إيران تدير ظهرها النووي للغرب وتنضم لشنغهاي في سمرقند

تلبدت الغيوم في سماء المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الأوروبية الحليفة بعد جمود المساعي الدبلوماسية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

ميدل ايست نيوز: تلبدت الغيوم في سماء المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الأوروبية الحليفة بعد جمود المساعي الدبلوماسية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، بينما نشطت الدبلوماسية الإيرانية لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية للهروب من الضغوط التي تمارسها واشنطن وبعض حلفائها الغربيين وخاصة دول الترويكا الأوروبية وهي فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

الوجهة هذه المرة كانت سمرقند عاصمة أوزباكستان حيث انعقدت قمة رؤساء دول منظمة شنغهاي للتعاون وتم الإعلان رسميا يوم الجمعة من جانب رئيس القمة – رئيس أوزبكستان شوكت ميرضيايف «بأن إيران أصبحت عضوا كامل العضوية في المنظمة» بعد أن كانت عضوا مراقبا فيها منذ العام 2005.

هذا الحدث يعني بشكل مباشر إدارة الظهر للغرب والتركيز على الشرق لجني المنافع الاقتصادية والأمنية والثقافية وبالتالي السياسية، إذ أن منظمة شنغهاي للتعاون – التي تأسست عام 2001 – تعتبر منظمة إقليمية كبرى تضم في عضويتها الدائمة مجموعة هامة من الدول بينها روسيا والصين والهند وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان وقرقيزيا، وتحضر فيها أيضا دول عدة بصفة مراقب وهي بيلاروسيا وأفغانستان ومنغوليا إضافة إلى مجموعة من الدول تعتبر «شركاء حوار» وهي تركيا وأرمينيا وأذربيجان وسيرلانكا وكمبوديا ونيبال ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر، كما بدأت عملية الحصول على صفة «شريك حوار» لكل من الكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين وجزر المالديف وميانمار، وتحضر المنظمة بصفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ العام 2005.

المنافع التي تنتظرها إيران لخّصها وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان بعيد توقيعه على مذكرة تعهدات العضوية الدائمة لبلاده قائلا: «لقد دخلنا الآن في مرحلة جديدة تحمل شتى أشكال التعاون الاقتصادي والتجاري والترانزيت وفي مجال الطاقة وغيرها من المجالات».

ولعل ما ذكره المسؤول الإيراني بشأن مجال الطاقة هو وسيلة جديدة للضغط على أوروبا ومن ورائها حليفها الأمريكي إثر تجدد أزمة التفاوض حول إعادة إحياء الاتفاق النووي المجمد منذ العام 2018 بعدما انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وتدرك إيران وغيرها مدى حاجة السوق الأوروبية إلى مصادر الطاقة في ظل القطيعة الأوروبية مع روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، بينما سيفتح انضمام طهران رسميا إلى عضوية منظمة شنغهاي بابا واسعا أمامها لإيجاد بدائل مجدية لتصدير النفط والغاز والالتفاف على مفاعيل العقوبات الأمريكية والضغوط الغربية وهذا يصب أيضا في مصلحة حليفتيها روسيا والصين.

هذه الأسس حضرت في لقاءات القمة الثنائية بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وكل من نظيره الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة سمرقند في أوزبكستان.

فرئيسي حمل على الجانبين الأمريكي والأوروبي واتهمهما بالفشل في الإيفاء بالتزاماتهما برفع الحظر عن إيران، وقال خلال اجتماعه بنظيره الصيني: «إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تتوقف بأي شكل من الأشكال عن مواجهة التنمر الأمريكي».

ولاقى رئيسي ردا صينيا مشجعا تمثل في دعوة قدمها له الرئيس شي جين بينغ لزيارة الصين وفي دعم الصين لعضوية إيران في منظمة البريكس.

أما اللقاء بين الرئيسين الإيراني والروسي فحمل تأكيدا من فلاديمير بوتين على دفع التعاون الثنائي نحو مزيد من التطور في كافة المجالات «وأن إعداد الاتفاقية الاستراتيجية للتعاون بين موسكو وطهران شارف على بلوغ مرحلته الأخيرة».

ومن بين اللقاءات اللافتة التي عقدها رئيسي وقد تثير حفيظة الدول الأوروبية هو اللقاء مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو الذي يعتبره الغرب حليفا رئيسا لفلاديمير بوتين في حرب أوكرانيا.

بالمقابل كانت جبهة التصريحات محتدمة بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأمريكية والترويكا الأوروبية بشأن الاتهام المتبادل بالمسؤولية عن الإخفاق في التوصل إلى تفاهم صلب لإحياء الاتفاق النووي.

واشنطن ولندن وباريس وبرلين اتهمت طهران – في اجتماع لمجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية – بأنها لم تغتنم الفرصة الدبلوماسية الحساسة وزادت من نشاطاتها النووية.

وردت الخارجية الإيرانية بالقول «إن هذا البيان غير بنّاء وعلى تلك الدول عدم تخريب الجهود الدبلوماسية».

وذهب القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية في لندن إلى القول: «إن البيان الأخير للولايات المتحدة الأمريكية والترويكا الأوروبية في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية هو بيان مخجل ويتعارض مع التوصل إلى اتفاق نهائي».

ويدور الخلاف حول جملة قضايا بينها ما يتعلق بعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران وإطلاق يدها كما يطالب الغرب فيما تطالب طهران بوقف ما تصفه تسييس عمل الوكالة وعدم تأثرها بالمواقف الإسرائيلية ضد إيران بالإضافة إلى تقديم الالتزامات والضمانات الكفيلة بعدم الانسحاب الأمريكي مجددا من الاتفاق كما حصل في عهد الرئيس ترامب.

ويبدو أن حالة الجمود المستجدة – بعد التفاؤل السابق بقرب التوصل إلى اتفاق – تعود إلى الثقة المفقودة بين طهران وواشنطن يضاف إليها الثقة المهتزة باستمرار بين إيران ودول الترويكا الأوروبية المرتبطة بدورها بجرعات العقوبات الأمريكية السابقة والحالية.

كما لعبت إسرائيل دورا معلنا في تعقيد الأمور وهو ما يثير الريبة في أوساط القرار الإيراني يضاف إليه معطيات تتعلق بحساسية الواقع السياسي والانتخابي في الولايات المتحدة الأمريكية على أبواب انتخابات التجديد النصفية للكونغرس في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل ومدى تأثيرها على حضور الحزب الديمقراطي داخله وبالتالي على إدارة الرئيس جو بايدن وقراراتها بشأن إحياء الاتفاق النووي.

بناء على كل ما تقدم لا يبدو أن طهران مستعجلة ولا واشنطن في إنعاش مباحثات الاتفاق النووي، لتبقى أوروبا وحدها في الميدان وهي تحصي الأيام الفاصلة عن برد الشتاء بحثا عن بدائل للطاقة، وخاصة أن محاولاتها لاستيراد الطاقة من أذربيجان باتت تصطدم بخطر استمرار التوتر مع أرمينيا ومعاركها مع أذربيجان في ناغورنو كارباخ، ما يدفع البعض إلى توقع تجدد الحراك الدبلوماسي الأوروبي لاستنقاذ المحادثات النووية مع إيران وبالتالي فتح سوقها الطاقوي أمام الشركات الأوروبية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة + 17 =

زر الذهاب إلى الأعلى