أزمة مياه محدقة بطهران

كانت مساقط المياه من جبال توجال، ومستجمعاتها، تغذي طهران بمياه الشرب، غير أنها لم تعد كافية لتلبية حاجات المدينة بعد اتساع مساحتها وزيادة عدد سكانها.

ميدل ايست نيوز: كانت مساقط المياه من جبال توجال، ومستجمعاتها، تغذي طهران بمياه الشرب، غير أنها لم تعد كافية لتلبية حاجات المدينة بعد اتساع مساحتها وزيادة عدد سكانها بشكل مطرد خلال العقود الأخيرة.

وحسب تقرير لموقع “العربي الجديد” اضطرت السلطات الإيرانية إلى بناء أول سد لتأمين مياه الشرب في عام 1961، ويُعرف بسد “كرج” أو “أمير كبير”، ثم بنت على مدار العقود الأربعة الماضية أربعة سدود أخرى للغرض نفسه. لكن منسوب المياه في تلك السدود تراجع خلال العقد الأخير من جراء شح الأمطار، وتفاقم الحال خلال العامين الماضيين.

وتتصاعد التحذيرات من أزمة مياه مرتقبة في العاصمة الإيرانية على خلفية التراجع الحاد في منسوب مياه السدود. وكشفت شركة “مياه طهران”، مطلع الشهر الجاري، عن عجز مائي بنسبة 258 مليون متر مكعب مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وتراجعت احتياطيات السدود إلى 375 مليون متر مكعب مع دخول السنة المائية الجديدة في فصل الخريف الذي بدأ يوم 23 سبتمبر/ أيلول الماضي.

الجفاف يضرب إيران.. لماذا تعاني 97% من مناطقها شُحّاً خطيراً بالمياه؟

ويقول المدير التنفيذي لشركة مياه طهران، يوسف رضا بور، إن حجم احتياطيات السدود الخمسة كان 633 مليون متر مكعب في هذه الفترة خلال العام الماضي، مشيراً إلى أن محافظة طهران سجلت 47.5 ملم فقط من نزول المطر في السنة المائية الجديدة حتى الآن. وأضاف أن هطول الأمطار سجل تراجعاَ بنسبة 52 في المائة بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي.
ويرى الخبراء أن أزمة المياه في العاصمة الإيرانية “جدية”، وإن لم يتم التفكير بحلول عاجلة لها فإنها ستتحول إلى مشكلة أساسية خلال السنوات القليلة المقبلة، وحينها سيكون من الصعب إيجاد حلول، وفق تقرير لوكالة “إيسنا” الإيرانية.

ورصد التقرير أنّ سبب هذه الأزمة التراجع الحاد في هطول الأمطار، إذ سجلت السنة المائية الماضية انخفاضاً بنسبة 34 في المائة مقارنة مع السنة المائية التي سبقتها، الأمر الذي أدى إلى تراجع منسوب المياه في السدود الخمسة بنحو 40 في المائة، حسب بيانات شركة مياه طهران، والتي حذرت من مخاطر مستقبلية على الوضع المائي، مشيرة إلى أن الأمطار تراجعت خلال السنة المائية الأخيرة بمقدار نحو 97 في المائة، وهو تراجع قياسي لم يتم تسجيله منذ 53 عاماً.

وفضلاً عن العوامل الجوية والبيئية، ثمة عوامل بشرية وراء أزمة المياه في طهران، من بينها حجم الاستهلاك الكبير، فحسب البيانات، يستهلك كل مواطن في العاصمة يومياً 240 لتراً من المياه، بينما يبلغ معدل استهلاك المياه الوطني نحو 200 لتر، الأمر الذي يجعل طهران الأكثر استهلاكاً للمياه على مستوى البلد.

ورفعت جائحة كورونا من معدل استهلاك المياه في طهران بشكل كبير، ويؤكد المدير التنفيذي لشركة المياه والمجاري الصحية في العاصمة، محمد رضا بختياري، أن تفشي كورونا رفع استهلاك المياه إلى أكثر من ثلاثة ملايين متر مكعب يومياً، بزيادة من 10 إلى 15 في المائة مقارنة مع ما قبل الجائحة.

