من الصحافة الإيرانية: الموقف الإيجابي للمنطقة عامل مساعد في مفاوضات طهران وواشنطن

تلعب المناطق الجغرافية دوراً حاسماً في الجيوسياسة العالمية وتوازنات القوى الكبرى، وتُعد منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما منظومة منطقة الخليج، مركز ثقل الطاقة العالمية ومحور الاقتصاد السياسي الدولي.

ميدل ايست نيوز: تلعب المناطق الجغرافية دوراً حاسماً في الجيوسياسة العالمية وتوازنات القوى الكبرى، وتُعد منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما منظومة منطقة الخليج، مركز ثقل الطاقة العالمية ومحور الاقتصاد السياسي الدولي. وخلال العقد الماضي، شهدت هذه المنطقة تحوّلاً ملموساً في أدوار بعض الفاعلين الإقليميين، وعلى رأسهم السعودية والإمارات، اللتين انتقلتا في تعاملهما مع النزاع الإيراني-الأميركي من موقع التبعية إلى موقع الحياد البنّاء والفاعل.

ويُلاحظ هذا التحول من خلال تغيّر أولويات مجلس التعاون الخليجي داخلياً وإقليمياً ودولياً، وتوسيع نطاق العلاقات الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إضافة إلى استضافة بعض دول الخليج، كالإمارات وسلطنة عُمان، لجولات التفاوض غير المباشر بين طهران وواشنطن. ما يعكس أن دور هذه الدول لم يعد معطّلاً لمسار التفاهمات، بل داعماً لها.

وفي هذا السياق، يشير التحول في نوايا القيادات الخليجية إلى رغبة حقيقية في كسر الجمود التاريخي وتحويل موقع الخليج من فاعل تقليدي إلى مركز شبكي لإعادة بناء العلاقات الإقليمية، خاصة في ضوء ما يملكه الخليج من موقع استراتيجي وطاقة تفاوضية متنامية.

ويبرز في هذا الإطار الدور المحوري لكل من السعودية والإمارات، ليس فقط على مستوى الخليج، بل على مستوى أوسع في غرب آسيا. فإمكاناتهما السياسية والاقتصادية والمالية والدبلوماسية تؤهلهما للتأثير في مواقف بقية الدول العربية. وتُظهر تجربة العقد الأخير كيف تبعت عدة دول عربية موقف الرياض وأبوظبي في مواقفهما من إيران، ما يعني أن أي تغيّر في موقفيهما قد يرسم معادلة جديدة لبقية الدول الخليجية.

ومنذ مارس 2023، بدأت طهران والرياض عملية تطبيع شاملة لعلاقاتهما الدبلوماسية، مدفوعة بفهم مشترك للتطورات الإقليمية والدولية. وقد شملت هذه الجهود ملفات عدة، منها الأمن والدفاع، إضافة إلى البعدين السياسي والاقتصادي. وتُعد زيارة رئيس هيئة الأركان السعودية إلى طهران، وزيارة نظيره الإيراني المرتقبة إلى الرياض، مؤشراً على مرحلة جديدة من التعاون الأمني قد تنتهي بتفاهمات ثنائية أو متعددة الأطراف في بيئة كانت ساحة مواجهة لسنوات طويلة.

وتسعى الرياض، ضمن هذه الرؤية الجديدة، إلى لعب دور توافقي يوازن بين طرفي النزاع، عبر مسار متدرج من التعاون والتقارب بدلاً من الصدام والمجابهة.

وكانت دول الخليج، لعقود طويلة، حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة في المنطقة، وسعت للحفاظ على هذا التحالف رغم تراجع أولويات واشنطن الإقليمية. لكن بالمقابل، أدركت هذه الدول أيضاً محدودية التعويل على القوى الخارجية، وبدأت بإعادة صياغة أولوياتها نحو الاقتصاد السياسي والانفتاح على إيران في إطار رؤية استراتيجية جديدة.

وتقابل إيران هذا التحول برؤية تتجاوز سياسة “احتواء الجوار”، إلى مقاربة أكثر انفتاحاً تقوم على “إدارة العلاقات” في البيئة الجيوسياسية المحيطة بها. وتعمل طهران حالياً على تحديث أدواتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية لمواكبة مخاطر الجغرافيا السياسية، بما في ذلك دعم مسار التعاون الاقتصادي، خاصة عبر التجارة.

وفي ضوء هذه التغيرات، لم تعد دول مجلس التعاون الخليجي راغبة في لعب دور تابع في مشروع “الضغط الأقصى” على إيران، بل تسعى إلى استبدال ردود الفعل السلبية بمبادرات إيجابية، ومنها الوساطة بين طهران وواشنطن في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

ويُعد التحول في أولويات السعودية ضمن “رؤية 2030” دليلاً واضحاً على توجهها نحو لعب دور مركز للوساطة والدبلوماسية الإقليمية، كما يظهر في مشاركتها النشطة في ملفات مثل الوساطة في حرب أوكرانيا، والصراع في غزة، والملف النووي الإيراني، وهو ما يضع المملكة ومجلس التعاون في موقع المبادرة البناءة في النظام الإقليمي الناشئ.

كامران كرمي
باحث في قضايا الخليج

تابع ميدل ايست نيوز على التلغرام telegram
المصدر
ميدل ايست نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × 3 =

زر الذهاب إلى الأعلى