لهذه المنشآت، والتحقيق فيما إذا كانت تحوي أي فعاليات نووية، ورفض الجانب الإيراني للتفتيش، لأنها منشآت عسكرية لصناعة الصواريخ، وليس هناك ما يلزم إيران بالسماح لمنظمة الطاقة الذرية الدولية بتفتيش المنشآت العسكرية.

وبعد تصريحات خسروي صرح كمالوندي بأن هذه المنشآت واجهت أضرارا كبيرة، وأشار إلى أن هناك هجوما ما وقع في هذه المنشآت.

التكهنات حول ماهية الحادث

كان الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، المقرب من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، قد ذكر أن طائرات إسرائيلية من نوع إف 16 هاجمت منشآت نطنز النووية، وتزودت بالوقود في إحدى الدول العربية الخليجية، في إشارة غير مباشرة للمملكة العربية السعودية.

وكانت صحيفة الجريدة الكويتية نشرت أن طائرات إسرائيلية من نوع إف 35 قد قامت بالهجوم على منشآت بارشين دون الحاجة للتزود بالوقود، وأن الهجوم على منشآت نطنز كان هجوما إلكترونيا. كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن التفجير في نطنز نتج عن زرع عبوة ناسفة في المنشأة.

وتوالت الاستنتاجات والتحليلات من قبل المؤسسات الإعلامية المختلفة، بشكل أو بآخر، ولكن حتى ساعة كتابة هذا التقرير لم يتم تأكيد أو نفي أي من هذه التحليلات.

مشاهدات وشهود عيان

وبما أن قرية زوجتي هي خلف الجبال التي تحيط بمنشآت نطنز النووية وبالمصادفة كانت لدينا بعض الأعمال الإدارية في بلدة نطنز، فإننا توجهنا يوم الخميس (صباح يوم الحادث) إلى مدينة نطنز قبل انتشار خبر الحادث، وفي الطريق سمعت بالحادث، وسألت كل من التقيته في طريقي عما شاهده قبل وبعد الحادث، أكد الجميع دون استثناء أنهم لم يروا أي طائرة تقترب أو صاروخ يسقط في المنشأة.

وحسب ما أكده لي بعض الخبراء العسكريين، فإن الحريق الذي التهم صالة ضخمة جدا تصل مساحتها إلى عدة آلاف من الأمتار المربعة، يحتاج إلى قصف بقنابل أو صواريخ كبيرة تزيد قدرتها التفجيرية على ٥٠٠ كيلوغرام من المتفجرات شديدة الانفجار.

وبما أن هذه المنشآت ليست متصلة كليا بالإنترنت، حتى يمكن مهاجمتها إلكترونيا، فإن التحليل الوحيد هو وجود نوع من النفوذ أو الخلل في داخل المنشآت، في مكان ما ممكن أن يؤدي إلى حصول هكذا تفجير أو حريق فقط.

وبالطبع فإن هذه الصالة كانت مخصصة لتجميع وضبط أجهزة الطرد المركزي الحديثة قبل تركيبها، وهذه الأجهزة فيها مواد قابلة للاشتعال، ويمكن استهدافها بالتخريب إذا قصد أحد ذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض وسائل الإعلام أعلنت معلومة خاطئة أن هذا المكان مخصص لتصنيع أجهزة الطرد المركزي من الجيل الجديد، في حين أنها تصنع في مكان آخر، ويتم تجميعها وضبطها فقط في هذه المنشأة.

دول متهمة

التصريحات الإيرانية توجه أصابع الاتهام لإسرائيل، ولكن هذا لا يعني أن دولا أخرى ليست ضالعة في الحادث، فإسرائيل لها سوابق في عمليات من هذا النوع، رغم نفيها أو عدم تأكيدها القيام بتلك الهجمات.

كما لا يمكن إسقاط احتمال ضلوع الولايات المتحدة في الحادث، لأنها تقوم بعمليات عدائية وتحريضية متواصلة ضد إيران، مثل اغتيال الفريق قاسم سليماني في العراق.

وبما أن هذا الحادث جاء بالتزامن مع تهديدات أطلقها براين هوك، المسؤول عن الملف الإيراني في وزارة الخارجية الأميركية، بالقيام بعمل عسكري ضد إيران، فإن العديد من الشكوك تتجه نحو الولايات المتحدة أيضا.

من جهة أخرى، إذا كان العمل عبر عميل وجاسوس فمن المرجح أن يكون على صلة بمنظمة مجاهدي خلق، وهي حاليا مدعومة من المملكة العربية السعودية، حيث يرى بعض المحللين في إيران أن هكذا عملية يمكن أن تكون ردا من السعودية على هجمات الحوثيين على منشآت أرامكو السعودية.

وربما كانت إشارة الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين في تغريدته، بتزود الطائرات الإسرائيلية بالوقود في دولة عربية خليجية، هي إشارة إلى وجود تعاون أمني بين إسرائيل والسعودية في هذا المجال.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الجزیرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى