بعد قطيعة 12 عاماً.. ما الذي يدفع الرياض للتطبيع مع نظام الأسد؟

توالت الصدمات والأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية على الشعب السوري الذي عاش فترات قاسية منذ 2011.

ميدل ايست نيوز: توالت الصدمات والأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية على الشعب السوري الذي عاش فترات قاسية منذ 2011.

وخلال تلك الأعوام اتخذت السعودية موقفاً حاسماً في وجه نظام الأسد، وكانت أحد أهم الأطراف التي منعت “الأسد” من الانخراط مجدداً في المنظومة العربية والدولية، وساهمت العقوبات السعودية على النظام بشد الخناق عليه.

لكن المستجدات الأخيرة التي مرت بها المنطقة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، وكذلك التحركات التي شهدتها المنطقة، خلال الأشهر الأخيرة، تمضي نحو تطبيع سعودي مع النظام السوري، فما الذي يقف دافعاً للرياض لتغيير سياستها تجاه نظام الأسد بعد أكثر من عقد من القطيعة؟ يتساءل مراقبون.

خطوات نحو التطبيع

يبدو أن المستجدات الأخيرة التي تعيشها المنطقة، خلال الأشهر الأخيرة، قد دفعت السعودية لإجراء مباحثات مع النظام السوري، حيث كشفت وزارة الخارجية السعودية (23 مارس 2023) عن بدء مباحثات قالت إنها تأتي في سياق “حرص المملكة على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين”.

ونقلت قناة “الإخبارية” الرسمية عن مصدر بالخارجية -لم تسمه- أن البحث جارٍ مع المسؤولين في سوريا حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية.

كما نقلت قناة “الشرق” السعودية عن مصادر دبلوماسية سورية -لم تسمها- أن المفاوضات تسعى لإعادة افتتاح سفارتي البلدين قبل القمة العربية المقبلة في الرياض، والمقررة في مايو القادم.

وأوضحت المصادر أن الجانبين يبحثان إمكانية افتتاح الخدمات القنصلية السعودية في دمشق، خلال زيارة قد يقوم بها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى العاصمة السورية.

كما أشارت المصادر إلى أن تفاصيل المباحثات تضمنت الحديث عن مستوى التمثيل القنصلي الذي سيبدأ بمستوى “قائم بالأعمال”.

كما شملت المباحثات بين الجانبين السعودي والسوري الحديث عن “ملف الحج”، إضافة إلى ملف “تهريب المخدرات”، والذي قالت المصادر السورية، إن الرياض كانت لها “طلبات واضحة” بشأنه.

وتضمنت المباحثات مصادرة السلطات لأملاك سعودية في سوريا، فضلاً عن “استثمارات مستقبلية”.

من جانبها نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر أن السعودية اتفقت مع نظام بشار الأسد على إعادة فتح سفارتيهما بعد عيد الفطر، لإنهاء قطيعة دبلوماسية دامت 12 عاماً.

وقالت المصادر إن الجانبين اتفقا على إعادة فتح السفارتين في وقت قريب، وهي خطوة تلت إعادة العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة صينية، في وقت سابق من الشهر الجاري.

وبحسب أحد مصادر الوكالة، ودبلوماسي في الخليج، فقد جاء القرار نتيجة محادثات في السعودية مع مسؤول استخباري سوري رفيع.

تطبيع متسارع.. واتفاقية بكين

لعل الاتفاقية السعودية الإيرانية (10 مارس 2023)، التي أنهت الأزمة بين البلدين بفضل وساطة صينية، ربما ستكون الباب الرئيس لاستئناف السعودية علاقتها مع نظام الأسد، كونها إحدى أبرز الأزمات السياسية وأخطرها في المنطقة وبين الجانبين.

وإلى جانب ذلك فإن المنطقة شهدت تغيرات متسارعة، خصوصاً في الأشهر الأخيرة، والتي كان أبرزها استغلال دول عربية الزلزال المدمر الذي خلف عشرات الآلاف من الضحايا والجرحى في سوريا وتركيا (فبراير 2023)، لمد جسور التواصل مع نظام الأسد.

وتمثلت تلك الخطوات باتصالات هاتفية مع عدد من زعماء الدول العربية برئيس النظام السوري، فضلاً عن إرسال مساعدات من معظم الدول العربية.

ووصل وفد برلماني عربي أيضاً، في فبراير 2023، إلى العاصمة السورية دمشق للقاء الأسد، برئاسة رؤساء برلمانات مصر وفلسطين والعراق والأردن، وهو الأول من نوعه منذ 2011، بعد زيارة وزيري خارجية الأردن ومصر أيمن الصفدي وسامح شكري توالياً.

كما عدلت تركيا سياستها تجاه النظام السوري بعد سنوات من الخلاف الجوهري؛ نظراً للانتهاكات الإنسانية الكبيرة التي ارتكبها بحق شعبه، وأصبح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسابق الزمن للوصول إلى مصالحة شاملة مع بشار الأسد، وقدم اقتراحاً لنظيره الروسي بهذا الخصوص.

وكانت عُمان والإمارات قد استقبلتا رئيس النظام بشار الأسد، خلال الأسابيع الماضية، وسبق أن قامت الدولتان إلى جانب البحرين بفتح سفاراتها في دمشق إيذاناً بالتطبيع مع النظام السوري.

أسباب مختلفة

يرى المنسق العام للمجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية الشيخ مضر حماد الأسعد، أن إعادة العلاقات مع السعودية “كانت مفاجأة ولكن لم يكن مستغرباً”، مشيراً إلى أن ذلك يعود إلى الضغوط الداخلية والخارجية التي تعرضت لها.

ويوضح “الأسعد” في حديثه لـ”الخليج أونلاين” أن “الضغط الداخلي كان ممن يديرون الملف السوري (ملف المعارضة السورية)، الذين فشلوا في إدارة هذا الملف بشكل واضح وصريح من خلال اعتمادهم على شخصيات ضعيفة سياسياً وعسكرياً وأمنياً وإعلامياً، والتضييق على الشخصيات السورية الثورية التي لها قاعدة كبيرة في داخل سوريا وخارجها”.

وأضاف: كما أنها هذه الشخصيات “عملت لمصالحها الضيقة أو لمصالح الدول المعادية للشعب السوري والثورة السورية، بعيداً عن مصلحة الشعب السوري أو سمعة المملكة العربية السعودية، التي قدمت كافة أنواع الدعم الذي ذهب في طريق الخطأ والاتجاه المعاكس”.

كما حمل في سياق حديثه قيادة الثورة السورية (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية والحكومة السورية المؤقتة) “الفشل الذريع في المحافظة على الدول العربية الداعمة للثورة السورية والمعادية لنظام الأسد وإيران، مما فسح المجال للنظام بأن يستعيد توازنه ويبدأ بتحريك أذرعه لسحب البساط من تحت المعارضة السورية، ويعيد علاقاته مع الدول العربية الكبيرة وتصبح عدوة للثورة السورية”.

وإلى جانب ذلك، يؤكد الشيخ مضر وجود “فشل دولي في عملية تنفيذ القرارات الدولية جنيف1، والقرارين 2254 و2118، والتي كان لأمريكا و(إسرائيل) وروسيا والجامعة العربية دور كبير في عدم تنفيذها وعدم إسقاط نظام الأسد رغم الجرائم المروعة التي ارتكبت بحق الشعب السوري”.

ويشير في تصريح إلى أن “إسرائيل وإيران وروسيا والصين هم من استفادوا بشكل كبير من بقاء نظام الأسد، وهو في خدمتهم بشكل كبير”.

ويعتقد أيضاً أن زيارة مدير مخابرات نظام الأسد حسام لوقا إلى الرياض “كانت لها آثار إيجابية من حيث إقناع القيادة السعودية، بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة، بترك ملف المعارضة السورية والاتجاه إلى إقامة علاقات مع نظام الأسد”.

ويرى أيضاً أن السعودية رغم خطواتها مع النظام السوري مؤخراً “إلا أنها ستبقى على مسارها لتخليص الشعب السوري من محنته وما يتعرض له من مجازر مروعة وتهجير وتدمير”.

فشل دولي ومساندة الحلفاء

على مدار السنوات الماضية، فشل المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في إزاحة نظام الأسد، رغم العقوبات التي اتخذت بين الحين والآخر، وأصبحت الأزمة السورية واحدة من أصعب الملفات الخارجية بالنسبة للإدارات الأمريكية (إدارات أوباما وترامب وبايدن)

ويبدو أنه ليس هناك على المدى القريب بالنسبة لسوريا أي حل، حيث يتمسك المجتمع الدولي بمواصلة دعم المبعوث الأممي الخاص، والتمسك بقرارات الانتقال السياسي التي وضعها.

وتفرض الولايات المتحدة عقوبات على نظام الأسد بموجب قانون “قيصر” الأمريكي الذي دخل حيّز التنفيذ في 17 يونيو 2020، وذلك من خلال تجميد مساعدات إعادة إعمار سوريا، وملاحقة أفراد وكيانات متّصلة بالنظام السوري ومُثبت تورّطها في جرائم وانتهاكات بحق الشعب السوري.

ومع تسارع التطبيع مع نظام الأسد، اكتفت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بإعلان أنها لن تقوم بالتطبيع مع النظام السوري قبل تحقيق تقدم ملموس ودائم نحو الحل السياسي للأزمة السياسية، حيث قالت في بيانٍ مشترك (17 مارس 2023)، أنها “لن ترفع العقوبات المفروضة على النظام السوري”.

في المقابل، وعلى مدى السنوات الماضية من الحرب في سوريا، رجح الدعم السياسي والعسكري الذي قدمته روسيا وإيران كفة النظام السوري ورئيسه، بشار الأسد، على حساب مناهضيه ومعارضيه.

وتعتبر طهران وموسكو حليفي النظام السوري الرئيسيين، ومنذ 2012، كانت إيران قد زجت بمليشيات لدعمه على الأرض، إلى أن تدخلت روسيا عسكرياً في 2015، لحرف مسار الحرب، والتي كانت تقترب أحداثها من القصر الجمهوري في العاصمة دمشق.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
الخليج أونلاين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

17 − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى