تحذير فرنسي من تبعات عدم التوقيع على الاتفاق النووي

عرض مصدر رسمي فرنسي رفيع المستوى جملة من الدوافع التي تجعل السلطات في إيران حذرة من السير في المفاوضات حتى النهاية.

ميدل ايست نيوز: بعد مرور 3 أيام على عودة المفاوض الأوروبي أنريكي مورا من طهران، عقب يومين من المحادثات مع مسؤولي الملف النووي الإيراني، لم تصدر عن أي جانب من الجانبين الأوروبي والإيراني أي معلومات أو تسريبات توفر سبباً للتفاؤل الذي عبّر عنه مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يوم الجمعة الماضي؛ حيث اعتبر أن المفاوضات «أعيد فتحها» وأنها حصلت «بشكل إيجابي جداً».

كذلك ليس في الأفق ما يشير إلى موعد ما لمعاودة المفاوضات في فيينا التي توقفت منذ أكثر من شهرين. ومرة أخرى، رأى بوريل أن ملف «الحرس الثوري» يمثل العقدة الرئيسية، وسبق له أن اقترح «حلاً وسطاً» لم يفهم ما إذا كان المفاوض الإيراني قد قبله أو قبل مناقشته بديلاً عن مطلب طهران المتكرر بإخراج «الحرس الثوري» من اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية ــ وذلك حسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط.

بيد أن تفاؤل بوريل، المفترض به أن يكون الناطق باسم الإجماع الأوروبي، لا يبدو حقيقة أنه التصور الغالب لدى العواصم الأوروبية المعنية بالملف النووي.

ففي لقاء مع مجموعة ضيقة من الصحافيين، قدّم مصدر رسمي فرنسي رفيع المستوى قراءة أقل تفاؤلاً لمسار العملية السياسية، عارضاً جملة من الدوافع التي تجعل السلطات في إيران حذرة من السير في المفاوضات حتى النهاية والتوصل إلى اتفاق معدل لاتفاق 2015، ومحاولة إيجاد الأعذار للمماطلة وكسب الوقت.

بداية، تؤكد باريس، وهي إحدى العواصم الأوروبية الثلاث الموقعة على اتفاق 2015، والمشاركة في مفاوضات فيينا أوروبياً «إلى جانب لندن وبرلين»، أن «نص الاتفاق جاهز» للتوقيع وأن السير به أو إعاقته مسألة يحسمها الجانب الإيراني الذي يمتلك مفتاح الحل والربط، مضيفاً أنه حان الوقت أن تقول أعلى السلطات في طهران كلمتها النهائية، وأن تتخذ قراراً يضع حداً للمراوحة.

وتأخذ باريس، ومعها العواصم الغربية، على إيران أنها «تبتز المفاوضات» عبر إدخال عنصر غريب عنها، وهو ملف «الحرس الثوري» والعقوبات المفروضة عليه.

وبحسب المصدر الدبلوماسي المشار إليه، فإن طهران تعي سلفاً أن الإدارة الأميركية الحالية لا تستطيع التجاوب مع الرغبة الإيرانية، وأنها ستواجه صعوبة مؤكدة في الكونغرس لتمريره، وبالتالي فإن الإصرار عليه رغم أنه ليس جزءاً من اتفاق العام 2015 من شأنه عرقلة التوصل إلى اتفاق نهائي.

بيد أن باريس ترى أن هناك عاملاً آخر يلجم الاندفاع نحو الاتفاق. والمقصود بذلك أن العودة إلى الاتفاق مع التعديلات التي أدخلت عليه ستطلق دينامية انفتاح جديدة وتطبيع تدريجي بين إيران والعالم الخارجي. الأمر الذي من شأنه أن يغيّر التوازنات السياسية والاجتماعية الداخلية في إيران.

ولذا، تعتبر باريس أن تحولات انفتاحية من هذا النوع تربك وتثير مخاوف الفئات الأكثر تشدداً في المجتمع الإيراني، التي تمسك حالياً بالسلطة. ولذا يمكن اعتبار أنه «لا مصلحة لها» اليوم في ركوب مثل هذه المخاطر مخافة تفلت الوضع من يديها. وبكلام آخر، فإن العودة إلى الاتفاق، التي تعني رفع العقوبات وتمكين إيران من بيع نفطها بحرية كاملة والتصرف بعائداته والتجاوب مع المطالب المتعددة التي يرفعها المتظاهرون، قد يكون لها مفعول عكسي.

وتجدر الإشارة إلى أن الفلسفة الأميركية التي كان الرئيس الأسبق باراك أوباما يروّج لها كانت قائمة على اعتبار أن ربط إيران بالعربة الاقتصادية والتجارية العالمية، وإعادة دمجها في المجتمع الدولي، بعد أن كانت «دولة مارقة»، سيُحدث تغيرات جذرية تحديثية في المجتمع الإيراني. الأمر الذي لم يحصل حقيقة.

ثمة عناصر إضافية تشير إليها مصادر رسمية أوروبية لتفسير التردد الإيراني. أولها أن إيران تكسب الوقت لدفع برنامجها النووي إلى الأمام، وهي ترى في ذلك وسيلة ضغط إضافية ستلزم الطرف الأميركي والغربيين بشكل عام بالتجاوب في لحظة ما، مع مطالبها لتلافي تمكن طهران من التحول إلى قوة نووية، أو أن تتوصل، على الأقل، إلى ما يسمى العتبة النووية.

كذلك تعتبر هذه المصادر أن تقديرات الطرف الإيراني أن الحرب الروسية على أوكرانيا، التي لن تنتهي بين ليلة وضحاها، بل هي مرشحة للاستمرار شهوراً، إن لم يكن أكثر من ذلك، تمنح طهران فرصة زمنية إضافية، وتشيح الأنظار عن التطور المتسارع لبرنامجها النووي، وتبعد عنها شبح الحرب، انطلاقاً من مبدأ أن واشنطن لا يمكن أن تتعامل في وقت واحد مع جبهتين «أوكرانيا وإيران».

إلا أن المصدر الدبلوماسي الفرنسي عاد ليحذر السلطات الإيرانية من أن الإخفاق في السير بالمفاوضات إلى خواتيمها، ستنشأ بسببه أوضاع جديدة، عنوانها السير نحن تصعيد كبير.

وإذا كان المصدر الفرنسي امتنع عن الخوض في تفاصيل ما يعنيه، فإن كلامه واضح بما فيه الكفاية، ليفهم منه أن واشنطن والغربيين بشكل عام وقوى إقليمية شرق أوسطية لن تترك لإيران الحبل على الغارب، وأن إمكانات عرقلة برنامجها النووي لا تعني بالضرورة توجيه ضربات عسكرية مباشرة له، بل ثمة وسائل أخرى لا تقل فاعلية، مثل فرض عقوبات مالية واقتصادية جديدة وإخراج النظام المالي الإيراني من الدورة العالمية، وصولاً إلى العمليات الإلكترونية والميدانية، حتى الحرب المباشرة.

ولتجنيب المنطقة والعالم هذا النوع من التطورات المأساوية، تدعو باريس المسؤولين الإيرانيين إلى اغتنام الفرصة المتاحة، التي لن تكون كذلك إلى الأبد، والسير بالاتفاق وتوقيعه. ويعد الجانب الفرنسي أن فوائد جمة لطهران، تستطيع جَنيها منه، أولها تمكينها من الاستجابة لمطالب شعبها المستمر في التظاهر، وأحياناً القيام بـ«أعمال شغب» احتجاجاً على الأوضاع المعيشية وتدهور القدرة الشرائية. فهل تقتنص إيران الفرصة؟ الجواب في قابل الأيام.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 + 5 =

زر الذهاب إلى الأعلى