سيناريوهات التفاوض النووي في عهد إبراهيم رئيسي

القول إن السياسة الخارجية الإيرانية لا تتغير بتغيير الحكومات كلام صائب، لكن تشوبه مغالطات، إذ يغفل البعض عنصر تأثير توجهات الحكومات الإيرانية بانتماءات سياسية مختلفة.

ميدل ايست نيوز: بعد ست جولات من التفاوض غير المباشر في فيينا بين طهران وواشنطن بواسطة أطراف الاتفاق النووي، ثمة تطورات ترسم صورة قاتمة لمستقبل هذه المحادثات، قبل أن تنطلق الجولة السابعة التي يفترض أن تكون خلال أيام، لكن لم يتحدد بعد موعد لها.

تؤكد الولايات المتحدة وأوروبا أن الكرة باتت في ملعب إيران، مع دعوتها للعودة إلى تنفيذ التزاماتها النووية، والتلميح بالانسحاب من المفاوضات، إذ قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن موعده اقترب. في المقابل، فإنّ إيران التي كان يبدي، حتى وقت قريب، رئيسها حسن روحاني، الذي تنتهي ولايته في 3 أغسطس/ آب المقبل، تفاؤلاً كبيراً بالوصول إلى الاتفاق في فيينا لإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن بلاده، متحدثاً عن حل القضايا الأساسية، تؤكد هذه الأيام أن الكرة في ملعب أميركا وبقية الأطراف وعليهم أن يقرروا.

ودعا روحاني نظيره الأميركي جو بايدن، أمس الأربعاء، للعودة إلى الاتفاق ورفع العقوبات. وقال، خلال جلسة للحكومة، إن الشعب الأميركي “صوّت لبايدن على هذا الأساس، وإذا ارتكب إهمالاً في العودة إلى الاتفاق النووي يكون قد خان أصوات شعبه، بينما هم جاؤوا ليرفعوا العقوبات”.

وأوضح أن هناك قضايا عالقة خلال مباحثات فيينا النووية، معرباً عن أمله في حلها لينال الشعب الإيراني حقوقه، فيما شدد على أن طهران “لم ولن تكون بصدد امتلاك السلاح الكيميائي والنووي وأسلحة الدمار الشامل”.

وقال كبير المفاوضين الإيرانيين، عباس عراقجي، الأحد الماضي، إنه تم التفاوض “بقدر كافٍ حول القضايا المتبقية”، ما يعني أن لا حاجة لمزيد من التفاوض، وأن ست جولات من المفاوضات أخفقت في إيجاد حلول للخلافات المتبقية، وأنها باتت رهينة إرادة وقرار جميع الأطراف.

وأطاحت هذه المواقف أجواء تفاؤل كانت تخيم على مفاوضات فيينا، بقرب التوصل إلى اتفاق، ما يطرح تساؤلات ملحّة بشأن تحول طبيعة الأجواء من تفاؤل إلى تشاؤم، والتصريحات التي تطلقها الأطراف الإيرانية والأميركية والأوروبية هذه الأيام بربطها مصير المفاوضات بقرار الطرف الآخر، مع إطلاق تحذيرات من أنها لن تستمر للأبد، وحتى وصلت إلى حد التلميح بالانسحاب منها.

4 مواضيع خلافية تعيق التوصل إلى اتفاق حول النووي الإيراني رغم رغبة جميع الأطراف

في البحث عن الإجابات، يظهر عاملان أمامنا، تعود تلك المواقف الجديدة على الأغلب إلى أحدهما. الأول أن مفاوضات فيينا قد وصلت بالفعل إلى انسداد ومأزق، تعجز الوفود المفاوضة عن كسره ورفعه، وأن الحلول المطروحة فشلت في منع الوصول إلى هذه الحالة، لذلك، فمجرد العودة إلى طاولة التفاوض مرة أخرى، لإطلاق جولة جديدة من دون اتخاذ قرارات لازمة في واشنطن وطهران بشأن الخلافات المتبقية، لن تجدي نفعاً.

والعامل الثاني وراء المواقف الأميركية والإيرانية الجديدة أن مفاوضات فيينا لم تصل إلى طريق مسدود، وإنما قد بلغت مرحلة حساسة للغاية قبل التوصل إلى الاتفاق، تسعى فيها طهران وواشنطن للحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات من الطرف الآخر. لذلك فإن هذه الأطراف في هذه المرحلة، خصوصاً الطرف الأميركي، تمارس ضغوطاً نفسية على الآخر، عبر اتخاذ هذه المواقف التشاؤمية والتهديد بالانسحاب من المفاوضات، وما شابه ذلك، بهدف تحصيل تلك التنازلات من جهة، وتقليل سقف التوقعات لدى الطرف الآخر بما يمكن أن تقدم من امتيازات.

ومما لا شك فيه أن المفاوضات حققت “تقدماً” وأزالت “عقبات”، كما أعلن وزير الخارجية الأميركي، الثلاثاء الماضي، لكن “ثمة خلافات جوهرية لا تزال قائمة” بحسب قوله، لذلك بغضّ النظر عن وجاهة أي من العاملين المذكورين، فإذا لم تحل تلك القضايا خلال الفترة القليلة المتبقية من ولاية روحاني، الداعم للمقاربة الدبلوماسية لحل الخلافات مع الغرب، حتى 3 أغسطس المقبل، فاحتمالات حلها خلال عهد الرئيس الإيراني المنتخب المحافظ إبراهيم رئيسي تبقى ضئيلة، وذلك لأن توجهات الحكومة الإيرانية المقبلة ستكون مختلفة عن الحكومة الحالية.

نعم، السياسة الخارجية الإيرانية ترسمها المؤسسات العليا، وهي لا تتغير مع تغيير الحكومات، وكلمة الفصل فيها تعود للمرشد الإيراني الأعلى، ولذلك الحكومة المقبلة أيضاً ستتابع السياسة النووية الحالية، سواء في المفاوضات أو في البرنامج النووي، لكن في تنفيذ السياسات الخارجية الإيرانية، ومتابعتها إقليمياً ودولياً، لا شك في أن لتوجهات الحكومات مفاعيلها وتأثيراتها التي لا يمكن إنكارها، تؤكدها تجارب الحكومات الإيرانية السابقة والراهنة، من حكومة الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، وصولاً إلى حكومة الرئيس محمد خاتمي حتى أحمدي نجاد وروحاني.

بالتالي، فالفرق الأساسي بين حكومة روحاني ورئيسي يكمن في تبني توجهات مختلفة في تنفيذ السياسة الخارجية الإيرانية شبه الثابتة، أي السياسات الواحدة تقريباً منذ أكثر من 4 عقود، لكن الأساليب والتوجهات المتبعة في تنفيذها مختلفة أحياناً. ولاختلاف التوجهات تأثيرات على نفس السياسات أحياناً.

ولعل سياسات محددة تأثرت في تنفيذها بشكل كبير بتوجهات هذه الحكومات، ما دفع صناع القرار إلى تبني مقاربات مختلفة، فتغيرت السياسات أحياناً في طريقة التعاطي مع بعض الملفات. وخير مثال على ذلك الاتفاق النووي الذي أبرمته حكومة روحاني عام 2015 مع المجموعة الدولية، في إطار السياسة الإيرانية التي يرسمها مجلس الأمن القومي. فتمكن روحاني من إقناع صناع القرار الإيراني بالاتفاق “اضطراراً”، ولو كان رئيس آخر مختلف في توجهاته مكان روحاني، فلا شك، حسب المراقبين، ما كان سينجز هذا الاتفاق الذي أبرمته حكومة “المعتدلين” و”الإصلاحيين”.

لذلك، القول إن السياسة الخارجية الإيرانية لا تتغير بتغيير الحكومات كلام صائب، لكن تشوبه مغالطات، إذ يغفل البعض عنصر تأثير توجهات الحكومات الإيرانية بانتماءات سياسية مختلفة.

وعليه، إذا لم يحصل اتفاق خلال نحو شهر بقي من ولاية روحاني يُرجح أن تتبنّى حكومة رئيسي مقاربة مختلفة في إجراء المفاوضات النووية. هذه المقاربة تتمثل في اتباع نهج مختلف في المفاوضات، يطغى عليه طابع التشدد، ترجمة لقناعات التيار المحافظ والمؤسسات المحافظة في إيران، والتي تؤكد أن الليونة في المفاوضات مع الأطراف الغربية تأتي بنتائج عكسية، وتطالب بإبداء الشدة، اعتقاداً منها أنها الأنفع لتحقيق المطالب الإيرانية.

وفي السياق، على الأغلب لن تتبع الحكومة المقبلة سياسة الباب الموارب في المفاوضات، وفي مجمل السياسة الخارجية مع الولايات المتحدة وأوروبا. فعلى سبيل المثال، إذا تبنّى روحاني حلاً وسطاً لاحتواء تداعيات تعليق البروتوكول الإضافي الذي يحكم الرقابة الأممية على البرنامج النووي الإيراني بموجب الاتفاق، من خلال إبرام اتفاق مؤقت مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فالمرجح ألا يسلك خلفه رئيسي هذا المسار، أو ما يمكن وصفه بـ”المجاملات”.

لذلك، يتوقع أن يتبنى نهجاً “هجومياً” تجاه الولايات المتحدة والغرب خلال المفاوضات، يعكس رغبات التيار السياسي الذي ينتمي إليه، والطريق الذي يؤمن به لانتزاع “تنازلات”.

وبالتالي، من المحتمل أن يصعد رئيسي نووياً، لممارسة الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا، تزامناً مع استمرار المفاوضات معهم، وذلك من خلال تنفيذ بنود “نووية” لقانون “الإجراء الاستراتيجي لإلغاء المفاوضات”، أقنعت الحكومة الحالية صناع القرار الإيراني بعدم تنفيذها، لمنح الفرصة للمفاوضات للوصول إلى نتيجة واتفاق يرفع العقوبات عن طهران.

ومن تلك البنود إنشاء مصنع اليورانيوم المعدني، الذي ينصّ عليه البند الرابع في القانون، إذ يؤكد “تدشين مصنع إنتاج اليورانيوم المعدني في أصفهان في غضون 5 أشهر من إقرار القانون”، الذي أقره البرلمان الإيراني مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لاتخاذ خطوات نووية بغية إجبار الأطراف الأخرى على إلغاء العقوبات. ونفذت منها حتى الآن رفع نسبة اليورانيوم المخصب إلى 20 في المائة وثم 60 في المائة، وتعليق تنفيذ البروتوكول الإضافي وخطوات أخرى.

مع ذلك، ليس مستبعداً تماماً في الوقت ذاته أن يدفع تفاقم الوضع الاقتصادي الإيراني برئيسي إلى مقاربة براغماتية وعملية بعد توليه إدارة السلطة التنفيذية، لإنجاز ما أخفق فيه روحاني بسبب المعارضات الشديدة لسياساته وحكومته. إذ إن رئيسي، في ظل تحكم المحافظين بالسلطة، لن يواجه مثل تلك المعارضات “المعرقلة” لعمل حكومته، إن أراد حتى الذهاب أبعد من روحاني. لكن حتى الآن لا مؤشرات على احتمال تبني مثل هذه المقاربة.

وبالتالي فإنه في حال انطلاق الجولة السابعة من مفاوضات فيينا وفشلها في التوصل إلى اتفاق، فاحتمال أن تفضي إلى نتيجة، لو استمرت، خلال الحكومة الإيرانية الجديدة، ستتراجع إلى حد كبير، أقله خلال الشهور المقبلة، وربما تتوقف المفاوضات، ولو لفترة مؤقتة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر − 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى