ثلاث حجج أوروبية لرفض آلية «سناب باك»

امتنع الدول الأوروبية الثلاث عن التصويت على مشروع القرار الذي قدمته واشنطن لتمديد العمل بالحظر المفروض على إيران للحصول «أو توريد» السلاح التقليدي.

ميدل ايست نيوز: رغم دبلوماسية العبارات التي استخدمها وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا في بيانهم المشترك، أول من أمس، رداً على تقديم نظيرهم الأميركي باليد رسالة رسمية إلى الرئيس الحالي لمجلس الأمن الدولي، تمهيداً لتفعيل ما يسمى آلية «سناب باك» لإعادة فرض العقوبات الدولية على إيران بشكل أحادي، فإنها جاءت حاسمة قاطعة.

بداية، تتعين الإشارة إلى المهلة الزمنية القصيرة التي فصلت بين المبادرتين، ما يعني عملياً أن باريس وبرلين ولندن قامت بتحضير الرد على المبادرة الأميركية قبل حصولها بأيام.

وحسب مصادر دبلوماسية في باريس، فإن ذلك يؤشر إلى أن المفاوضات التي جرت بين الطرفين على ضفتي الأطلسي للتوصل إلى موقف مشترك كانت قد باءت بالفشل. وبرز ذلك في امتناع الدول الأوروبية الثلاث عن التصويت على مشروع القرار الذي قدمته واشنطن يوم 14 من الشهر الحالي لتمديد العمل بالحظر المفروض على إيران للحصول «أو توريد» السلاح التقليدي الذي ينتهي العمل به في 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

ويتضمن البيان المشترك المطول (419 كلمة في صيغته الفرنسية) الحجج الرئيسية التي دفعت الأوروبيين الثلاثة لعدم التصويت على المبادرة الأميركية، وأولاها أن واشنطن (أحد الأطراف الستة المشاركة في التوقيع على الاتفاق النووي صيف عام 2015) قد انسحبت منه في 8 مايو (أيار) من عام 2018، وبالتالي فإنها «فقدت صفة الطرف المشارك»، وبالتالي فقد فقدت «أهلية» تفعيل آلية «سناب باك».

وهذه النقطة بالذات موضع جدل قانوني على خلفية سياسية بين الجانبين، إذ إن فقهاء القانون الدولي في وزارة الخارجية الأميركية يؤكدون العكس، ويفصلون بين صفة الدولة «المشاركة» المنصوص عليها في القرار الدولي رقم (2231)، وهي بنظرهم دائمة، وبين الانسحاب من الاتفاق. ويضيف الطرف الأميركي أن منطوق الفقرة ذات الصلة لا تقول إن الانسحاب من الاتفاق يفقد صفة الطرف «المشارك». بالمقابل، يرى الجانب الأوروبي أن القراءة الأميركية «مغلوطة»، وأنها «تحمل النص أكثر مما يحتمل». ويفيد البيان أن الأوروبيين الثلاثة نقلوا موقفهم الرافض لرئيس مجلس الأمن وللأعضاء كافة.

وعند هذا الحد، يطرح الأوروبيون حجتهم الثانية، وهي أن سبب رفضهم للمبادرة الأميركية يعود لكونها «لا تتجانس» مع جهودهم الراهنة للمحافظة على «خطة العمل الشاملة»؛ أي الاتفاق النووي الذي ما فتئ الأوروبيون يدافعون عنه، رغم تخلي طهران عن كثير من بنوده إلى حد أنها أفرغته من محتواه. ويعود الثلاثة للتأكيد أنهم «ملتزمون بالاتفاق، رغم التحديات التي يطرحها انسحاب الولايات المتحدة منه». ومقابل استراتيجية «الضغط الأقصى» الأميركية، يطرح الأوروبيون بديلاً عنها، وهو «الحوار بين جميع المشاركين في إطار اللجنة المشتركة، وفي آلية فض النزاعات». وككل مرة، يدعو الأوروبيون إيران إلى «التراجع عن كل الأفعال التي تناقض التزاماتها النووية، والالتزام الفوري باحترامها».

وسبق للثلاثة أن عبروا عن هذا الموقف عشرات المرات. إلا أن طهران لم تأخذه أبداً بعين الاعتبار، بل إنها اتهمت الأوروبيين بالحنث بوعودهم تجاهها، وتحديداً تمكينها من الالتفاف على العقوبات الأميركية، وأن تواصل الاستفادة مما يوفره لها الاتفاق من منافع اقتصادية ومالية.

أما الحجة الأوروبية الثالثة، فعنوانها المحافظة على المسارات والمؤسسات التي تشكل أسس التعددية، وتحديداً المحافظة على وحدة وسلامة وهيبة مجلس الأمن الدولي. ويدعو البيان الولايات المتحدة، من غير أن يسميها، إلى «الامتناع عن أي عمل من شأنه تعميق الانقسامات» داخل المجلس، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس سلباً على أنشطته.

ورداً على اتهام واشنطن للأوروبيين بالسذاجة والتقاعس وانعدام الرؤية، فإن الثلاثة يذكرون بأنهم عبروا عن «قلقهم العميق»، في بيانهم الصادر بتاريخ 19 يونيو (حزيران) الماضي، لجهة النتائج المترتبة على رفع الحظر الدولي عن السلاح التقليدي لإيران على الأمن الإقليمي «نظراً لنشاطات إيران المزعزعة للاستقرار المتواصلة من غير توقف».

ويؤكد الأوروبيون أنهم «عازمون على العمل من أجل العثور على الردود المناسبة»، بالنسبة لهذه التحديات، وأنهم مستمرون في العمل مع أعضاء مجلس الأمن كافة والأطراف المعنية للعثور على حلول تحافظ على إمكانيات العمل الدبلوماسي، فيما الهدف الأسمى يبقى «صيانة سلطة ووحدة مجلس الأمن، والعمل لصالح الأمن والاستقرار الإقليميين».

ويبدو واضحا أن الأدبيات الأوروبية لا تقنع واشنطن. وقد جاء الرد عليها قاسياً، إذ اتهمهم مايك بومبيو، وزير الخارجية، أول من أمس، في نيويورك، بـ«الانحياز إلى جانب آيات الله» الإيرانيين، وأنهم «يفتقرون للشجاعة» لأنهم يقولون شيئاً في مجالسهم الخاصة، ويعملون بعكس ذلك علناً.

وتبدو خيبة واشنطن الكبرى من لندن، ومن رئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون الذي يعد المسؤول الأوروبي الأقرب لإدارة ترمب. ورغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتوتر الذي أصاب سابقاً علاقاتها بطهران، على خلفية احتجاز متبادل لسفن تجارية، فإن جونسون فضل الاصطفاف إلى جانب برلين وباريس، على الانضمام إلى واشنطن، مما يفاقم عزلة الأخيرة.

ما الذي سيحصل في الأسابيع المقبلة؟ تقول مصادر أوروبية في باريس إن المتوقع هو معركة قانونية – سياسية في مجلس الأمن، إذ إن الأوروبيين بعد بيانهم الأخير «لن يكونوا قادرين على التراجع». إلا أن نقطة الضعف في موقفهم أنهم لم يعثروا بعد على الوسيلة التي تمكنهم من تمديد العمل بحظر السلاح التقليدي على إيران، واحترام منطوق الاتفاق النووي.

وبالمقابل، فإنهم يعارضون الإجراءات الأميركية من غير أن يقترحوا بديلاً. يضاف إلى ذلك أنه في حال نجحت واشنطن في تنفيذ «سناب باك»، وهو المرجح، لأنها مصممة على ذلك، ولأن الوقت يداهمها، فسيكون الأوروبيون أمام حلين: إما احترام ما سيصدر عن مجلس الأمن، وإما التعرض لعقوبات أميركية، ما يعني أن كلا الحلين سيئ.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − ستة عشر =

زر الذهاب إلى الأعلى