جورج فريدمان: كيف ستتغير خريطة توازنات القوى العالمية؟

الصين وروسيا أصبحتا في حالة من الضعف بعد الحرب الحالية والمتاعب الاقتصادية في الصين وهو ما يجعل الولايات المتحدة القوة المهيمنة في العالم.

ميدل ايست نيوز: نشر موقع «جيوبوليتيكال فيوتشرز» تحليلًا لجورج فريدمان، مؤسس الموقع، وهو من خبراء السياسية الدولية الذين توافقت الأحداث مع توقعاتهم في السابق، حول خريطة توازنات القوى العالمية والموقف الحالي في ضوء الحرب الروسية على أوكرانيا وإعلان الولايات المتحدة أنها ستدافع عن تايوان إذا ما تعرضت للهجوم من قبل الصين وحذو اليابان حذو الولايات المتحدة.

ويرى الكاتب أن الصين وروسيا أصبحتا في حالة من الضعف بعد الحرب الحالية والمتاعب الاقتصادية في الصين وهو ما يجعل الولايات المتحدة القوة المهيمنة في العالم. ويتوقع الكاتب كذلك بروز اليابان في آسيا بصفتها قوة مهيمنة تحل محل الصين وبروز أيرلندا في أوروبا كما يتوقع صعود تركيا.

ويستهل الكاتب تحليله بقوله: قالت الولايات المتحدة مؤخرًا إنها ستدافع عن تايوان في حالة غزو الصين لها. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن اليابان، وهي دولة لم تقم بأي عمل عسكري منذ عام 1945، قالت الشيء نفسه. وهذا لا يغير كثيرًا من الناحية العسكرية – فالصواريخ الأمريكية ستهاجم الزحف الصيني البرمائي بوحشية قبل أن يصل حتى إلى شواطئ تايوان، وهذا هو السبب في أن بكين تتحدث كثيرًا عن الغزو دون أن تقوم به بالفعل. لكن هذا يغير البيئة السياسية تغييرًا كبيرًا.

الصين ستصبح أقل قدرة على المنافسة

يوضح الكاتب أن هناك أسبابًا لضعف قدرة الصين على المنافسة، ليس أقلها التداعيات الاقتصادية. ولا تتمتع واشنطن وطوكيو باثنين من أكبر الاقتصادات في العالم فحسب، بل إنهما من أبرز عملاء الصينيين الرئيسين تجاريًّا. ويقترن التحذير العسكري ضمنيًّا بتحذير اقتصادي. ومما يزيد الأمر تعقيدًا إعلان ما تسميه واشنطن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والذي سيشمل ظاهريًّا اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والهند وسنغافورة وماليزيا وإندونيسيا وفيتنام والفلبين وتايلاند وبروناي. وليس من الواضح ما الذي ستفعله هذه المجموعة، ولا متى ستفعله. والأمر الواضح أن هناك كثيرًا من الدول الآسيوية التي ترغب في المشاركة في تجمع اقتصادي ترعاه الولايات المتحدة بالأساس، وتكون اليابان أول عضو فيه.

ويشير الكاتب إلى أن هذه ليست قضية صغيرة لأن الصين في (ورطة) اقتصادية، والرئيس شي جين بينغ في ورطة معها. واعتمدت المعجزة الاقتصادية الصينية على الصادرات لتوليد رأس المال المحلي. ولكن لأسباب متنوعة، يتقلص الطلب على صادراتها، الأمر الذي اجتمع مع قضايا أخرى لزعزعة استقرار النظام المالي الصيني. إن الهند حريصة على احتلال مكانة الصين بصفتها أكبر مُصدِّر في العالم، وتودُّ ماليزيا وإندونيسيا وفيتنام والفلبين وتايلاند أيضًا أن تأخذ جزءًا من الكعكة. لذلك، إذا منح إطار العمل أيًّا منها وصولًا حرًّا أو أكثر حرية إلى الأسواق الأمريكية واليابانية، فستصبح الصين أقل قدرة على المنافسة.

ويضيف فريدمان: لكن أصل مشكلة الصين كان سياسيًّا، إذ كانت الولايات المتحدة أكبر عميل تجاري لها (ولا تزال كذلك ولكن ليس بالقدر نفسه)، وقد أضر ذلك بمجموعة من الفئات الاجتماعية في الولايات المتحدة. وفرض الرئيس السابق دونالد ترامب تعريفات جمركية على البضائع المبيعة للولايات المتحدة، مما يشير إلى تحول لدى الولايات المتحدة وتحويل السيكولوجية الداخلية الصينية للصادرات غير المحدودة إلى كيفية التعامل مع احتمالية انكماش الصادرات. وعلى المدى الطويل، كانت هذه أزمة ثقة قوَّضت النظام المالي الصيني، لأنه كان قائمًا على العقارات، والتي يجب أن تستقر مع ألم إعادة الهيكلة الاقتصادية. وهذا بدوره يُوجِد أزمة سياسية تؤدي إلى حكام جدد أو مزيد من القمع على يد الحكام القدامى.

توازنات القوى العالمية ضد الصين

يشير الكاتب إلى أن هناك الآن (بندقيتين) موجَّهتين ضد الصين. إحداهما عسكرية، وتتضمن الحوار الأمني ​​الرباعي لليابان والهند وأستراليا والولايات المتحدة. والأخرى اقتصادية، وتشكل تحديًا خطيرًا لإستراتيجية التصدير الصينية قبل أن تكون مستعدة للتحول إلى الاستهلاك المحلي. ويمكن للحروب أن تحل المشكلات الاقتصادية كما فعلت الحرب العالمية الثانية للولايات المتحدة. ومن غير المرجح أن يبدأ التحالف العسكري المصطف ضد الصين حربًا، في حين أن بكين قد تواجه تحالفًا خطيرًا إذا بدأت هي حربًا بنفسها. والبندقيتان تدعمان بعضهما بعضًا.

وبحسب فريدمان يحدث هذا في الوقت نفسه الذي تشتد فيه الحرب الروسية الأوكرانية. وقد اختارت روسيا غزو أوكرانيا بافتراض أن أوكرانيا ستنهار. ولم يحدث هذا الانهيار، وكان ذلك في المقام الأول بسبب عمليات ضخ الأسلحة الهائلة التي يجرى إرسالها لدعم أوكرانيا، بالإضافة إلى الضربة الاقتصادية لروسيا.

ويضيف الكاتب: يواجه التهديد العسكري الصيني الآن مواجهة عسكرية متزايدة القوة. والصين أيضًا معزولة على نحو متزايد. وقبل أشهر، شكَّلت الصين تحالفًا من نوع ما مع روسيا. ولم يكن من الواضح أبدًا كيف سيفيد هذا التحالف أيًّا من الدولتين، لكننا الآن لن نعرف أبدًا، بسبب الغزو الروسي غير الناجح لأوكرانيا حتى الآن. ولم تعد الصين قادرة على مساعدة روسيا سياسيًّا أو اقتصاديًّا، ولا تستطيع روسيا مساعدة الصين عسكريًّا.

أمريكا والعودة إلى المشهد

ويلفت الكاتب إلى أن المحصلة لكل هذا هي أن الولايات المتحدة عادت للظهور بوصفها قوة مهيمنة عالمية، على الرغم من أنها لم تختفِ أبدًا. وأجبر نمو روسيا والصين الولايات المتحدة على الوصول إلى المركز الذي وصلت إليه بين عامي 1945 و1991، لكن هذا النمو نفسه جعل موسكو وبكين عرضة للخطر. والولايات المتحدة منخرطة الآن مع روسيا والصين، وحسبما يتطلب الأمر، مع أوروبا.

يقول الكاتب: وهذا شيء توقُّعته في عام 2009، حين قلت إن روسيا ستهاجم أوكرانيا، حتى لو كنت مخطئًا بشأن توقيت الغزو ومدى نجاح روسيا في ذلك. لقد توقَّعت أيضًا أن تؤدي الحرب إلى أزمة داخلية، وفي غضون ذلك، ستؤدي الأزمة الاقتصادية في الصين إلى أزمة سياسية، مما يجعل الولايات المتحدة القوة المهيمنة الفعلية في العالم.

ويختتم الكاتب تحليله قائلًا: والآن بعد أن تحقق كثير مما كتبته، أريد أن أبدأ في التركيز على المجموعة التالية من توقعاتي خلال العشرة الى العشرين عامًا المقبلة: ظهور بولندا بوصفها قوة رائدة في أوروبا، وعودة اليابان إلى الظهور بوصفها قوة آسيوية مهيمنة، وصعود تركيا. وهذه الحرب تجعل من بولندا قوة عسكرية مهمة وصانع قرار في أوروبا. لقد اعترفت اليابان الآن بأنها قوة عسكرية واقتصادية في الوقت نفسه، ومع إضعاف الصين، ستكون اليابان قوة آسيوية حاسمة. ويبدو توقُّعي بشأن تركيا (سيئًا)، لكني أتمسك به.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
ساسة بست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى