جمع بين عباس ونتنياهو وفاوض إيران سرا.. من هو جيك سوليفان؟

كان جيك سوليفان أحد الأعضاء الثلاثة للفريق الأمريكي المُفاوض سراً مع إيران على برنامجها النووي.

ميدل ايست نيوز: لا يحتاجُ جيك سوليفان إلى إعطاء شهادته أمام مجلس النواب الأمريكي، ولا إلى مصادقة مجلس الشيوخ لتثبيت تعيينه في منصب مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن كونه يُعدُّ من ضمن طاقم العاملين في “البيت الأبيض”.

يصفُ ستيفن هادلي، الذي عَمِلَ مستشاراً للأمن القومي للرئيس جورج دبليو بوش بين 2005 و2009 هذه الوظيفة بأنها “الأفضل في السياسة الخارجية في الحكومة، إذ يمكنك قضاء المزيد من الوقت مع الرئيس أكثر من أي عضو آخر في فريق الأمن القومي للرئيس. أنت أول شخص يرى الرئيس في الصباح عندما يحضر للعمل في المكتب البيضاوي، وآخر شخص يراه قبل أن يتّخذَ أي قرار رئيسي في السياسة الخارجية أو الأمن القومي”.

جيك سوليفان من خريجي جامعة ييل الأمريكية، حائز على شهادتيّ العلوم السياسية والقانون، وعلى ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة أوكسفورد البريطانية. وسيكون ابن الـ44 عاماً المستشار الأصغر سناً بين أقرانه ممن تولّوا هذا المنصب لعقود طويلة.

هو من برلينغتون ولاية فيرمونت ترعرعَ في مينيابوليس ولاية مينسوتا، وإلى مينسوتا عاد بعد دراسته الجامعية ليلتحق بمكتب للمحاماة بداية، ويعمل لاحقاً مستشاراً للسناتور إيمي كلوبوشار التي قدّمته إلى هيلاري كلينتون خلال ترشحها للمرة الأولى للانتخابات الرئاسية عام 2008 والتي خسرت فيها أمام باراك أوباما في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي. عندما عيّنها أوباما وزيرة للخارجية، كان سوليفان المدير الأصغر سناً لتخطيط السياسات في الخارجية. سافر برفقة رئيسة الدبلوماسية الأمريكية إلى 112 بلداً. وحين استقالت، بقي هو في الإدارة، وشغل منصب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس حينذاك جو بايدن. فالرئيس الجديد يعرف عن كثب الرجل الواقف على يمينه.

كان جيك سوليفان أحد الأعضاء الثلاثة للفريق الأمريكي المُفاوض سراً مع إيران على برنامجها النووي. سنوات ثلاث من المفاوضات السريّة في سلطنة عُمان بدأت صيف 2012 وانتهت صيف 2015 بتوقيع الاتفاق بين دول 5+1 وطهران حول وقف برنامجها النووي، وأفضى إلى رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عنها.

هو من المدافعين الشرسين عن الاتفاق الذي انسحب منه ترامب عام 2018. في رأيه أن الاتفاق لم يكن مثالياً لكنه جَمّـدَ طموح إيران النووي، وفرض قيوداً رقابية صارمة عليها لمنعها من امتلاك السلاح النووي. لا يرى أن الاتفاق تجاهل حلفاء واشنطن بل حَفِظَ وضَمِنَ أمن الجميع: الولايات المتحدة، ومصر، والخليج، وإسرائيل. وأتاح الاتفاق التركيز على أنشطتها الأخرى المتعلقة بالصواريخ الباليستية والإرهاب. يقول إن باراك أوباما أصرَّ على حصر التفاوض بالملف النووي لأن الأنشطة الأخرى لإيران تتطلب مشاركة الحلفاء. للمفارقة، يعتبرُ الإيرانيون أنهم فرضوا على أوباما التفاوض فقط على النووي دون غيره من المسائل التي تتضمّن منظومة صواريخهم وتمدّد نفوذهم في المنطقة.

وفي سِجل جيك سوليفان أيضاً مفاوضات لتحقيق اتفاق وقف النار بين حركة حماس في غزة وإسرائيل لقطع الطريق على اجتياح بَـرّي للقطاع، كان يراه حاصلاً. وفي جعبته كذلك جَـمْعُ الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في غرفة واحدة لدفع عملية السلام الفلسطينية – الإسرائيلية قدماً.

ثمّة محطة أساسية في تاريخ سوليفان، وهي وجوده إلى جانب كلينتون كمستشار سياسي أوّل في حملتها للانتخابات الرئاسية عام 2016 في مواجهة المرشح الجمهوري دونالد ترامب. تلك الانتخابات التي كانت استطلاعات الرأي فيها تؤكّد فوز المرشحة الديمقراطية، فإذا بمنافسها يُخالفُ كل التوقعات ليكون الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأمريكية الذي شكَّلَ علامة فارقة في تاريخ الرؤساء، وسيبقى كذلك لفترة طويلة.

هذه التجربة في الحملة الانتخابية الرئاسية لكلينتون جعلته يخوصُ غمار كل ما يتعلق بالسياسات الداخلية، من الرعاية الصحية إلى السيطرة على الأسلحة، إلى الهجرة. تقرأ بين سطور أقواله، ضمن تحقيق مطول لـ”بوليتيكو” عن الرجل الذي يحتل راهناً موقعاً متقدماً وحساساً في القرار ضمن دائرة الرئيس الضيّقة، أن ثمّة شيئاً تغيَّر لديه. لا يعزوه فقط إلى “الترامبية”، بل أيضاً إلى النقاشات السياسية ضمن الحزب الديمقراطي خلال الحملة الانتخابية لكلينتون، والتي لمسَ من خلالها مدى شعور جزء كبير من الطبقة العاملة بأن حكومتهم لا تعمل لصالحهم.

يُقرُّ بأنه لم يجلبْ إلى الطاولة في “البيت الأبيض” زمن أوباما أجندة المواطن العادي. ويقول: “عندما تقضي سنواتٍ في الإدارة تعمل على صفقة مع إيران، أو تعمل على إعادة التوازن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أو تعمل على قضايا تتعلق بعملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية، فهذا لا يعني أنك تغفل تماماً عمّا يحدث على الجبهة الداخلية، لكن تركيزك ينصبُّ أكثر على أشياءٍ أخرى”.

ما خرجَ به من خلاصة تتماهى مع رسالة بايدن السياسية تقوم على أن قوة السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة تكمن أساساً في الطبقة الوسطى الأمريكية المزدهرة، التي يتعرّض ازدهارها للخطر بسبب التهديدات العابرة للحدود التي تجاهلتها إدارة ترامب أو سَعَتْ للتقليل منها.

اليوم، في إدارة جو بايدن، فريق أَتى منذ سنوات وعَمِلَ لولايتين مع أوباما، ويتمُّ وصف هذه الولاية بأنها الولاية الثالثة للرئيس الأسود الأول في تاريخ الولايات المتحدة. سوليفان واحد من هؤلاء، وعلى تماسٍ مباشر مع الرئيس الجديد الذي عمل في حملته الانتخابية مستشاراً للسياسات الخارجية والأمن القومي.

ولكن، بين الولايتين الثانية والثالثة زمن مرَّ على أمريكا والعالم ليس كأي زمن، وسيفرض أولوياته بقوّة على صنّاع القرار في الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستجد نفسها غارقة في معالجات الأزمات الداخلية، ولا سيما وباء كورونا الذي توقّع بايدن أن يَحصدَ 600 ألف أمريكي ناهيك عن التداعيات الاقتصادية التي تتطلّب جهداً كبيراً ونمطاً جديداً في التفكير.

وربما من المفيد التوقف ملياً عند ما يردده سوليفان عن وجوب وضع حدٍ للتصوّر الخاطئ بأن السياسة الخارجية بعيدة ومنفصلة عن السياسات الداخلية. يقول في إحدى مقابلاته الصحافية بعد تعينيه مستشاراً للأمن القومي إنه “لا بدّ أن تكون هناك رؤية تجمع وتمزج بين مسارات السياسات الخارجية بما يتوافق مع السياسات اللوجستية الداخلية، وأن نتعلّم من التجارب السابقة في زمن إدارة أوباما”.

ويتابع: “في إدارة بايدن – هاريس سنسعى إلى أن نضع نصب أعيننا أن ما تقوم به الولايات المتحدة في ما يتعلق بسياساتها الخارجية في أي من دول العالم، يجب أن يكون هناك رابط في تصوراتنا حول انعكاساته على الشعب الأمريكي وعلى مسارات السياسات الداخلية على النحو ذاته أيضاً”. يشعرُ المرء أن هاجس المواطن الأمريكي بات هو العنصر الطاغي، وكأنها من مفاعيل “الترامبية” التي سيبقى شبحها حاضراً في خلفية أي قرار لهذه الإدارة.

لم يأتِ جيك سوليفان حتى اللحظة بأي مواقف مفاجئة من خارج السياق حيال القضايا المطروحة في السياسة الخارجية لبلاده. يدعو إلى العودة للاتفاق النووي بمفاوضات جديدة، وإلى المراكمة على “الاتفاق الإبراهيمي” بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. يرى أن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية سيمنع الجهود الدبلوماسية الأساسية لإنهاء الحرب، ويُعلن عن نيّة واشنطن مراجعة الاتفاق المبرم مع حركة طالبان الأفغانية، وضرورة صوغ سياسة متوازنة مع الصين تؤمّن علاقات مستدامة. بالنسبة إليه، فإن العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ وإلى منظمة الصحة العالمية أمر بديهي.

سيكون تواقاً لاستعادة المسار الذي كانت تسير عليه السياسات الأمريكية، لكنه يُدرك أن ذلك ما عاد كافياً ولا مفيداً البتة من دون نظرة جديدة ومختلفة. فعقارب الساعة لا تسير إلى الوراء. سيكون عليه وفريق عمل الرئيس “التفكير من خارج الصندوق”. يُقال: إن تلك صفة من صفاته.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية − ستة =

زر الذهاب إلى الأعلى