من الصحافة الإيرانية: هل يشكل النفط والطاقة مفتاحا لنجاح محادثات طهران وواشنطن؟
إن المسؤولين في الولايات المتحدة باتوا ينظرون إلى الملف النووي من خلال حسابات بسيطة قائمة على الكلفة والمنفعة، ويعلمون أن استمرار العداء في هذا المجال لن يكون ممكنًا إلا بدفع تكاليف باهظة.

ميدل ايست نيوز: خلال أقل من عشرين يومًا، شهدت المفاوضات النووية تقدمًا ملموسًا وإيجابيًا تجاوز التوقعات، ويبدو أنه ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة أو تدخلات خارجية من لوبيات السلطة والمحافظين الجدد المؤيدين لإسرائيل تعرقل هذا المسار، فقد تشهد هذه المرة ـ ولأول مرة في التاريخ المتقلب للصراع الممتد لعقود بين إيران والولايات المتحدة ـ تغلّب الجوهر على الشكليات، ليتم التوصل إلى اتفاق دائم ومستقر بين هذين الخصمين التاريخيين.
في الواقع، إن الطرفين، ومن خلال التركيز على المصالح المشتركة المحتملة، واستنادًا إلى خلفية النزاع التي أثارتها تحركات اللاعبين الثانويين، وخاصة خلال العقدين الأخيرين منذ طرح الملف النووي على طاولة المعادلات، اختارا مسار التهديد بدلاً من استغلال الفرص، واتجها نحو التصعيد لأسباب واهية، مما عقد الأمور أكثر وخلق عقدة يصعب حلّها، إذ أصبحت بداية الخيط أكثر خفاءً، وفكّها أكثر تعقيدًا يومًا بعد يوم.
لكن إذا ما تحركت المفاوضات النووية اليوم ـ على خلاف التوقعات وسجل الصراعات الطويل ـ في مسار إيجابي وهادئ بعيدًا عن الضوضاء، فإن ذلك يعود إلى أن الطرفين، بدلاً من الانشغال بالماضي والتحركات التخريبية والدعاية السلبية، اختارا التركيز على المصالح المشتركة وتجنب الانشغال بالتفاصيل المعطّلة وإظهار إرادة حقيقية لإغلاق هذا الملف المكلف والمليء بالمخاطر.
النقطة المهمة أن المسؤولين في الولايات المتحدة باتوا ينظرون إلى الملف النووي من خلال حسابات بسيطة قائمة على الكلفة والمنفعة، ويعلمون أن استمرار العداء في هذا المجال لن يكون ممكنًا إلا بدفع تكاليف باهظة. كما أنهم يدركون أن البرنامج النووي الإيراني، حتى في جانبه العسكري المفترض، لا يشكل تهديدًا حقيقيًا للمصالح الوطنية الأمريكية، وأن ما يُنفق من أموال طائلة هو في الحقيقة من أجل “أمن” إسرائيل، وهي كلفة لا يقبل بها حتى ترامب التاجر، الذي لم يكن مستعدًا ـ في إطار استراتيجيته “أمريكا أولاً” ـ لتقديم شيء حتى لأقرب حلفائه دون مقابل.
في المقابل، وعلى عكس السنوات الماضية التي كانت فيها الاستراتيجية التفاوضية الإيرانية سلبية، تفتقر إلى أي محفزات ملموسة للطرف الآخر، ولم تكن قادرة حتى في إطار الاتفاق النووي على توفير ضمانات ملزمة لبقاء الولايات المتحدة فيه، فإن إيران هذه المرة وضعت منذ البداية عرضًا جذّابًا أمام الطرف الأمريكي وعلى طاولة التفاوض.
وقد جاء تأكيد مسعود بزشکیان، على الموافقة المبدئية لاستثمارات الشركات الأمريكية في الاقتصاد الإيراني، كعنصر جديد وإيجابي من شأنه أن يقنع ترامب ـ قبل أي شيء آخر ـ بأنه بدلًا من الانجرار وراء مصالح إسرائيل وتكلفة التصعيد والصراع، يمكنه النظر إلى تغيير استراتيجي في المنطقة من بوابة المصالح المشتركة.
وربما كان هذا التغيير في الاستراتيجية هو ما دفع النائب الأول للرئيس الإيراني إلى الحديث، خلال مؤتمر “التحول في الاستثمار والتنمية في قطاع النفط والغاز العلوي”، بوضوح غير مسبوق، قائلًا: “نحن مستعدون لبدء مرحلة جديدة من الشراكات الكبيرة والذكية مع العالم، أمن الطاقة لم يعد مجرد قضية اقتصادية، بل أصبح ضرورة عالمية. نحن نسعى إلى شراكات استراتيجية ومستدامة قائمة على المصالح المتبادلة طويلة الأمد”.
هذه هي الرسالة التي انطلقت صباح الثلاثاء الماضي من قاعة مؤتمرات القمة في ولنجك بطهران، مباشرة إلى البيت الأبيض. هذه المرة لم تكن مجرد شعارات، بل كانت عرضًا عمليًا لاستراتيجية إيران وفرصها الفريدة ولسوق الطاقة الإيرانية التي تبلغ قيمتها آلاف المليارات من الدولارات، من أجل إغراء الطرف الأمريكي بالحضور في الاقتصاد الإيراني وضمان التوصل إلى اتفاق مع إيران واستمراره.
الجدير بالذكر أن العقوبات، رغم ما سببته من معاناة اقتصادية ومعيشية، ورغم أنها أعاقت قاطرة التنمية في إيران، إلا أنها خلقت أرضية وفرصًا مثالية للاستثمار، خاصة في قطاع الطاقة الاستراتيجي، وقد تم عرض 200 فرصة استثمارية ملموسة من قبل شركة النفط الوطنية في هذا المؤتمر.
في المحصلة، فإن ما يميز هذه الجولة من المفاوضات هو التركيز على المصالح الوطنية والمقايضة على أساس تحقيق المنفعة المتبادلة. وربما يكون هذا التغيير هو ما يُعيد ما فُقد خلال سنوات إلى مساره، ويوصل قطار التفاوض إلى وجهته النهائية، بعيدًا عن النزاعات الجيوسياسية والأيديولوجية، حيث تشكّل مراعاة مصالح الطرفين أفضل ضمانة لنجاح المفاوضات.
رضا رئيسي
صحفي ومحلل سياسي
إقرأ أكثر
هل تُخرِج المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن إيران من أزمتها التجارية؟