وتكرر تقارير الخبراء أنّ طهران مقبلة على أزمة مياه إن لم يحالفها الحظ لتستعيد جزءاً من مخزونها السابق من المياه خلال موسم الأمطار من الخريف حتى نهاية الربيع، لكنّ تقارير الأحوال الجوية تشير إلى أنّ البلاد، بما فيها طهران، لا تنتظر هطول أمطار غزيرة خلال هذه السنة المائية، ما يزيد من المخاوف التي تتزامن مع انخفاض لافت ومستمر في الاحتياطيات المائية، ما دفع السلطات الإيرانية إلى التحذير من أنّها قد تضطر إلى فرض ترشيد الاستهلاك خلال الصيف المقبل.

وتصنف مناطق إيران على أنّها جافة وشبه جافة، ويتهدد الجفاف البلاد منذ عقود من جراء تعرضها لتغييرات مناخية، نتيجة عوامل بيئية فاقمتها أخطاء بشرية (مثل سوء إدارة الموارد المائية) وتراجع هطول الأمطار فيها إلى قرابة 300 ملم سنوياً، بينما يصل المعدل العالمي إلى 830 ملم، ما تبعه انخفاض حاد في مخزون المياه الجوفية، وزاد الجفاف من التصحر لتجفف أنهار وأهوار، كما خلف هجرة داخلية باتجاه المحافظات الشمالية المطلة على بحر قزوين.

طهران تعاني أسوأ جفاف منذ نصف قرن

ونقلت وكالات أنباء إيرانية، مؤخرا، عن السلطات المائية، قولها إنّ احتياطيات السدود تراجعت إلى أقل من 40 في المائة من قدراتها الاستيعابية، لتنخفض إلى 18 مليار متر مكعب.

وتعاني مدن ومناطق إيرانية من أزمة مياه منذ سنوات، خصوصاً محافظات سيستان وبلوشستان، ويزد، وكرمان، وخوزستان، الأمر الذي أشعل احتجاجات في محافظة خوزستان خلال يوليو/ تموز الماضي، استمرت لأكثر من أسبوع، وطاولت مدناً في محافظتي أصفهان، ولرستان.

وعادت الاحتجاجات إلى الواجهة، خلال الشهر الماضي في مدينة أصفهان، ونظم المزارعون المحتجون خيم اعتصام لأكثر من أسبوعين وسط تنظيم تجمعات على ضفة نهر “زاينده رود” التاريخي التي ضربها الجفاف.

ولا تمتلك الحكومة الإيرانية حلولاً سحرية لأزمة المياه التي تعاني منها البلاد وسط توقعات باشتدادها خلال العقود المقبلة، إذ صنّف معهد الموارد العالمية في عام 2016، إيران في المرتبة الـ13 بين الدول التي سوف تعاني من نقص حاد في المياه بحلول عام 2040.

وبينما غالبية الحلول مرتبطة بهطول الأمطار، يؤكد الخبراء أنّ العوامل البشرية والإدارية فاقمت الأزمة بشكل كبير، وأنّ الحكومة يمكنها اتخاذ إجراءات تحد من تداعيات الأزمة.

وفي الإطار، وجه أكثر من 500 أكاديمي وخبير في مجال المياه رسالة إلى رؤساء السلطات الإيرانية الثلاث، في يوليو/تموز الماضي، دعوهم فيها إلى تغيير طريقة إدارة المصادر المائية، موجهين انتقادات للطريقة التي تدار بها هذه المنابع حالياً.

ودفع الجفاف وأزمة المياه السلطات في مدن إيرانية إلى البحث عن حلول، واتخاذ تدابير في مواجهتها، منها التخطيط لنقل مياه بحر عمان والخليج في الجنوب إلى مناطق الشرق والوسط، بعد تحليتها، ودشن الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، في مارس/آذار الماضي، مشروعاً لنقل مياه الخليج وبحر عمان، عبر أربع مراحل، إلى 7 محافظات هي هرمزكان، وكرمان (جنوب)، وخراسان الرضوية والجنوبية (شرق)، ويزد، وأصفهان (وسط)، وسيستان، وبلوشستان (جنوب شرق).

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − 9 =

زر الذهاب إلى الأعلى