اتفاق طويل الأمد بين روسيا وإيران.. هل يمهِّد ذلك لبناء تكتُّل مناهض لواشنطن؟

في السنة الأخيرة واصلت روسيا وإيران تعزيز علاقاتهما السياسية، وهما الخصمان اللدودان لواشنطن وشركاء في التعرض لعقوباتها.

ميدل ايست نيوز: التقى فلاديمير بوتين في الكرملين بالرئيس الإيراني الجديد لأول مرة، إبراهيم رئيسي يوم الأربعاء 19 يناير/كانون الثاني 2022، في وقت تلتقي فيه مصالح البلدين على عداء الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من خلافاتهما في ملفات أخرى. فماذا وراء هذه الزيارة التي وصفها رئيسي بـ”نقطة تحول للعلاقات بين البلدين”؟ وهل تنجح روسيا وإيران ببناء تكتل اقتصادي وعسكري في مواجهة أمريكا وعقوباتها؟

تعكس زيارة رئيسي للكرملين العلاقات القوية بين موسكو وطهران، وفي السنة الأخيرة واصلت روسيا وإيران تعزيز علاقاتهما السياسية، وهما الخصمان اللدودان لواشنطن وشركاء في التعرض لعقوباتها.

وفي المفاوضات في فيينا حول العودة إلى تطبيق الاتفاق النووي، التي بدأت بعد دخول الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض، كان الموقف الروسي هو الأكثر قرباً إلى إيران مقارنة مع مواقف الدول الأخرى المشاركة في المفاوضات.

إضافة إلى ذلك، أظهرت روسيا التسامح تجاه طموحات إيران المستمرة في مجال تخصيب اليورانيوم ومراكمة الاحتياطي لها، رغم أنها تطلب من طهران التوقف عن ذلك. وتظهر روسيا تشاؤمها بخصوص القدرة على التوصل إلى تفاهمات مع إيران حول تقييد قدرتها الصاروخية أو سياستها الإقليمية، لذلك، تعارض موسكو مطالبة أمريكا تضمين هذه المسألة للاتفاق الذي يتم بحثه في فيينا.

وفي ظل هذه التشابكات، تهدف زيارة رئيسي لموسكو والتي استمرت لمدة يومين إلى إبراز الروابط المتينة بين دولتين لهما مصالح متباينة في كثير من الأحيان وتاريخ من العلاقات المتوترة، ولكن، بشكل متزايد، جنباً إلى جنب مع الصين ضد خصم واحد، وهو الولايات المتحدة.

ونقلت وكالة TASS الروسية عن إبراهيم رئيسي، قوله إن زيارته لموسكو تعد “نقطة تحول في العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين إيران وروسيا، وقد تكون فعالة أيضاً في تأمين العلاقات الأمنية والاقتصادية والتجارية في المنطقة”.

بالنسبة لبوتين، المتورط في نزاع مع الولايات المتحدة حول مناطق النفوذ ويواجه عقوبات قاسية إذا تابع غزواً مهدداً لأوكرانيا، فقد كانت زيارة رئيسي لموسكو فرصة لإظهار أن لروسيا أصدقاء يمكنها الاتصال بهم في معاركها مع الغرب. وتماشياً مع هذه الرسالة، اشتملت الزيارة كلمة السيد رئيسي في مجلس النواب الروسي، وهو “شرف نادر لزعيم زائر”، كما تصف ذلك صحيفة nytimes الأمريكية.

وتشارك إيران، التي يعاني اقتصادها بالفعل بسبب العقوبات الأمريكية، في مفاوضات دقيقة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015. ومع ذلك، أعرب رئيسي عن دعمه الضمني لبوتين في أوكرانيا، وأكد وزير الخارجية الإيراني أن الرئيسين اتفقا على “إطار” اتفاق يحكم زيادة التعاون الاقتصادي والعسكري.

ومع ذلك، لم يتم توقيع أي صفقات علناً، ولا يزال مدى استعداد الكرملين لبيع إيران المزيد من الأسلحة الروسية الحديثة التي طالما سعت إليها طهران غير واضح. ولكن إلى جانب التدريبات البحرية المقبلة التي ستضم سفناً حربية من روسيا وإيران والصين، بدا أن الكرملين عازم على إرسال رسالة مفادها أنه يواصل تعزيز العلاقات الجديدة التي يمكن أن تكون بمثابة ثقل موازن للغرب. وتشير إيران أيضاً إلى أن لديها أيضاً بدائل إذا لم يتم رفع العقوبات الغربية.

وقال بوتين لرئيسي خلال لقائهما في موسكو: “على الساحة الدولية، نتعاون بشكل وثيق للغاية”، مشيراً إلى الأزمات في سوريا وأفغانستان، وتعهد بتقريب إيران من الكتلة التجارية التي تقودها روسيا والمعروفة باسم الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

تجاوز الخلافات بين روسيا وإيران

بالطبع، لا تزال هناك مجموعة من الخلافات بين روسيا وإيران بسبب تضارب المصالح، وهو الأمر الذي تؤثر على قدرة الدولتين على تعميق العلاقات بينهما. والتشكك العميق تجاه روسيا في القيادة العليا في إيران تحقق بتسريب لتسجيل صوتي في شهر نيسان/أبريل 2021، اتهم فيه وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف، روسيا بمحاولة إفشال التوصل إلى الاتفاق النووي في العام 2015.

كما أن الإيرانيين غضبوا من أن وزير الخارجية الروسي لافروف، وفي رحلة له إلى دول الخليج في آذار/مارس 2021، أعلن في الدوحة عن إنشاء إطار سياسي جديد يشمل روسيا وقطر وتركيا، حيث قلقت طهران من القفز عنها بهذه الطريقة في هذه الرحلة، وأيضاً بسبب أن إقامة هذا إطار للدفع قدما بتسوية سياسية في سوريا، قد يأتي على عكس ما تريده طهران.

كما أن العلاقات الروسية الآخذة في التوطد مع دول الخليج ومع إسرائيل (خاصة التسليم بالهجمات ضد أهداف إيرانية في سوريا)، تعتبر مناقضة للمصالح الأمنية الإيرانية.

وعلى الرغم من سنوات من العقوبات، لا يزال الاقتصاد الروسي، على عكس إيران، مندمجاً بشكل وثيق مع الغرب. عمل بوتين على تعزيز العلاقات الوثيقة مع إسرائيل، التي يعتبرها الإيرانيون عدواً. وفي فيينا، تعمل روسيا مع الولايات المتحدة وأوروبا لمحاولة إحياء المفاوضات المتعثرة بشأن استعادة الاتفاق الذي يقيد برنامج إيران النووي.

لكن مع اشتداد الصراع بين روسيا والغرب، أصبح المسؤولون الروس على استعداد متزايد لتجاوز هذه الاختلافات. حول ذلك يقول جريجوري لوكيانوف، الباحث المتخصص العلاقات الدولية في موسكو، إن المسؤولين الروس أصبحوا أكثر انسجاماً في السنوات الأخيرة مع الموقف المعادي للغرب الأكثر حدة لبعض نظرائهم الإيرانيين. وتحدث رئيسي، لصالح علاقات أوثق مع روسيا على الرغم من شكوك الجمهور الإيراني.

ويضيف لوكيانوف عن زيارة رئيسي لموسكو لصحيفة نيويورك تايمز: “هذه الزيارة ليست موجهة إلى الجمهور المحلي في كلا البلدين، ولكن الأهم من ذلك كله، تجاه الغرب.. يوجد الآن المزيد من المؤيدين في القيادة الروسية لتبني نهج إيران الراديكالي، والذي كان يعتبر غير مقبول في روسيا قبل بضع سنوات”.

“اتفاق طويل الأمد” يشمل التعاون العسكري والاقتصادي

وعززت رئاسة رئيسي قوة الجناح الذي انتقد الحكومة الأكثر اعتدالاً السابقة للرئيس حسن روحاني باعتبارها متوائمة للغاية مع الغرب، مما يجعل إيران الآن أقرب إلى الموقف الروسي ويفتح صفحة جديدة لصنع تحالف أقوى.

بعد اجتماع الأربعاء في الكرملين، نشر وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على تويتر، أن الرئيسين “اتفقا على إطار طويل الأمد”. وأضاف: “دخلت العلاقات بين طهران وروسيا مساراً جديداً وديناميكياً وسريع الخطى، تعاون ممتاز سيبدأ في هذه المرحلة الجديدة من العلاقات”.

يقول المسؤولون الإيرانيون إن اتفاقية التعاون الجديدة والتي سلمها رئيسي لبوتين يوم الأربعاء، سيكون مدتها 20 عاماً، وهي تركز على نقل التكنولوجيا من روسيا، وشراء المعدات العسكرية الروسية والاستثمارات الروسية في البنية التحتية للطاقة الإيرانية. وقالت إيران إن الاتفاق سيُصاغ على غرار اتفاق اقتصادي وأمني شامل تم توقيعه في سبتمبر/أيلول الماضي بين إيران والصين. وبموجب هذا الاتفاق، ستستثمر الصين ما يقرب من 400 مليار دولار في مجموعة واسعة من المشاريع في إيران مقابل النفط المخفض لمدة عقدين.

وقال محمود الشوري، نائب مدير معهد الدراسات الإيرانية والأوراسية في طهران، في مقابلة عبر الهاتف لصحيفة نيويورك تايمز: “نحن نسعى بالتأكيد إلى اتفاقية طويلة الأمد مع روسيا، لأنها ضرورة، لكن الأهم من الشراكة الاقتصادية مع روسيا هو التحالف العسكري والاستخباراتي”.

في روسيا، يعتقد العديد من المحللين أن احتمال زيادة التعاون العسكري الروسي مع الخصوم الأمريكيين الآخرين هو إحدى أفضل نقاط نفوذ الكرملين ضد واشنطن. وفي إشارة واضحة على ذلك، نقلت وكالة رويترز عن وزارة الدفاع الروسية أن سفناً حربية من الأسطول الروسي في المحيط الهادئ دخلت يوم الثلاثاء 18 يناير 2022 ميناء تشابهار الإيراني على خليج عمان قبل مناورة بحرية مشتركة مزمعة مع إيران والصين تنطلق اليوم الجمعة.

أخيراً، فإن أي تصاعد للخلافات بين روسيا والغرب يصب في مصلحة إيران بشكل كبير، كما أن موسكو لا تتوقف عن دعم أجندة طهران في مفاوضاتها حول الاتفاق النووي الجديد، وستستغل روسيا أي فرصة لتوطيد حضورها العسكري والاقتصادي لدى إيران التي لا تزال هوة الخلافات بينها وبين واشنطن تتسع.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
عربي بست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية − ستة =

زر الذهاب إلى الأعلى