كيف يمكن التغلب على ثلاث عقبات أمام الاتفاق النووي مع إيران؟

توقفت المحادثات، وزادت حدة التوترات بين إيران والغرب حول القضايا النووية، بجانب التصعيد الخطير بين إيران وإسرائيل.

ميدل ايست نيوز: يبدو أن تواطؤاً ضمنياً بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن والإيرانيين على تجميد المفاوضات النووية الإيرانية بسبب أغراض سياسية لدى الطرفين، ولكن هذا التجميد ينذر بتعرض منطقة الشرق الأوسط لأزمة خطيرة قد تنتقل تبعاتها لبقية العالم.

وخلال المحادثات التي عُقدت في العاصمة النمساوية فيينا في شهر مارس/آذار من العام الحالي، أحرزت أطراف المفاوضات تقدماً كبيراً نحو إعادة إيران والولايات المتحدة مرة أخرى إلى الالتزام بالاتفاقية.

لكن الاتفاق يواجه خطر التفكك. توقفت المحادثات، وزادت حدة التوترات بين إيران والغرب حول القضايا النووية، بجانب التصعيد الخطير بين إيران وإسرائيل. يمكن لتنامي انعدام الثقة بين الغرب وإيران أن يقود كلا الطرفين إلى سوء التقدير، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

وخرج مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في الأيام الماضية متوجهاً إلى طهران لبذل محاولة أخيرة تستهدف إنقاذ الاتفاق النووي مع إيران.

وعقد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان خلال الأيام الأخيرة محادثات رفيعة المستوى مع نظيريه الصيني والروسي حول مصير الاتفاق النووي، الذي يُعرف رسمياً بخطة العمل الشاملة المشتركة. ولعل زيارة بوريل نجحت في خلق الزخم الدبلوماسي المطلوب لإنهاء الجمود الحالي، وتفادي مزيد من التصعيد.

وحتى الآن، وبرغم جهود الدبلوماسية المكوكية المستمرة من جانب الاتحاد الأوروبي، عجزت أطراف المفاوضات عن حل أصعب قضية معلقة بين طهران وواشنطن، التي تتمثل في تصنيف الحرس الثوري الإيراني بأنه منظمة إرهابية أجنبية. في الوضع الراهن، لا يرجح أن تتوصل الولايات المتحدة وإيران إلى أية اتفاقية بناء على خطوات متبادلة تصر إدارة بايدن على أنها ضرورية لإلغاء التصنيف.

وبرغم ضبابية المشهد وتعثر القدرة على استشراف المستقبل، ثمة بعض الإشارات التي تدل على أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تستطيعان الوصول إلى حلول ابتكارية لحالة التوقف الراهنة، من خلال تجاوز قضية تصنيف الحرس الثوري للنظر إلى البوادر الأخرى التي قد تعيد الاتفاق النووي. ولتحقيق هذا الأمر، تحتاج كلتا الإدارتين إلى رفع ثلاث عقبات رئيسية.

تتعلق الإشكالية الرئيسية لدى طهران من ناحية العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، بالأمور السياسية أكثر من تعلقها بالجوانب الاقتصادية. لدى قادة طهران القليل من الثقة في أن عودة الاتفاق النووي ستكون مستقرة وراسخة؛ لأنهم أدركوا- بعد تجاربهم في التعامل مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب- أنه ليست هناك إدارة أمريكية قادرة على إجبار الإدارة التي تخلفها على الالتزام بالاتفاقية.

والآن في ظل سيطرةٍ كاملةٍ للفصائل المحافظة على الحكومة والبرلمان والقضاء في طهران، ليست لدى القادة الإيرانيين رغبة في المخاطرة بسمعتهم عن طريق عقد اتفاقية أخرى مع واشنطن. الأهم من هذا، أن المرشد الأعلى علي خامنئي سوف يواجه كارثة سياسية إذا ارتُئي أنه خُدع عن طريق الولايات المتحدة مرة أخرى، ولا سيما في وقت ربما يشهد عملية انتقالية لاختيار خليفته.

أنهى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في أبريل/نيسان 2019، الإعفاءاتٍ الممنوحة لثماني دول من العقوبات الأمريكية على شراء النفط الإيراني، وهو القرار الأصعب على إيران، ولكن يبدو أن طهران التي لديها خبرة طويلة في مراوغة العقوبات، قد نجحت جزئياً في التغلب على الحصار الأمريكي، بل محاولة الاستفادة منه.

إذ أعادت قطاعاتٌ واسعة من الاقتصاد الإيراني تنظيم نفسها بعد بضعة أعوام من العقوبات الأمريكية، تعمل الشركات الإيرانية بصورةٍ متزايدة على إنتاج أنواع البضائع التي كانت طهران تستوردها منذ فترةٍ طويلةٍ من الخارج، في حين تلجأ الشركات الأصغر والمتنامية إلى التوظيف، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.

ونما إجمالي عائدات الصناعة غير النفطية الإيرانية بنسبة 83% في العامين الماضيين التاليين للعقوبات، متجاوزاً قطاع الطاقة الذي تضرَّر بسبب العقوبات، ووفقاً لإحصاءات الحكومة الإيرانية.

وزاد ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الأزمة الأوكرانية من إيرادات إيران النفطية، وجعلها أكثر قدرة على التعايش مع العقوبات، خاصة في ضوء تقارير عن أن الأمريكيين أصبحوا يتجاهلون أحياناً بعض عمليات تهريب النفط الإيراني، لتخفيف وطأة ارتفاع أسعار النفط على مواطنيهم.

بالنسبة للإيرانيين يعني الخروج من العقوبات، تدفق الأموال من جديد للبلاد، ولكن إذا أعادت أي إدارة أمريكية العقوبات فإنه من شأن ذلك تكرار تعرض طهران لضربة اقتصادية، جديدة، كالتي عانت منها بعد فرض ترامب عقوباته لأول مرة.

كذلك ثمة شعور متنامٍ في طهران بأن الديمقراطيين ضعفاء للغاية على أن يستمروا في البيت الأبيض لولاية رئاسية ثانية، مما يثير احتمالية خسارة أي مزايا قد تحققها إيران عند التوصل إلى اتفاقية جديدة، وذلك بعد عامين من عقد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

كما أن هدف إدارة بايدن المعلن والمتمثل في التفاوض على اتفاقية “أقوى وأطول أمداً” مع إيران، يقلق عديداً من الساسة الإيرانيين. إذ يخشى هؤلاء من أنه بمجرد التوصل إلى اتفاقية ما، سوف تهدد الإدارة بإعادة فرض عقوبات على البلاد إلا إذا لم تدخل فوراً في محادثات تالية حول اتفاقية نووية موسعة.

وفي غضون ذلك، تجادل الفصائل المتشددة في إيران بأنه لن يكون من الحكمة التخلي عن النفوذ النووي الذي يمكنهم استخدامه في التفاوض مع أي رئيس أمريكي أقوى.

ويدعي هؤلاء أن الصدمة الاقتصادية التي قد تعاني منها إيران بسبب إعادة فرض العقوبات (في أعقاب خروج أمريكي آخر من الاتفاقية النووية) لا تستحق السعي من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية قصيرة المدى من وراء أي اتفاقية تُعقد مع إدارة بايدن.

ولذا يجب على الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين أن يقترحوا الآن حزمة من المبادرات السياسية والاقتصادية التي يمكنها أن تقدم حافزاً إضافية إلى إيران من أجل قبول الصيغة التي توصلوا إليها في فيينا. ويجب ربط هذه التدابير بالتطبيق الكامل لاتفاقية 2015، ويمكن تصميمها بهدف حماية المصالح الغربية، مثل تعزيز أمن الطاقة والتعاون الاقتصادي الإقليمي.

تتمثل العقبة الرئيسية الثانية في غياب الرغبة الواضحة لدى الرئيس جو بايدن من أجل خوض معركة سياسية محلية مكلفة حول الاتفاق النووي. فإصراره، الذي سوف يتعاظم على الأرجح مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني، أدى إلى شعور كثير من القادة الأوروبيين بالقلق من أنه يسير نائماً نحو أزمة نووية رئيسية.

ولا يُخفي مساعدو بايدن مخاوفهم من أن الإيرانيين يتعلَّمون الكثير من النشاط النووي الجاري الآن، إلى درجة أنه في المستقبل القريب، ربما يكون من المستحيل العودة إلى الاتفاق القديم.

ولهذا السبب يحتاج الأوروبيون الآن إلى الانخراط مباشرة مع إدارة بايدن ومع القيادة الإيرانية من أجل الضغط لتطبيق التدابير التي اتفقوا عليها في فيينا. يجب على القادة الأوروبيين مناشدة بايدن مباشرة بوصفه داعماً منذ عهد طويل للتحالف العابر للأطلسي، وذلك عن طريق التشديد على المصلحة القوية التي ستحققها أوروبا من وراء الاتفاقية.

أما العقبة الرئيسية الثالثة فتتمثل في تعاظم الخطر الناتج عن أن إيران والولايات المتحدة وإسرائيل سوف تخطئ بعضها في تقدير مدى تسامح بعضِها الآخر مع التصعيد. يجادل بعض القادة في طهران بأن أي توسع محدد للأنشطة النووية هو أفضل طريقة للضغط على إدارة بادين لتقديم تنازلات.

ويرى كثير من المتشددين أن اللحظة السياسية الحالية تجسد فرصة لكسب قوة سياسية واقتصادية عن طريق عرقلة أي اتفاق نووي والسعي وراء المواجهة. يمكن رؤية هذا فيما حدث في شهر مايو/أيار، وحينها بعد أن احتجزت اليونان ناقلة تحمل نفطاً نووياً وبدأت في تحويل شحنتها إلى الولايات المتحدة بطلب من واشنطن، استولت إيران على ناقلتين يونانيتين رداً على ذلك. وثمة تقارير الآن تشير إلى أن المتشددين الإيرانيين يضغطون من أجل أن تزيد إيران تخصيب اليورانيوم إلى مستوى غير مسبوق يصل إلى 90% وأن تنسحب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية كلياً.

لكن هذه الخطوة لن تُقابلها إلا استجابة قاسية من إسرائيل أو الولايات المتحدة، وربما تنطوي الاستجابة على تحرك عسكري.

ثمة تكهنات واسعة بأنه منذ بداية العام الحالي، رفعت إسرائيل من وتيرة حملة الاغتيالات التي تتبعها والتي ترتبط بالبرنامج النووي الإيراني، إلى جانب استهدافها المنشآت العسكرية الإيرانية. واتهمت إسرائيل إيران باستهداف السياح الإسرائيليين في تركيا. يجب على الحكومات الأوروبية استخدام علاقاتها مع إيران وإسرائيل لمحاولة إيقاف دورة التصعيد هذه.

وفي غضون ذلك، يبدو أن بايدن يشرع الآن في إعادة فرض حملة الضغط القصوى التي مارسها سلفه ضد إيران؛ عن طريق مراكمة العقوبات ضد البلاد والتشدد في تطبيق هذه التدابير. ولكن، بحسب ما يُفترض أن تكون إدارة ترامب قد استوعبته، يقوض هذا النهج بكل بساطة أمن أمريكا مقابل فوائد دبلوماسية قليلة.

يبدو أن عديداً من صناع السياسة في واشنطن يعتقدون أن قادة إيران تقودهم في الأساس الأولويات الاقتصادية. لكنهم لا يولون الانتباه الكافي إلى أنه في حالة وضعت الولايات المتحدة مزيداً من القيود على صادرات النفط الإيرانية، فيمكن أن يأتي في المقابل نوع التصعيد العسكري الذي حدث في 2019 (عندما تعرضت منشأة نفط سعودية لهجوم يعتقد أن وراءه إيران، بجانب هجمات أخرى)، والذي عطل تدفقات النفط عبر الخليج. يمكن أن يكون هذا مدمراً بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة؛ نظراً إلى أنهما تحاولان أن تعثرا على بديل لإمدادات الطاقة القادمة من روسيا.

تحتاج أوروبا إلى إحياء الاتفاقية النووية مع إيران أكثر من أي وقت مضى. ولا تحمل إيران ولا الولايات المتحدة خطة عملية للتعامل مع تداعيات انهيار الاتفاقية. من المفهوم أن قادة أوروبا مشغولون بالحرب الروسية ضد أوكرانيا. ولكن ينبغي لهم أن يدركوا أنّ آثار مثل هذا الانهيار لا تقتصر على التصعيد العسكري، بل إنها سوف تعقّد مشكلاتهم في أسواق الطاقة. من أجل معالجة هذه التهديدات، فسوف يحتاجون إلى أن يحذوا حذو بوريل ويكثفوا جهودهم على مستوى رفيع من الدبلوماسية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + أربعة =

زر الذهاب إلى الأعلى