يموّل سفراته بنفسه ويعمل بلا مقابل: ستيف ويتكوف مبعوث ترامب لكل شيء
"متحدث باسم ترامب"، هكذا وصف دبلوماسيٌ غربي يعمل في واشنطن، في مقابلة مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، ستيف ويتكوف، المُعرّفة وظيفته الرسميّة في البيت الأبيض بأنه المبعوث الخاص للشرق الأوسط.

ميدل ايست نيوز: “متحدث باسم ترامب”، هكذا وصف دبلوماسيٌ غربي يعمل في واشنطن، في مقابلة مع شبكة “سي أن أن” الأميركية، ستيف ويتكوف، المُعرّفة وظيفته الرسميّة في البيت الأبيض بأنه المبعوث الخاص للشرق الأوسط. إلا أنّ هذا محض تعريف رسميّ، لا سيّما بعدما تحوّل ويتكوف مؤخراً إلى من يدير سلسلة من الساحات بالتوازي؛ فهو من يقود المباحثات بين إسرائيل وحماس، ويمثل البيت الأبيض في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي، ويتوسط بين روسيا وأوكرانيا في محاولة للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب الطويلة بينهما.
ومثالاً على الطريقة التي يناور فيها ستيف ويتكوف بين جميع الساحات، هو ما يتضمنه جدول أعماله عادة؛ ففي الشهر الماضي، وفي غضون يومين طار من الولايات المتحدة إلى أبوظبي، ومن هناك إلى الدوحة، ثم إلى موسكو، مروراً بباكو قبل أن يعود إلى فلوريدا. وفي الأخيرة أطلعَ الرئيس، دونالد ترامب، بمستجدات لقائه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
ما تقدم هو “المتوسط الأسبوعي” بالنسبة للمبعوث الخاص للشرق الأوسط، والذي منذ زمن يقوم بمهام أوسع بكثير مما يعرّفه اسم منصبه الضيّق. وفي هذا الإطار، تشير مقالة موسعّة أوردها موقع الشبكة الأميركية، إلى أن ويتكوف يحظى بشيء تتمتع فيه قلّه قليلة في البيت الأبيض، وهو “الثقة الكاملة من الرئيس ترامب”.
في الأيام والأسابيع الأخيرة، لم يتبدل روتين ويتكوف: فالسبت الماضي، افتتح في عُمان مباحثات مقابل إيران، وأوّل أمس التقى في باريس ممثلين أوكرانيين، ووفوداً من دول أوروبية أخرى، في إطار المباحثات الرامية لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، واليوم ها هو في روما؛ حيث تعقد الجولة الثانية من المفاوضات حول الملف النووي الإيراني.
فارس منفرد
في غضون ثلاثة أشهر من بدء ولاية ترامب، تحوّل المبعوث الخاص للشرق الأوسط إلى “المبعوث الخاص لكل الشؤون”، إذ يقود جميع الملفات المركزيّة في السياسة الخارجية الأميركية. وبحسب “سي أن أن” فإنه في إطار وظيفته الموسّعة، “وجد نفسه غير مرّة في المنصب المحفوظ لوزير الخارجية، أو رئيس السي أي إيه”.
ويحدث هذا كلّه في وقت لم يسبق لويتكوف أن عمل في السياسة، ما دفع كثراً في واشنطن والعالم أيضاً إلى التشكيك في كونه يملك القدارات اللازمة للعمل بأعلى المستويات في الساحة الدبلوماسية العالمية.
“قلة قليلة من الأشخاص خارج الدائرة الدبلوماسية في البيت الأبيض عملوا معه”، كما يشرح مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية، ويضيف واصفاً ستيف ويتكوف بأنه “فارس يعمل منفرداً”. وبحسب المسؤول ذاته “ممارسة الدبلوماسية بهذه الطريقة، حتّى من دون خبير واحد هي بالتأكيد أمر خارج عن المألوف. لا يمكنني تفسير ذلك، فالأمر غريب وليس مثالياً”.
ومع أن الجهود تتواصل في جميع الساحات، حتى الآن يمكن وصف النتائج بأنها أقل من المتوقع. فقد فشل ويتكوف في إحياء الاتفاق بين حماس وإسرائيل، منذ انهيار وقف إطلاق النار الشهر الماضي؛ روسيا تواصل رفض المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار في أوكراينا، فيما ظهر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي أمس، مشككاً في نوايا الأميركيين، عندما قال في مؤتمر صحافي جمعه بنظيره الروسي، سيرغي لافروف، في موسكو، إنه “رغم أن لدينا شكوكاً جدية بشأن نيات الجانب الأميركي ودوافعه، سنشارك في مفاوضات الغد على أي حال”.
يموّل سفراته ويعمل دون مقابل
ويتكوف، مضارب عقاري يملك ثروة تقدّر بـ500 مليون دولار، يعرف ترامب منذ عشرات السنين. وفي ضوء هذه الحقيقة، فإن مسؤولين مطلعين على ديناميات العلاقة التي تربطه بالرئيس، يشبهونه بصهره جاريد كوشنر، الذي كان مستشار ترامب خلال ولايته الأولى. وكحال كوشنر، ويتكوف أيضاً يلتقي ترامب يومياً ويدخل الغرفة البيضاوية دون أي معيق. كما يلتقي أفراد عائلة الرئيس ويتحدث معهم، ووفقاً لمصادر فإنه يتمتع بحرية عمل كبيرة مقارنة مع بقية أعضاء الإدارة.
حريته هذه تسببت أحياناً بـ”فوضى داخل الإدارة”، ومثالاً على ذلك عندما أجرى ستيف ويتكوف مقابلات تلفزيونية على حسابه، مع أن مقابلات كهذه يجب أن تُنسّق مع هيئة الأمن القومي التابعة للرئيس. وبحسب عدّة مصادر، يعتمد ويتكوف في عمله على مجموعة صغيرة من موظفي البيت الأبيض، ويُطلع المخابرات الأميركية على نحو شبه ثابت.
مسؤول في الإدارة الأميركية، قال إن “المبعوث الخاص لا يتلقى راتباً من البيت الأبيض، ويموّل سفراته على حسابه، عندما يطير بطائرته الخاصة دون أي تعويض مادي من الإدارة”. ويقدّر المسؤول ذاته، أنه “حتى نهاية العام يكون ويتكوف قد خصص أكثر من 1000 ساعة للجهود المختلفة لإدارة ترامب”.
عندما يكون في واشنطن، فإن ويتكوف، كما تشير الشبكة الأميركية، يعمل غالباً من مكتب إيفانكا ترامب، الموجود في القسم الغربي من البيت الأبيض، حيث توجد في المكان ذاته أيضاً مكاتب الرئيس والغرفة البيضاوية. في البداية خطط للعمل من مكاتب وزارة الخارجية، المقامة على نحو كيلومتر ونصف الكيلومتر من البيت الأبيض، غير أن الطلب المتكرر عليه في الغرفة البيضاوية، حدد وجوده هناك بشكل ثابت. وهذه الحقيقة تسببت بمشاكل أخرى: فريقه الذي يعمل من مكاتب وزارة الخارجية، لا يعرف دوماً بجدول أعماله، والذي يتغير باستمرار بناء على التطورات والأحداث الأخيرة، إضافة إلى ذلك، فإن مصادر تحدثت للشبكة الأميركية، قائلة إنه “في جزء من المرات لم يتلقَ طاقمه إنذارات حول لقاءاته المتوقعة مع بوتين وعراقجي”.
“المحادثات معه تحمل قيمة كبيرة”، كما يصف دبلوماسي غربي يعمل في واشنطن، والسبب كما يوضح “لأننا نعرف أنه يتحدث باسم ترامب”. في المقابل، وصفه مسؤول رسمي من الشرق الأوسط، بأنه “مدير مفاوضات ذكي”، لكنه استدرك: “لا شك أنه ينوجد في منحى التعلّم، ولكنه لا يخشى من التعلّم فهو منفتح على الاعتبارات والزوايا التي لم تؤخذ في الحسبان سابقاً”.
وعلى الرغم مما تقدّم فإن كثراً يشككون في قدرته على التوصل لاتفاقيات جيّدة، وذلك بسبب خبرته المحدودة سواء في الدبلوماسية أم في إدارة ملفات في الساحة الدولية. وبخصوص الهجوم الذي شنّه الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلينسكي، الذي اتهم ويتكوف بتشجيع استراتيجية روسيا، فإن كُثراً في الولايات المتحدة والعالم عبروا عن قلقهم من “العادة” التي ينتهجها ويتكوف مقابل بويتن.
وفي الأثناء، قال دبلوماسي أميركي رفيع لـ”سي أن أن” إن “القلق يكمن في أن ستيف ويتكوف ليس بمستوى الدبلوماسيين الروس”، مشيراً إلى أن المبعوث الخاص “يردد السردية الروسية” حتّى في اللقاءات التي تعقد خلف الأبواب الموصودة، وبحسبه فإن “هذه مشكلة كبيرة”.
“عاقد الصفقات”
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة ضد ويتكوف من داخل بيته وخارجه، قال مقربون من الرئيس إن الأخير يعتبره “الصانع الأمثل للصفقات”، وبحسب هؤلاء، فإن ترامب يعتقد أن الماضي المشترك مع ويتكوف في المجال العقاري يجعلهما متشابهين في توجههما مقابل القادة الغربيين. ولذلك فإن منصب المبعوث الخاص للشرق الأوسط منحه ترامب لويتكوف بسبب رغبته في إيجاد وظيفة مهمة لصديقه في البيت الأبيض. كما أنه يعرف عن علاقات ويتكوف برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ومع زعماء آخرين في المنطقة وذلك بسبب عمله بمضاربة العقارات.
ووفقاً لمصادر تنقل عنها الشبكة، فقد كان ترامب راضياً عن الطريقة التي توصل فيها مبعوثه لوقف إطلاق النار، وصفقة التبادل، والتي تم التوصل إليها في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن. ولذلك فقد كلّفه بالمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، والآن بالمفاوضات مقابل إيران. وبحسب مسؤول في الإدارة الأميركية، فإن ويتكوف “حقق اختراقة في المجالات التي فشل فيها الآخرون. ونجاحاته دفعت ترامب لتوكيله بمهام إضافية”.
وفي الإطار، قال مسؤول آخر إن “ويتكوف لا يطلب إحاطات معمقة قبيل لقاءاته مع الزعماء في الخارج. بل إنه يعتمد أكثر على محادثاته اليومية مع الرئيس ومع أعضاء هيئة الأمن القومي، وكذلك على الإحاطات الأمنية المقدمة له”.
لاعبة الغولف السابقة التي ترافقه في سفراته
ويتكوف يسافر حول العالم محملاً بدفترين اثنين، وفقاً لما ينقله مصدر للشبكة الأميركية. الدفتر الأول يضم ملاحظات ومعلومات عامة، والثاني يتضمن معلومات سرية وحساسة أكثر. أمّا دائرته المقربة فتضم زوجته لورين، وهي لاعبة غولف سابقة، ترافقه في سفراته للخارج بطائرته الخاصة حتّى عندما تكون هذه الزيارات مخصصة للقاءات مهمة. كما تقول مصادر مقربة منه. وقد رافقته في زيارته الثانية إلى موسكو، وفي العموم، “يلجأ إليها، ويطلعها على معلومات معينة”، وفق هذه المصادر.
وعلى الرغم من أن ستيف ويتكوف سبق أن صرّح أنه سيبقى لمدة سنة في منصبه، عاد وقال إنه سيبقى حتى يصل إلى خط النهاية في المهمات المفروضة عليه. ولئن كان يقود المفاوضات في عدة ساحات، فإن مسؤولين أميركيين لم يستبعدوا أن تتوسع مهام ويتكوف، لتشمل بحسبهم المفاوضات مقابل الصين في الحرب التجارية التي فرضها ترامب على الأخيرة.
وبحسب مصدر آخر فإن الرئيس ترامب وهيئة الأمن القومي عندما يتحدثون في موضوع الضرائب، يتوافقون على أن “ستيف بإمكانه التعامل مع ذلك”.