فورين أفيرز: الشرق الأوسط ما بعد أميركا.. احتمالات انتعاش الصراع الطائفي

شعار إدارة الرئيس الأميركي الذي ينادي بإنهاء "الحروب الأبدية" وفك ارتباطها بالمنطقة للتركيز على التحدي الذي تمثله الصين؛ يهدد بترك فراغ سياسي تملؤه الخصومات الطائفية.

ميدل ايست نيوز: نشر موقع فورين أفيرز الأميركي (Foreign Affairs) مقالا مطولا توقع فيه انتعاش الصراع الطائفي في الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة، التي أسماها “فترة ما بعد انسحاب أميركا” من المنطقة.

وأوضح المقال -الذي كتبه ولي نصر أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية- أن شعار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي ينادي بإنهاء “الحروب الأبدية” وفك ارتباطها بالمنطقة للتركيز على التحدي الذي تمثله الصين؛ يهدد بترك فراغ سياسي تملؤه الخصومات الطائفية، مما يمهد الطريق لمنطقة أكثر عنفا وغير مستقرة.

وأضاف نصر أن الصراع على الأسبقية الجيوسياسية بين الشيعية في إيران والدول التي يقودها العرب السنة، ومؤخرا تركيا السنية؛ يؤجج الصراع في جميع أنحاء المنطقة، مما يؤدي إلى تآكل المواثيق الاجتماعية، وتفاقم اختلال الدولة، وتحفيز الحركات “المتطرفة”، قائلا إن الطرفين استخدما الهوية الدينية سلاحا لأغراضهم الخاصة، ولحشد المؤيدين وتعزيز نفوذهم في جميع أنحاء المنطقة. ونتيجة لذلك فلا يزال الشرق الأوسط -الأوسع نطاقا- صندوقا من البارود.

موجات جديدة من الاضطرابات

وقال على الرغم من احتفاظ إيران باليد العليا حاليا، فإن التحديات التي تواجه موقعها تتزايد في جميع أنحاء المنطقة، خاصة من حركات التمرد الجديدة في “الأجزاء المحطمة” من المنطقة مثل العراق ولبنان وسوريا، وغضبها من تحركات طهران وحلفائها لتشديد قبضتهم على السلطة، كما أن “الإرهاب” ظهر في أفغانستان مرة أخرى. وتوقع الكاتب اندلاع موجات جديدة من الاضطرابات وإراقة الدماء في الشرق الأوسط إذا لم تبدأ عملية سياسية لنزع فتيل هذه التوترات.

وأوضح أن واشنطن وإسرائيل تناقشان بالفعل “الخطة ب” إذا ظلت التسوية الدبلوماسية بشأن البرنامج النووي الإيراني بعيدة المنال، قائلا إن هذا المسار من شأنه أن يضع إيران وأميركا على مسار تصادمي ويفاقم التوترات الطائفية، ويعمق الانقسامات المجتمعية، ويثير صراعات جديدة من بلاد الشام إلى أفغانستان.

كذلك يقول نصر إن رغبة واشنطن في بذل جهود أقل في الشرق الأوسط تأتي في وقت تميل فيه الصين وروسيا إلى المنطقة، وتزيد الحكومة “المتشددة” في إيران من “تشددها”، وتجد الدول العربية السنية نفسها أقل ثقة من أي وقت مضى بشأن الضمانات الأمنية الأميركية.

غزو العراق كان البداية

وأشار الكاتب إلى أن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 هو الذي سمح لإيران بتوسيع نفوذها بشكل كبير في العالم العربي؛ فمنذ ذلك الوقت لعبت طهران بخبرة على الولاءات الطائفية لتمكين شبكة من الوكلاء المسلحين التي تمتد الآن من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن، ومكنت الشيعة على حساب السنة في جميع أنحاء المنطقة وعززت نفوذها على نفوذ منافسيها من دول السنة.

وقال إن برنامج إيران النووي يشكل مظلة تحمي وكلاءها في جميع أنحاء المنطقة، مما يعزز بدوره نفوذ إيران بشكل أكبر؛ وبالتالي كلما كانت المظلة النووية أكثر اتساعا ومرونة، زادت فعالية الوكلاء الذين يعملون تحت حمايتها.

وأضاف أن ضرورة الحفاظ على نفوذ إيران في العالم العربي جزء لا يتجزأ من الحسابات الإستراتيجية للدولة العميقة في إيران، والمليشيات التي بنتها طهران لهذه المهمة هي حقائق على الأرض في جميع أنحاء المنطقة. لكن رغم كل الانتصارات الإيرانية الأخيرة، فإن الصراعات الطائفية التي تعصف بالشرق الأوسط لم تنته بعد.

ارتباك أميركي

واستمر نصر يقول إن أميركا لا تستطيع التخفيف من جميع المخاطر التي تلوح في الأفق في الشرق الأوسط، لكن يجب تجنب جعل الأمور أسوأ. قد يكون الدور الأميركي الأصغر في المنطقة حتميا، لكن الطريقة التي تحافظ بها واشنطن على مصالحها ستكون مهمة؛ فبالنسبة لكثيرين في الشرق الأوسط يُعد الانسحاب الأميركي تخليا من واشنطن عن المنطقة، حيث دافعت سابقا ضد تهديدات الاتحاد السوفياتي وإيران وتنظيم الدولة الإسلامية وغيرها. وهذا الارتباك الإستراتيجي لأميركا فرصة لإيران ووكلائها، كما أنه يمثل دعوة لمشاركين جدد في المعركة، مثل روسيا وتركيا.

ويظل الاتفاق النووي مع إيران أهم رادع لمزيد من عدم الاستقرار بالشرق الأوسط. والجمود -أو الأسوأ من ذلك؛ أي انهيار المحادثات- من شأنه أن يضع إيران وأميركا على طريق خطير نحو المواجهة التي ستشعل حتما العالم العربي وتؤجج الطائفية.

لأكثر من 4 عقود، نظرت الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط على أنه حيوي لمصالحها الوطنية، وأقامت تحالفات مع دول عربية لاحتواء إيران، وإبعاد الإسلاميين، وإدارة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وكانت هذه أكثر نجاحا عندما تمكنت من الحفاظ على توازن قوى مستقر بين إيران وجيرانها العرب.

ضرورة عودة الاهتمام الأميركي

ومنذ أن قوضت واشنطن هذا التوازن بغزو العراق عام 2003، ظلت تحاول استعادته في مواجهة تحديات عالمية أخرى ملحة، والآن تتخلى عن هذا الجهد كليا. هناك سبب كاف لتبني إعادة التقويم الإستراتيجي هذه؛ إن السعي وراء توازن قوى بعيد المنال أمر مكلف للغاية، خاصة أن الشرق الأوسط لم يعد حيويا للمصالح القومية الأميركية، لكن ترك المنطقة لأجهزتها الخاصة مناورة خطيرة.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى