الصحافة الإيرانية: من إيران إلى إسرائيل… كيف بدل 7 أكتوبر ملامح الخوف في العالم العربي؟
في 7 أكتوبر 2023، لم يكن أحد في طهران يتصور أن تُسمع أصوات رصاص المعارك بين إسرائيل والفلسطينيين بين أزقة وشوارع العاصمة الإيرانية.
ميدل ايست نيوز: في 7 أكتوبر 2023، لم يكن أحد في طهران يتصور أن تُسمع أصوات رصاص المعارك بين إسرائيل والفلسطينيين بين أزقة وشوارع العاصمة الإيرانية. مع اختراق حماس للتحصينات الإسرائيلية المتعددة على طول سوار قطاع غزة وبدء الحرب في 7 أكتوبر، دخل الشرق الأوسط عمليًا حقبة جديدة. يقول حميد رضا عزیزي، باحث في معهد الشرق الأوسط للشؤون العالمية: «الشرق الأوسط ما قبل 7 أكتوبر لم يعد موجوداً». لم تؤد سنتان من الحرب في غزة إلى مقتل أكثر من 65 ألف شخص وتشريد مئات الآلاف وتدمير جزء هائل من بنى غزة التحتية فحسب، بل أيضًا إلى إحداث تغيير جوهري في توازن القوى بمنطقة الشرق الأوسط ودخولها عصرًا جديدًا.
وكتبت صحيفة هم ميهن، أن العديد من المسارات التي كانت قائمة قبل 7 أكتوبر 2023 تغيرت الآن. مسار المصالحة بين الدول العربية وإسرائيل ضمن اتفاقيات إبراهيم توقف اليوم، ورغم أن الإدارة الأمريكية تسعى دبلوماسياً لوقف الحرب في غزة وإعادة إحياء المسار القديم، فإن ممارسات إسرائيل، لا سيما احتلال أجزاء من الأراضي السورية والحرب التي استمرت 12 يوماً مع إيران والاعتداء على الأراضي القطرية، أدت إلى تبنّي الدول العربية موقفاً متزايد الحساسية والشك نحو إسرائيل، وحتى إن موافقة دولة عربية مستقبلية على تطبيع العلاقات ستكون مصحوبة بالحذر والريبة والقلق.
من جهة أخرى، الشبكة المتحالفة مع إيران في المنطقة التي عملت ضمن إطار محور المقاومة تعرضت لأضرار جوهرية نتيجة عامين من القتال مع أحد أكثر الجيوش حداثة في العالم. ليس من الواضح ما إذا كانت إيران ستتمكن مستقبلاً من إعادة بناء روافع قوتها كما كانت قبل 7 أكتوبر 2023 واستخدامها كورقة ضغط في المفاوضات وأداة نفوذ داخل دول المنطقة.
كذلك الأمر، عادت القضية الفلسطينية التي كادت تتحول إلى نزاع مُهمل عالميًا لتكون مسألة دولية مركزية. البيان الذي بادرت إليه كل من فرنسا والسعودية في نيويورك وتصويت أكثر من 140 دولة عضو في الأمم المتحدة لصالح إقامة دولة فلسطينية يُظهر أن القضية الفلسطينية باتت تتبوأ مكانة جدية أكثر لدى المجتمع الدولي، وأن الجهود لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة خارج الاحتلال الإسرائيلي ستتعزز.
ربما يكون أحد أهم تبعات حرب غزة كسر المحرمات المتعلقة بالقتال المباشر بين إيران وإسرائيل وإيران والولايات المتحدة. الهجوم الإسرائيلي على إيران في يونيو من هذا العام والحرب التي امتدت 12 يوماً والتي انتهت بهجوم الولايات المتحدة على منشآت نووية إيرانية، حولت عملياً صراعًا ظل قائماً في الظل لعقود إلى حرب علنية ومباشرة. الكثير من المحللين يترقبون المشاهد التالية لهذا الواقع الجديد لمعرفة كيف سيؤثر كسر حرمة القتال المباشر على توازن القوى الإقليمي.
تواجه إيران، بصفتها إحدى الركائز في النظام الإقليمي للشرق الأوسط، الآن وضعاً خطيراً؛ فبعد الحرب التي امتدت 12 يوماً لا يزال شبح تكرار الحرب يلوح فوق أراضيها، كما أن الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات وعجزها في منع عودة عقوبات مجلس الأمن الدولية ستقيد بدورها خيارات طهران لمواجهة هذا التهديد.
اليوم يقع الشرق الأوسط في مرحلة انتقالية. حتى لو تحققت خطة دونالد ترامب الجديدة لوقف الحرب في غزة ونتج عنها وقف لإطلاق النار في الحرب الممتدة عامين، فإن الواقع الميداني في المنطقة سيستدعي إعادة تعريف للأدوار وتوازنات القوى. الدول العربية في المنطقة لن تعود تثق بإسرائيل كما كانت من قبل، والصورة التي رسختها سياسات ما قبل 7 أكتوبر بشأن «الخوف من إيران» انعكست بعد عقود لتصبح خوفاً من إسرائيل بوصفها العامل الأساسي لانعدام الأمن في المنطقة.
إسرائيل تريد إيراناً ضعيفة ومتفككة؛ دولة كالتي سقطت فيها سوريا التي لا تستطيع مقاومة التمدد الإسرائيلي أو تحريك روافع قوتها للرد. الدول الإقليمية أدركت أن إيران قبل 7 أكتوبر كانت عامل رادع أمام التمدد الإسرائيلي، وأن غياب إيران كقوة إقليمية من شأنه أن يزيل جميع الحواجز أمام تحول إسرائيل إلى قوة أحادية وهيمنة إقليمية.
شكل النظام وتوازن القوى الجديدين اللذان سيبنيان في مسار الأحداث المقبلة سوف يتحددان وفق ما ستسفر عنه الوقائع المستقبلية، لكن ما يتبيّن بوضوح أن نجاح إسرائيل خلال العامين الماضيين في إضعاف خصومها في المنطقة هو فصل واحد ضمن مسلسل طويل يمتد ثمانية عقود، وبسبب المخاوف والإدراك بالتهديد الذي ولّدته قوة إسرائيل في المنطقة، لن تكون هذه الحلقة دائمة؛ بل سيعاد على المدى الطويل تأسيس نظام جديد مبني على توازن قوى قادر على تحييد قدرة إسرائيل.



