ترامب وإيران: نهج جديد أو إعادة “الضغط الأقصى”؟
تبدو إيران أبرز الدول المعنية في المنطقة بوصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.
ميدل ايست نيوز: تبدو إيران أبرز الدول المعنية في المنطقة بوصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة. فعلى الرغم من إعلانها المتكرر أنه لا فرق بين الرؤساء الأميركيين، إلا أن التوقعات كانت تشير إلى أنها ستكون أكثر ارتياحاً في حال فوز الديمقراطية كامالا هاريس وخسارة ترامب صاحب استراتيجية الضغوط القصوى، التي أدخلت الصراع بين البلدين مرحلة متقدمة وخطيرة خلال ولايته الرئاسية الأولى (2016-2020)، فقدت فيها إيران بأمر منه رمزها الكبير وعنوان نفوذها الإقليمي، الجنرال قاسم سليماني، الذي اغتيل مطلع 2020 في ضربة جوية في بغداد.
رسمياً، تعاملت إيران مع نتائج الانتخابات الأميركية التي جرت الثلاثاء الماضي ببرودة. وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، الأربعاء الماضي، في تصريحات لوسائل إعلام إيرانية، إنه “لا فرق لنا من سيصبح رئيس أميركا”.
ثم قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقايي، الخميس الماضي، إن اختيار رئيس أميركا “أمر يخص شعبها”، مضيفاً أن بلاده لديها “تجارب مريرة من سياسات وتوجهات سابقة مع مختلف الإدارات الأميركية”، ومؤكداً أن “الانتخابات فرصة لإعادة النظر في التوجهات غير الصحيحة، وما يهم إيران ويشكل معياراً لتقييمها هو أداء الإدارة الأميركية”.
لكن اللغة الإيرانية بدأت تختلف وتميل إلى توجيه رسائل إلى ترامب منذ الإعلان الأميركي، يوم الجمعة الماضي، عن وجود خطة إيرانية لاغتيال الرئيس المنتخب، فاعتبرت طهران سريعاً أنها “مؤامرة إسرائيلية” لتعقيد علاقتها المتوترة مع واشنطن، كما ورد على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية.
حزب كوادر البناء الإيراني: حان الوقت لإنهاء الصراع مع أمريكا
رسائل إيرانية إلى ترامب
ثم أكد وزير الخارجية عباس عراقجي الموقف ذاته، السبت الماضي، لكن بطريقة مختلفة حملت أربع رسائل متعددة إلى الرئيس الأميركي المنتخب، محاولاً تبديد مخاوفه وتودداً إليه للتأثير على مواقفه.
وقال في تغريدة على “إكس” إن بلاده “لا تسعى بتاتاً إلى الأسلحة النووية”، وإنها تحترم خيار الشعب الأميركي في اختيار ترامب رئيساً. نافياً، في الوقت ذاته، وجود أي خطة لها لاغتياله، ومذكراً باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، ليحذر ترامب من احتمال اغتياله على يد إسرائيل. والرسالة الرابعة لعراقجي هي دعوة ترامب إلى بناء الثقة مع إيران والبدء بذلك باحترامها، مضيفاً أن “هناك حاجة إلى بناء الثقة بشكل متبادل وليس باتجاه واحد”.
واعتبر رئيس مجلس الشورى الايراني، محمد باقر قاليباف، أمس الأحد، أن ذهاب ومجيء رؤساء الدول الاخرى لا يؤثر على قدرة إيران في تأمين مصالحها، مشيراً إلى أن “القوة الوطنية والأداء المقتدر وحنكة الجمهورية الإسلامية يستند على أساس منهج العقلانية الثورية”. ونقلت وكالة إرنا عن قاليباف قوله، في الجلسة العامة لمجلس الشورى الإسلامي، إن “هناك اختلافات كبيرة في طريقة العداء للأشخاص الذين يتم انتخابهم رئيساً للولايات المتحدة، لكن النقطة الأساسية هي أن ما يحدد سلوك العدو تجاهنا هو القوة الوطنية والأداء المقتدر وحنكة الجمهورية الإسلامية المستندة على أساس نهج العقلانية الثورية”.
الآراء في إيران بشأن سياسات ترامب المقبلة مختلفة ومتنوعة، وعلى الرغم من أنه يطغى عليها طابع تشاؤمي كبير، لكنْ هناك أيضاً تفاؤل حذر بشأن احتمالية اتخاذه سياسة جديدة انطلاقاً من مقاربة تختلف عن دورته الرئاسية الأولى التي دشّن فيها استراتيجية الضغوط القصوى.
وتوقّع الخبير الإيراني المحافظ في العلاقات الإيرانية الأميركية، فؤاد إيزدي، أن يواصل ترامب نهجه السابق مع إيران من دون تغيير، قائلاً إن “العوامل التي جعلت ترامب يعادي إيران ما زالت قائمة، وبعضها يعود إلى سياسات الإدارة الأميركية في معاداة إيران بعد الثورة الإسلامية (عام 1979) بغض النظر عمن يحكمها”، مضيفاً أن الإدارات الأميركية عندما تتغير لا تتغير سياساتها بل تكتيكاتها، مشيراً إلى أن ما يجعل ترامب أكثر عداء من غيره هو وجود مساعدين له أكثر تطرفاً في معاداة إيران والإسلام.
لا تغييرات في سياسة ترامب
وأوضح أن ترامب خلافاً لدورته الأولى يحظى اليوم بدعم كامل من الحزب الجمهوري المؤيد له، مؤكداً أنه “لا مؤشرات بشأن احتمال أن يغير ترامب سياسته ضد إيران، بل هناك ثمة علامات بأنه ربما يواصل هذا النهج بشكل أكثر تطرفاً من قبل”. واعتبر أن عملية “طوفان الأقصى” لحركة حماس قبل عام ستكون لها “تأثيرات سلبية” على سياسة الإدارة الأميركية المقبلة تجاه طهران، “كما أن الحرب على غزة ولبنان تجعل الوضع أيضا أكثر تعقيداً”.
لكن الخبير في العلاقات الإيرانية الأميركية حميد رضا غلامزادة له وجهة نظر أخرى، إذ قال إن ترامب خلال دورته الثانية “سيكون مختلفاً عما كان، ليس فقط تجاه إيران بل في ملفات أخرى أيضاً”، عازياً ذلك إلى أمرين، الأول أن ترامب في دورته الثانية من الرئاسة يريد تحقيق مكاسب كبرى عكس رئاسته الأولى التي كان يسعى فيها للعمل من أجل فوزه ومراعاة قاعدته التصويتية، والأمر الثاني أن “المنطقة قد تغيرت كثيراً” بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل ثماني سنوات، إذ إن “أجواء المنطقة تغيرت، وإيران خلال العام الأخير أظهرت قوتها الهجومية وتمكنت من تخطي الدفاع الجوي الأميركي في المنطقة، كما أنها أثبتت قوتها الدفاعية في التصدي بنجاح للهجوم الإسرائيلي الأخير” في 26 الشهر الماضي.
وعليه، رأى غلامزادة أن ترامب “غير قادر على مواصلة نهجه السابق في ظل التغيرات في المنطقة والعالم، كما أن لديه تجربة سياسة الضغوط القصوى التي فشلت في تحقيق أهدافها”، مضيفاً أن الرئيس الأميركي المنتخب “يعلم أن تكرار هذه الضغوط لن تجلب إيران إلى طاولة التفاوض، ولذلك هو مضطر لاتباع نهج مختلف”، ومتوقعاً “اتفاقيات غير مباشرة” معه، موضحاً أن اتفاقيات مباشرة “غير ممكنة بسبب إصداره أوامر باغتيال اللواء سليماني”، ومشيراً إلى أن التحدي الأساسي مع إيران هو الملف النووي، حسب ما يقول ترامب نفسه.
ولم يستبعد الخبير الإيراني أن تقدّم طهران “ضمانات” لإدارة ترامب بعدم العمل على امتلاك الأسلحة النووية، والتي لطالما أكدت أنها لا تريد ذلك، مشيراً إلى أن ذلك يشكل مدخلاً “لاتفاق غير مباشر” معه، متوقعاً أن يعمل ترامب لإنهاء الحرب على غزة “لأنه لا يريد أن تتورط أميركا في مواجهة في المنطقة”.
إلا أن الصحافي الإيراني عباس أصلاني المقرب من الخارجية الإيرانية، رأى أنه من المبكر أن نتوقع سياسات ترامب تجاه إيران، لكنه لا يستبعد أن تكون دورته الثانية مختلفة عن الأولى، داعياً إلى التريث لحين تعيين ترامب فريق عمله في السياسة الخارجية، باعتبار ذلك مؤشراً واختباراً مهماً، “وسيكون لهم دورهم في تحديد تلك السياسات”.
وما إذا كانت إيران ستتجاوز عقبة اغتيال سليماني في التفاوض مع ترامب، قال أصلاني إن التفاوض “طريق ذو اتجاهين، وإيران لا يمكنها وحدها سلوكه”، لافتاً إلى أن ما يجري في المنطقة من حروب إن استمر له مفعوله أيضاً في عهد ترامب بين إيران وأميركا، كما أنه إذا طبق ترامب وعوده بإنهاء هذه الحروب سيكون لذلك أيضاً تأثيره، مشيراً إلى أن ثمة أطرافاً تعمل على منع أي تحول في سياساته تجاه إيران.
وصوّب أصلاني على اتهام إيران بعد فوز ترامب بالتخطيط لاغتياله، لافتاً إلى أن ذلك مرده إحباط فرص أي تعامل بين ترامب وإيران ومنع تبلور أي ظروف جديدة لاحتواء التوتر بين البلدين في عهده الثاني.