“الحرب بين الحروب”.. تفاصيل استهداف إسرائيل إيران على الأراضي السورية منذ 2012

وضعت إسرائيل استراتيجية تسميها "الحرب بين الحروب"، هدفها إبعاد إيران وحزب الله عن الأراضي السورية، فما تفاصيل تلك الخطة، التي بدأت قبل 10 سنوات؟

ميدل ايست نيوز: وضعت إسرائيل استراتيجية تسميها “الحرب بين الحروب”، هدفها إبعاد إيران وحزب الله عن الأراضي السورية، فما تفاصيل تلك الخطة، التي بدأت قبل 10 سنوات؟

وعلى الرغم من أنه ليس سراً قيام إسرائيل بقصف الأراضي السورية من وقت لآخر، واستهداف ما تقول إنها قواعد للحرس الثوري الإيراني أو لحزب الله اللبناني، دون أن تعترف تل أبيب رسمياً بتلك الهجمات، إلا أن تقريراً لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية ألقى الضوء على تفاصيل تلك الاستراتيجية “لمطاردة إيران ووكلائها في سوريا”.

متى بدأت خطة إسرائيل؟

استراتيجية “الحرب بين الحروب” الإسرائيلية- التي يشار إليها اختصاراً باسم MABAM- من بنات أفكار وزير الدفاع آنذاك بوجي (موشيه) يعالون ورئيس الأركان (المتقاعد) بيني غانتس، الذي يشغل حالياً منصب وزير الدفاع.

وشارك الآلاف من الجنود والضباط، من نخبة القوات البرية إلى أفراد المخابرات وموظفي العمليات والطيارين، في الاستراتيجية التي تمر الذكرى العاشرة لتأسيسها هذا العام، بحسب جيروزاليم بوست.

وهذه الاستراتيجية، التي يعتقد جيش الاحتلال الإسرائيلي أنها ستجبر إيران ووكلاءها على الخروج من سوريا، عبارة عن حملة مليئة بالعمليات التي لا تتحمل فيها إسرائيل المسؤولية وتؤدي في الوقت نفسه إلى تأجيل الحروب المباشرة إلى المستقبل البعيد.

وقد حققت “الحملة” ما تسميه إسرائيل “أهدافاً” محددة بشكل أسبوعي تقريباً خلال الأشهر الأخيرة، بل أهدافاً استراتيجية في بعض الأحيان. وتزعم إسرائيل أن تلك الأهداف جميعها تنتمي إلى إيران أو وكلائها، مثل حزب الله.

جميع الأهداف يحددها جنود الجيش الإسرائيلي الذين يعملون على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في غرف صغيرة في وسط إسرائيل، قبل إحالتها إلى رئيس هيئة الأركان ووزير الدفاع في الجيش الإسرائيلي، الذين يعطون الضوء الأخضر للطيارين لشن هجوم.

وفي مقابلة أُجرِيَت مؤخراً في صحيفة Maariv، استرجع المدير العام لوزارة الدفاع اللواء (متقاعد) أمير إيشيل الضربة الأولى ضمن استراتيجية “الحرب بين الحروب” عندما لم يكن قد مر سوى 6 أشهر في منصب رئيس سلاح الجو الإسرائيلي.

وقال إيشيل: “صدر الأمر في بداية يناير/كانون الثاني، ووقع الهجوم في 30 يناير/كانون الثاني 2013. لقد ضربنا كتيبة كاملة من بطاريات صواريخ أرض جو بوك إم-2، التي اشتراها السوريون بتمويل من حزب الله، وكانوا على وشك نقلها إلى (الأمين العام لحزب الله حسن) نصر الله. لكننا دمرناها جميعاً”.

وعلى الرغم من وجود بعض الذين عارضوا ضرب الصواريخ، إلا أنَّ سلاح الجو الإسرائيلي نفذ في النهاية الغارة “ودمرها بالكامل”، على حد قوله. إذ كانت الصواريخ ستغير تماماً “تفوق سلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة”، بحسب إيشيل.

ووفقاً لتقارير أجنبية، كانت الاستراتيجية عبارة عن حملة مستمرة في الجو والبر والبحر، وكذلك من الناحية الإلكترونية. والهدف هو إحباط تطلعات طهران إلى الهيمنة الإقليمية ووقف تهريب الأسلحة المتطورة إلى حزب الله في لبنان من إيران.

كيف يتم “طبخ” الحرب بين الحروب؟

مديرية المخابرات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي (أمان) هي فاعل رئيسي في الاستراتيجية، وتتمثل مهمتها الأساسية في تزويد الحكومة والجيش بتنبيهات دقيقة وفي الوقت المناسب لحماية إسرائيل من أي تهديد قد تواجهه، بحسب وجهة نظر تل أبيب بطبيعة الحال.

وتضم المديرية ثلاث وحدات رئيسية؛ منها واحدة تابعة للقوات الإسرائيلية وهي الأساسية في جمع المعلومات. وتعمل القوات على تطوير أدوات لتحليل ومعالجة وتبادل المعلومات الاستخبارية مع جميع السلطات ذات الصلة.

إلى جانب هذه الوحدات الثلاث، تقضي القوات من قسم الأبحاث في المديرية ساعات لا تحصى في جمع المعلومات الاستخبارية لإعداد الأهداف وإحالتها لهيئة الأركان العامة والمستوى السياسي للموافقة عليها.

يتكون قسم الأبحاث من فريق صغير مسؤول عن جمع الأهداف. ولا تتعلق مهامه فقط بتحديد هدف، لكن معرفة مكانه بالضبط؛ مثل أي جزء من الغرفة، وفي أي طابق، ومن أي مبنى. أو أي شاحنة في أية قافلة، أو أية حاوية في أي مستودع، وفي أي قسم من مطار دولي مزدحم. وبحسب الإسرائيليين، هناك الآلاف مما يعتبرونها أهدافاً في لبنان وسوريا.

وباستخدام قوات قسم الأبحاث جنباً إلى جنب مع الاستخبارات المبتكرة والتكنولوجيا المتقدمة، فإن بنك أهداف الجيش الإسرائيلي في القيادة الشمالية ارتفع بـ20 مرة ضعف بنك أهداف الجيش في المرة الأخيرة التي خاض فيها حرباً مع حزب الله في عام 2006. والآلاف من هذه الأهداف جاهزة للمهاجمة؛ مثل المقرات الرئيسية والأصول الاستراتيجية ومخازن الأسلحة.

ويقسم الجيش الإسرائيلي أهدافه إلى أربع مجموعات: أهداف قوة العدو، وأهداف الجودة، والأهداف التي تسمح للعدو بمواصلة القتال؛ مثل البنية التحتية، وأهداف في الوقت الفعلي.

الضربات الجوية الإسرائيلية في الأراضي السورية مستمرة منذ بدايات عام 2013، ورغم أن تدخل روسيا، الداعم الرئيسي لنظام بشار الأسد، يرجع إلى بدايات عام 2015، إلا أن موسكو اتبعت سياسة “عدم التدخل” في مؤشر على وجود تفاهم بين تل أبيب وموسكو في تلك الجزئية.

لكن روسيا بدأت، منذ صيف 2021، في تزويد القوات السورية بأنظمة ومهاراتٍ أكثر تطوراً لمواجهة الصواريخ، لتصبح تلك القوات أكثر فاعلية وقدرة على مواجهة الغارات الإسرائيلية. ومكنت السياسة الروسية الجديدة سوريا من إفشال بعض الضربات الإسرائيلية، بحسب تقارير إعلامية.

ومطلع العام الجاري، بدأت طائرات حربية سورية وروسية في تسيير دوريات مشتركة بالقرب من الحدود السورية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بحسب تقرير سابق لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.

ماذا حققت استراتيجية إسرائيل حتى الآن؟

يمكن أن تكون بعض الأهداف عاجلة، وتتحرك الأهداف التي يجب تدميرها في عدة ساعات، بينما قد يستغرق البعض الآخر أسابيع قبل ضربها.

وحددت الوحدة أحد هذه الأهداف بعد أن تلقت معلومات استخبارية عن أسلحة دقيقة كانت إيران تحاول تهريبها عبر سوريا. ومع ذلك، لم تكن المعلومات الاستخباراتية واضحة. ولم يعرف الجيش الإسرائيلي كيف ستنقل إيران الأسلحة. هل عن طريق الجو؟ أم بقافلة على الأرض؟

وعملت القوات على المعلومات الاستخبارية على مدار الساعة من أجل الحصول على صورة أوضح لما سيأتي بالضبط وكيف. لكن بعد ذلك واجهوا تحدياً آخر متمثلاً في أفضل طريقة لتدميرها.

ووفقاً لضابط كبير في الجيش الإسرائيلي، أدت استراتيجية الحرب بين الحروب إلى تغيير استراتيجي في المنطقة ودمرت رؤية قاسم سليماني، اللواء السابق في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، الذي اغتيل في غارة جوية أمريكية في بغداد عام 2020.

وبحسب الإسرائيليين، كان جزء من خطة سليماني هو إنشاء قواعد صواريخ وقواعد مضادة للطائرات واستخبارات، فضلاً عن إنشاء قوة مماثلة لحزب الله في سوريا. وفي حين أن استراتيجية “الحرب بين الحروب” لم تنجح في إخراج إيران بالكامل من المنطقة، لكنها تمكنت من تحقيق غالبية الأهداف التي حددها الجيش الإسرائيلي ــ حسب قوله.

وبعد اغتيال سليماني، وترددت تقارير مختلفة عن انسحاب القوات الإيرانية ووكلائها من إيران، كان آخرها في منتصف سبتمبر/أيلول، بسبب نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية. وبحسب المصادر، فإنَّ 90% من الأسلحة التي أرادت إيران تهريبها إلى سوريا دمرتها العمليات الإسرائيلية.

ولم تقتصر الضربات في سوريا على تدمير كمية لا حصر لها من الأسلحة المتقدمة والاستراتيجية فحسب، بل لم تعمل أيضاً ممرات إيران الجوية والبرية والبحرية لمدة 70% من عام 2021 بسبب العمليات التي نُفذَت ضمن الاستراتيجية.

وفي العام الماضي، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الفريق أفيف كوخافي إنَّ زيادة العمليات – العلنية والسرية على حد سواء – أدت إلى تباطؤ ترسيخ إيران أقدامها في سوريا، وأضاف: “لكن لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه لتحقيق أهدافنا في هذا المجال”.

ووفقاً لتقرير يناير/كانون الثاني الصادر عن شركة Airwars البريطانية، الذي يتتبع جميع الأضرار التي لحقت بالمدنيين من جميع الجهات الأجنبية الفاعلة في سوريا منذ عام 2014، قُتِل نحو 50 مدنياً في سوريا منذ بدأت إسرائيل حملتها التي تستهدف البنية التحتية العسكرية الإيرانية ووكلائها.

وفي الوقت نفسه، وجدت التقارير المحلية السورية أنَّ أكثر من 600 مسلح، بالإضافة إلى أفراد من القوات السورية والإيرانية، قُتِلوا بين يناير/كانون الثاني 2013 وأكتوبر/تشرين الأول 2021.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
بواسطة
عربي بست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 + اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى