ثالوثٌ يُهدِّد الانتخابات العراقية المقبلة

بضغط من المتظاهرين والمرجعية الشيعية تبنّت الكتل البرلمانية الشيعية تعديل قانون الانتخابات في 24 ديسمبر من العام الماضي.

ميدل ايست نيوز: ما أن منح مجلس النواب العراقي الثقة لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في 7 مايو 2020، حتى بدأت الكتل السياسية التشاور لتعديل قانون الانتخابات العامة الذي أُقر نهاية العام الماضي وسط معارضة كبيرة من كتل كردية وسنية، وفي الوقت نفسه برزت اعتراضات قوى سياسية على طريقة تشكيل مكاتب المفوضية المستقلة العليا للانتخابات، ومطالبتها بتغييرها وإعادة هيكلة مجلس المفوضية، وبالتزامن أيضاً مع بروز الأزمة بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية العليا.

إعادة فتح ملف قانون الانتخابات

بضغط من المتظاهرين والمرجعية الشيعية تبنّت الكتل البرلمانية الشيعية تعديل قانون الانتخابات في 24 ديسمبر من العام الماضي، وسط ارتياح كبير من الناشطين والمتظاهرين وتذمُّر الكتل الكردية وبعض الأطراف السنية التي رأت في القانون الجديد محاولةً لتغير المشهد السياسي وحرمانها من أصوات ناخبيها في المدن المختلطة.

وأهم التغييرات في القانون المعدل هو الانتقال من طريقة التمثيل النسبي، باعتبار كل محافظة دائرة انتخابية واشتراط الترشح بواسطة القوائم الانتخابية، إلى الترشيح الفردي بعيداً عن القوائم والأحزاب، وفي دوائر انتخابية صغيرة هي القضاء (ثاني أكبر وحدة إدارية في البلاد بعد المحافظة) بدلاً من المحافظة التي اعتُمدت كدائرة انتخابية منذ عام 2006؛ ما يعني زيادة التمثيل المناطقي، ومضاعفة حظوظ المستقلين والكتل الصغيرة. ومن التعديلات في القانون المعدل أيضاً تحديد الفائز بمَن يحصل على أعلى الأصوات فحسب دون استخدام طريقة “سانت ليغو” في توزيع أصوات الناخبين، التي أثارت الكثير من الانتقادات، ذلك أنها سمحت بالوصول إلى البرلمان شخصيات غير مقبولة وغير شعبية ولم تتمكن من الحصول على الأصوات الكفيلة لدخول البرلمان.

رأت الكتل الكردية أن قانون الانتخابات المعدل سيحرمها من أصوات الأكراد في الأقضية المختلطة التي يشكلون فيها أقلية، في حين أن الأطراف السنية رفضت اعتماد العد والفرز الإلكتروني الذي يُثير مخاوف التزوير والتلاعب بالنتائج، إضافة إلى أن القانون لم يَستثنِ مزدوجي الجنسية من الترشح للانتخابات، كما كانت تطالب الاحتجاجات الشعبية منذ انطلاقتها في الأول من أكتوبر 2019.

واللافت للنظر أن رئاسة البرلمان لم تُرسل قانون الانتخابات المعدل إلى رئاسة الجمهورية من أجل المصادقة عليه بحجة عدم الانتهاء من تحديد الدوائر وتسمياتها، ما يُعد مخالفةً واضحة للدستور الذي يقضي بإرسال التشريعات فور إقرارها إلى رئيس الجمهورية الذي يقوم بالمصادقة عليها أو يُرجعها إلى البرلمان خلال 15 يوماً. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن الانتخابات النيابية ستُجرى وفق القانون النافذ السابق، رغم إقرار البرلمان للقانون المعدل لكنه يحتاج إلى مصادقة الرئيس ومن ثم النشر في الجريدة الرسمية حتى يعد باتاً.

وفي السابع من يونيو 2020 كشف النائب شيروان دوبرداني، عضو لجنة الأقاليم والمحافظات في البرلمان، عن وجود اتفاق مبدئي بين الكتل البرلمانية على تعديل القانون الانتخابي، وقال إن “الكتل السياسية شبه متفقة على أن تمرير قانون الانتخابات البرلمانية كان على عجالة بسبب ضغط المحتجين”، مضيفاً أن “التعديلات الجديدة ستكون لمراجعة وتعديل بعض الأخطاء الفنية التي تعرقل إقامة انتخابات برلمانية مبكرة وفق هذا القانون”. والمواد محل الخلاف هي:

  1. وجود 41 قضاءً غير مسجل في وزارة التخطيط، ولا يمكن اعتبارها دوائر انتخابية دون التأكد من عدد سكانها؛ فوفق المادة 15 من القانون المعدل سيكون لكل قَضاء ممثلٌ واحد أو أكثر على أساس نائب واحد لكل 100 ألف مواطن، وإذا كان عدد سكان القضاء أقل من هذا العدد فسيتم دمجه بأقرب قضاء كبير.
  2. غياب الإحصاء السكاني والاعتماد على بيانات وزارة التجارة (البطاقة التموينية)، وهو أمر قد يؤثر في نسب المشاركة في بعض الدوائر الانتخابية، بمعنى أن يكون الناخب بحسب إحصاءات وزارة التجارة مُسجل في قضاء معين إلا أنه في الواقع يعيش في قضاء آخر.
  3. كوتا المرأة التي نص عليها الدستور، وأوجب أن تكون نسبة المرأة في البرلمان 25 في المئة، وهي نسبة يمكن ضمانها عن طريق الانتخاب بالقوائم، أما الانتخاب الفردي المباشر كما في القانون المحدد، فيصعب تحديدها وتحتاج إلى صيغة معينة، مثل جعل البلاد دائرة واحدة للنساء.
  4. اعتماد شهادة الإعدادية للمرشح بدلاً من البكالوريوس التي كانت توجبها مواد القانون القديم، إضافة إلى شرط العمر إذ تم تحديد 25 عاماً للمرشح بدلاً من 30 عاماً، الأمر الذي أيدته الكتل الكردية فيما ترى بعض الكتل الشيعية، مثل “دولة القانون”، ضرورة أن يكون المرشح قد تجاوز الثلاثين عاماً.
  5. إقرار العد والفرز الإلكتروني في النسخة المعدلة، وهو ما تخشاه الكتل التي حصلت على عدد مقاعد أصوات أقل من توقعاتها في الانتخابات السابقة في مايو 2018، والتي اعتمدت الطريقة الإلكترونية أيضاً، وما رافقها من مخالفات وشكاوى وطعون وإعادة العد والفرز اليدوي في الكثير من الدوائر الانتخابية.
  6. ازدواج الجنسية، حيث تجاهل القانون هذه المسألة التي نص عليها الدستور في المادة (18/رابعاً) من دستور جمهورية العراق لعام 2005، التي تنص على أنه “يجوز تعدد الجنسية للعراقي، وعلى مَن يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً التخلي عن أية جنسية أخرى مكتسبة، ويُنظَّم ذلك بقانون”. وبحسب مطالب المتظاهرين فإن هذه المادة يجب أن تشمل النواب أيضاً، إلا أن عدم تشريع قانون خاص بهذه المادة سمح بتولي الكثير من السياسيين ممن لديهم أكثر من جنسية، مناصبَ مهمة وحساسة في الدولة، من بينها رئاستا الوزراء والجمهورية.

مواقف القوى السياسية من الانتخابات وقانونها

غيّرت الكثير من الكتل والأحزاب السياسية مواقفَها من الانتخابات المبكرة بعد تولي مصطفى الكاظمي رئاسة الوزراء في بداية شهر مايو الماضي؛ فالكتل الرافضة للانتخابات المبكرة مثل “عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي أصحبت تطالب بحل البرلمان وتنظيم تلك الانتخابات لأنها تعتقد بأن استمرار الكاظمي لفترة أطول في رئاسة الحكومة قد يفقد الميليشيات الكثير من الامتيازات التي تحصل عليها من الدولة، والعكس صحيح؛ إذ تطالب الأطراف المؤيدة للحكومة الجديدة، مثل “النصر” بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي و”الحكمة” بزعامة السيد عمار الحكيم، بصورة غير مباشرة بالإبقاء على الكاظمي إلى حين موعد الانتخابات الدستوري في عام 2022، من خلال تأكيدها على ضرورة توافر الشروط الملائمة للانتخابات من نواحي الأمن والاستعدادات الأمنية واللوجستية.

هذا التبدل في المواقف من الانتخابات المبكرة رافقه تغييرٌ في الموقف من قانون الانتخابات، وقد تُقدّم الأطرافُ المعارضة للكاظمي بعض التنازلات للجانب الكردي تحديداً، من أجل الانتهاء من القانون وإرساله إلى رئيس الجمهورية للمصادقة عليه. والعكس صحيح بالنسبة للكتل المؤيدة لرئيس الوزراء، التي ستحاول التمسك بالفقرات الخلافية لأطول فترة ممكنة.

وفيما يلي أبرز المواقف من تعديل قانون الانتخابات:

  1. كتلة “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، وهي مساندة الكاظمي، اقترحت في 5 يونيو الجاري تقسيم العراق إلى 240 دائرة انتخابية، فقال النائب عن الكتلة برهان المعموري إن “من إيجابيات تعدد الدوائر الانتخابية في المحافظة الواحدة اعتماد مبدأ العدالة والشفافية في المشاركة بالانتخابات، والابتعاد عن المعيار الجغرافي الذي يؤدي إلى غبن قد يَلحق ببعض المناطق على حساب البعض الآخر”، وهو ما سيؤدي إلى رفض أكبر من الكتل الكردية وبعض الكتل الأخرى للقانون بصيغته الحالية.
  2. عضو “الاتحاد الوطني الكردستاني” مثنى أمين صرّح في 6 يونيو أن حزبه يعتقد بأن “قانون الانتخابات بشكله الحالي يُعتبر قانوناً مصمماً بحرص وعناية لسلب إرادة الناس ويجب أن يُعاد إلى مجلس النواب من جديد قبل إقراره النهائي، وإعادة تعديله بما يتوافق مع إصلاحات الشارع العراقي ويحفظ العراق من خطر الانهيار والصراعات الداخلية”.
  3. كتلة “بدر” البرلمانية بزعامة هادي العامري قدمت في 7 يونيو مقترحاً جديداً لنظام توزيع الدوائر الانتخابية في قانون الانتخابات العامة، موضحةً أن “المقترح الجديد، الذي تسلمته اللجنة القانونية بموافقة رئاسة البرلمان، يتضمن احتساب دائرة انتخابية واحدة لكل 400 ألف نسمة”.
  4. النائب عن تحالف “الفتح” وليد السهلاني طالب في 3 يونيو باعتماد قانون انتخابات جديد، وتقسيم المحافظة الواحدة إلى ثلاث دوائر انتخابية، مبيناً أن الاجتماعات المقبلة ستكون حاسمة في إقرار البنود الخلافية في القانون، وقال إن “الكتل السياسية مازالت تتفاوض بشأن الدوائر الانتخابية وتقسيمها”. في حين أن النائب عن التحالف نفسه عامر الفايز قال في 9 يونيو إنه “ليس من حق أي جهة سياسية أن تتنصل من الاتفاقات التي جرت بينها قبل اختيار مصطفى الكاظمي لرئاسة الحكومة، لأن الانتخابات المبكرة مطلبٌ سياسي لبعض الكتل، كما أن المتظاهرين يطالبون به، ثم أنه حظي بمباركة المرجعية (علي السيستاني) وقد دعت إلى ضرورة إجرائها”.

واللافت للنظر أن الكتل السُّنية بدت غير مكترثة هذه الأيام بموضوع الدوائر الانتخابية بقدر اهتمامها بتوفير البيئة المناسبة لإجراء الانتخابات، فزعيم “جبهة الإنقاذ والتنمية” أسامة النجيفي قال إن “الانتخابات المبكرة لا معنى لها في ظل تفشي الفساد وسلاح الميليشيات”، وأضاف “ندعو الكاظمي إلى وضع استراتيجية عاجلة لمكافحة الفساد والميليشيات تأسيساً لانتخابات حرة غير مطعون فيها”.

أزمة مفوضية الانتخابات

منذ إقرار قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في 15 ديسمبر 2019 والجدل حول إعادة تشكيل مكاتبها وطريقة إدارتها لم يتوقف، خصوصاً بعد أن أقر البرلمان من خلال القانون الجديد تشكيلَ مجلس المفوضين من قضاة مستقلين؛ لذا ركزت الأطراف السياسية على السيطرة على مكاتب المفوضية في المحافظات، حيث يمكنها السيطرة على عملية مراقبة صناديق الاقتراع، ونقلها، وفرض تزوير النتائج لاسيما في حال اعتماد طرق العد والفرز اليدوي.

وحدد القانون الجديد أعضاءَ مجلس المفوضين بتسعة أعضاء يتم ترشيح خمسة منهم من قبل مجلس القضاء الأعلى وعن طريق القرعة مع مراعاة المناطق الاستئنافية، فيما يرشح مجلس القضاء في إقليم كردستان عضوين مع مراعاة توزيعهما في المناطق الاستئنافية في الإقليم، وعضوان الآخران يُرشحان من طرف مجلس الدولة ويختارهما مجلس القضاء أيضاً.

ويتولى مجلس المفوضين تشكيل مجالس المفوضية في المحافظات وكل الدوائر الانتخابية بعد أن تم تسريح كادر المفوضية السابق، غير أن بعض الأطراف السياسية ترى أن الكوادر لا تزال من أعضاء الأحزاب النافذة. وفيما يلي أبرز المواقف من مفوضية الانتخابات:

  1. قال زعيم ائتلاف “الوطنية” إياد علاوي، في تغريدة على “تويتر” في 27 مايو الماضي، إن “التعيينات المبنية على المحاصصة في الوظائف الدنيا في مفوضية الانتخابات، وعدم تحديد موعد الانتخابات المبكرة، وعدم المباشرة بتعديل قانون الانتخابات ومفوضيتها، مؤشرٌ خطير على نية الحكومة المؤقتة الاستمرار، وهذا لا يمكننا السماح به انطلاقاً من مطالب أبناء الشعب العراقي بالإصلاح، كما أنه مدخل إلى الفوضى”.
  2. وجّه “تحالف القوى العراقية” بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي اتهامات إلى المفوضية، فقال “في الوقت الذي استجبنا فيه إلى المطالب الشعبية بإصلاح بناء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، إلا أننا وبعد مراقبة أدائها عن كثب تلمسنا انحرافاً خطيراً في مسارات تشكيل مفاصلها وتسييس اختيارات الكوادر الوسطية والفنية فيها”. ورأى التحالف أن ذلك يُنذر باستمرار “انحراف المسار وفقدان العدالة في تمثيل بعض مكونات الشعب العراقي في المحافظات ذات النسيج المختلط (كركوك ودیالى وبغداد وبابل والبصرة) في مفاصل المفوضية الجديدة”.
  3. أشار نائب رئيس “الجبهة التركمانية” حسن توران إلى أنه “في كركوك، تم الإتيان بأشخاص لرئاسة المفوضية ممن كان لهم دور في تزوير الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2018″، وأضاف “من الواضح أن الهدف خلف ذلك هو تكرار تزوير الانتخابات المقبلة أيضاً”.
  4. إلا أن النائب عن تحالف “سائرون” غايب العميري رفض تلك الاتهامات التي رأى أنها تهدف إلى “التشهير والتسقيط”، واشترط وجود دليل على التشكيك بآلية اختيار المدراء في المفوضية “وخاصة أن الاختيار تم لشخصيات مستقلة ومهنية”، مبيناً أنه “بإمكان أي جهة الطعن بها، وسيتم التحقيق في حال وجود أدلة دون الاعتماد على مجرد اتهامات”.

من جهتها أصدرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، توضيحاً جديداً بخصوص المناصب الإدارية، وذكر بيان للمفوضية أن “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومجلسها يؤكدان على أن اختيار الموظفين لشغل المناصب الشاغرة جاء تطبيقاً لقانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الجديد رقم (31) لسنة 2019، وإنه وحسب الآليات المنفذة اختار من  الموظفين الذين رشحوا أنفسهم بما يتناسب والوصف الوظيفي لكل موقع بعيداً عن المحاصصة السياسية وفق آلية موضوعية اعتمدت على معايير وظيفية وقانونية شفافة وهناك خططاً مدروسة لاختبار كفاءتهم ونزاهتهم واستقلالهم السياسي خلال ثلاثة أشهر من التاريخ الذي ستصدر به الأوامر الإدارية”.

إن إعادة تشكيل مكاتب مفوضية الانتخابات تعني عرقلة تحضيراتها للانتخابات أو المضي بالعمل مع المكاتب الحالية، وتعرض مصادقة الانتخابات للتشكيك حتى قبل إقامتها، والكرة الآن في ملعب البرلمان فمن صلاحياته مساءلة مجلس إدارة المفوضية على التعيينات، بمعنى أن الأمر سيخضع أيضاً للمفاوضات والمساومات بين الكتل السياسية.

أزمة المحكمة الاتحادية

تعد المحكمةُ الاتحادية العليا في العراق الضلعَ المكمل لثالوث العملية الانتخابية -قانون ومفوضية وقضاء- للمصادقة على النتائج قبل إعلانها، وتخشى الأوساط السياسية والشعبية من أن يؤدي الخلاف المحتدم بين مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية إلى تعطل عمل الأخيرة، وبالتالي تأثر الانتخابات وربما استحالة تنظيمها.

وملخص الخلاف أن مجلس القضاء الأعلى اعتبر في بيان رسمي صادر في بداية العام الجاري أن قرارات المحكمة الاتحادية غير ملزمة وليست دستورية بسبب اختلال نصابها. وذكر المجلس في بيانه أن “قانون المحكمة النافذ يوجب أن تتكون المحكمة من رئيس وثمانية أعضاء، ولا يكون انعقادها صحيحاً إلا بحضور جميع أعضائها، وطالما أن أحد أعضاء المحكمة أحيل على التقاعد فقد اختلّ نصاب المحكمة، وبالتالي فإن كل ما يصدر عنها معدوم ولا يمكن أن يوصف قرارها بأنه ملزم”. فيما قضت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية المادة (3) من قانونها (30) لسنة 2005، التي تخول مجلس القضاء الأعلى صلاحية ترشيح رئيس وأعضاء المحكمة، مطالبةً مجلس النواب بتشريع مادة بديلة تتفق مع أحكام الدستور. بمعنى أن نصاب المحكمة الاتحادية العليا لن يكتمل ما لم تحل المشكلة القائمة، وبحسب النائب باسم خشان فإن “انعدام جهة المصادقة على نتائج الانتخابات والتي هي المحكمة الاتحادية العليا، يعني عدم إمكانية إجراء انتخابات مبكرة قبل أن يتم تشريع قانون للمحكمة”.

وتشير التسريبات إلى وجود وساطات تقوم بها الكتل الشيعية لتقريب وجهات النظر نجحت في رسم خارطة طريق لحل الأزمة بين مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية العليا، وتقضي بإرسال قانون المحكمة الاتحادية رقم 30 لسنة 2005 إلى مجلس النواب لإجراء تعديلات عليه لمعالجة مشكلة تعيين أو استبدال أعضاء جدد في المحكمة الاتحادية، أي أن الأمر سيكون مرة أخرى على طاولة المساومات. وقد تنجح الكتل التي تريد تأجيل الانتخابات في عرقلة تعديل قانون المحكمة العليا، والعكس صحيح إذا ما جمعت الكتل المؤيدة للانتخابات المبكرة أكبر عدد ممكن من الأصوات لتمرير تعديل قانون المحكمة.

السيناريوهات المحتملة بخصوص الانتخابات وقانونها

السيناريو الأول: الاتفاق على تقليص عدد الدوائر الانتخابية وربما الانتخاب بطريقة مختلطة، أي القوائم والانتخاب الفردي المباشر، وهي طريقة تُرضي غالبية الكتل السياسية التقليدية التي ترى فيها فرصةً جديدة للاحتفاظ بتمثيل كبيرة داخل السلطة التشريعية، وقد يشمل التعديل أيضاً اعتماد العد والفرز اليدوي، وتعديل قانون المحكمة الاتحادية مع الإبقاء على الهيكلة الحالية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

والعوامل التي ترجح هذا السيناريو هي:

  1. غياب الضغط الجماهيري؛ فالاحتجاجات الشعبية في أضعف حالاتها بسبب الظرف الصحي الناجم عن وباء كورونا، وانشغال الناس بالأزمة الاقتصادية، وتشديد القبضة الأمنية، سيما أن الدوائر المتعددة والانتخاب الفردي كانت من أهم مطالب المتظاهرين.
  2. رغبة الكتل الشيعية، التي كانت تتبنى الدوائر الكثيرة والانتخاب الفردي، في إجراء الانتخابات المبكرة، في حين أن الخلافات حول قانون الانتخابات قد تؤدي إلى تأجيل الانتخابات، سيما أن مفوضية الانتخابات تحتاج إلى فترة لا تقل عن سنة للاستعداد وفق أي قانون جديد.
  3. هناك كتل أخرى متضررة من القانون بصيغته الحالية، مثل “دولة القانون” و”الفضيلة” إلى جانب الكتل الكردية، التي ستدعم تمرير التعديلات المقترحة.
  4. الصعوبات التقنية التي تحُول دون رسم الدوائر (الأقضية) بصورة دقيقة في ظل تدفق السكان نحو المدن الكبيرة، وغياب الإحصاءات الرسمية؛ وكلها عوامل قد تُقنع الكتل المصرة على الدوائر المتعددة، مثل “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، بتغيير مواقفها من القانون الحالي.
  5. قدرة الكتل والأحزاب الكبيرة على فرض سيطرتها على مكاتب ودوائر مفوضية الانتخابات مهما كلف الأمر.

وأغلب الظن أن البرلمان سيتجه نحو دمج الأقضية الصغيرة والمتنازع عليها بين العرب والأكراد والتركمان في دوائر كبيرة، وسيكون العدد أكثر من 18 دائرة (عدد المحافظات) وأقل من العدد الفعلي للأقضية العراقية، كما أنه سيعتمد القوائم الانتخابية بحجة ضمان “كوتا” النساء التي نص عليها الدستور.

السيناريو الثاني: بقاء قانون الانتخابات الحالي على ما هو عليه وإعادة هيكلة مفوضية الانتخابات، مع احتمال تقريب موعد الانتخابات، أي قبل موعدها المقرر في صيف 2022. ويرتبط هذا السيناريو بتحقق الفرضيات الآتية:

  1. تمسُّك الكتل الشيعية بالدوائر الكثيرة المتعددة، كل قضاء دائرة، رغم معارضة الأطراف الكردية وبعض القوى السنية؛ بهدف تحديد موعد انتخابات مبكرة.
  2. بروز موقف جديد من المرجع الشيعي علي السيستاني يؤكد فيه تمسكه بالنسخة الحالية من القانون دون تغيير.
  3. قد توافق الأطراف الكردية على بقاء القانون على ما هو عليه إذا ما تم الاتفاق على وضع خاص للأقضية الموجودة في المناطق المتنازع عليها، أي اتفاق “فني” لا يتطلب تشريعاً برلمانياً جديداً.
  4. عودة زخم الاحتجاجات الشعبية ورفض أي تعديل يؤدي إلى عودة الدوائر الكبيرة ونظام القوائم في الانتخابات، والمطالبة برفع يد الأحزاب عن مفوضية الانتخابات.

ولابد من الإشارة إلى أن الاتفاق على قانون الانتخابات لا يعني بالضرورة تحديد موعد الانتخابات، ذلك أن الأمر يرتبط أيضاً بالانتهاء من هيكلة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وتشكيل المحكمة الاتحادية العليا، فضلاً عن المصالح الانتخابية للقوى السياسية.

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
مركز إمارات للسياسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة − 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى